في وقت تزداد فيه الحاجة إلى مراعاة التغير المناخي، خاصة مع العديد من الكوارث الطبيعية التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة، استطاعت شركة مغربية ناشئة أن تلفت الأنظار ببنائها منازل بأسعار تنافسية، باستخدام الطين؛ ما يجعلها منازل صديقة للبيئة.

تأسست شركة القبة البيئية المغربية المعروفة بالفرنسية باسم (إكو دوم ماروك) في عام 2016، وهي تطبق التقاليد المحلية على التكنولوجيا الحديثة لبناء قباب أكدت أنها أرخص وأكثر استدامة من الناحية البيئية، وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة من المنازل الخرسانية العادية.

وحول طبيعة البناء الإيكولوجي لهذه القباب، قال مؤسس الشركة، يونس وزري لشبكة CNN إنه اكتشف أثناء سفره في أنحاء البلاد، تقليداً غنياً في البناء الترابي الذي استخدمه الأجداد.

وأضاف «لقد أخذنا ببساطة هذه المعرفة الحالية وأدخلنا عليها تعديلات لتتوافق مع التكنولوجيا الحديثة للتوصل إلى مفهوم صديق للبيئة وفعال من حيث التكلفة وسريع التنفيذ».

كيفية بناء المنازل

من هنا، أصبح كل منزل تتولى الشركة بناءه، فريداً من نوعه، فبمجرد أن تتلقى طلباً، فإن الخطوة الأولى التي تتبعها هي تحليل تركيبة التربة في الموقع المطلوب التشييد فيه؛ لتحديد مدى ملاءمته البناء.

مباني إكو دوم
المباني وسط الطبيعة (إكو دوم)

وبالتالي، يمكن إضافة كميات صغيرة من الجير أو الإسمنت لتحقيق الأداء الأمثل، كما تشغل الشركة نماذج المحاكاة الحرارية للتأكد من السماكة المثالية لجدران القباب، حتى يمكنها امتصاص الحرارة خلال فصل الصيف وإطلاقها خلال فصل الشتاء.

هذا يعني أن المبنى سيستخدم أقل قدر ممكن من الطاقة للتدفئة والتبريد، وأحياناً لا يستخدمها على الإطلاق، كما يقول وزري، الذي تدرب كمهندس مدني.

ويضيف أن بناء القباب البيئية أسرع بكثير من بناء منزل عادي، إذ تتراوح الأسعار بين 247 دولاراً للمتر المربع و445 دولاراً، ويمكن أن تختلف حسب التربة والموقع.

وأضاف أن هذا أرخص بمقدار الثلث من المنزل العادي، ويرجع ذلك أساساً إلى التخلص من جزء كبير من المواد الخام، لأن الشركة تستخدم التربة المحلية، كما تلغي الخدمات اللوجستية مثل نقل المواد إلى الموقع.

وتعتمد الشركة بعض التقنيات المختلفة لبناء المنازل، أحدها ابتكره المهندس المعماري نادر خليلي في الثمانينيات من القرن الماضي، ويستخدم أكياس البولي بروبيلين المكدسة المملوءة بالتربة.

كما تشمل الطرق الأخرى استخدام إطار خشبي للهياكل؛ بهدف الحصول على مخطط أرضي مستطيل.

وحول أول مشروع للشركة الذي أنجز في عام 2017، قال وزري «كان منزلاً مساحته 775 قدماً مربعاً في منطقة ريفية بالقرب من العاصمة المغربية الرباط، حتى يستخدمه العميل كمنزل لقضاء العطلات».

ومنذ ذلك الحين، تولت الشركة بناء أكثر من 100 قبة في 40 موقعاً مختلفاً، كان أكبرها مركزاً ثقافياً مساحته 2700 قدم مربعة في مدينة أكويم، على بعد 70 ميلاً جنوب شرقي مراكش، في منطقة ذات مناخ قاسٍ يتأرجح من درجة التجمد في الشتاء إلى الحرارة الحارقة في الصيف.

المنازل الصديقة للبيئة في مدينة أكويم
مدينة أكويم (إكو دوم)

ابتكار مقتصد

تلقت الشركة نحو 300 ألف دولار من الاستثمار حتى الآن وتوظف 17 شخصاً، لديها ثلاثة أنواع رئيسية من العملاء، كما يقول وزري؛ وهم أصحاب الأراضي الذين يرغبون في بناء منزل أساسي أو ثانوي بأفضل الطرق البيئية الممكنة؛ والمستثمرون في السياحة الريفية والسياحة البيئية؛ والسلطات والمجتمعات المحلية، لبناء المدارس أو غيرها من البنية التحتية للتعليم والرعاية الصحية.

تهدف الشركة الآن إلى البدء في البناء في بلدان أخرى وتتطلع إلى تونس وساحل العاج أولاً.

من جهته، وصف أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة الرباط الدولية، يوسف الجنادي، هذا المشروع، بالابتكار المقتصد المثير للاهتمام، الذي يهدف إلى توفير منازل مستدامة بأسعار معقولة لجميع الفئات الاجتماعية.

مباني إكو دوم
لمسة عصرية في المباني تناسب عشاق السفر والمهتمين بالبيئة (إكو دوم)

وقال «هنا في المغرب وفي شمال إفريقيا بشكل عام، لدى الكثير من الناس عقلية الرغبة في الحصول على منازل مصنوعة من الخرسانة، والتي يعتقدون أنها أكثر حداثة وقوة».

وأضاف «لقد أدى ذلك إلى حصر المشروع في مجال متخصص، يفضله بشكل رئيسي أولئك الذين لديهم حساسية معينة للقضايا البيئية».

يشكك جانادي أيضاً في إمكانية مقاومة القباب الزلازل القوية، علماً أن المغرب تعرض لزلزال مدمر في سبتمبر أيلول الماضي، أودى بحياة نحو 3 آلاف شخص.

من جهته، قال وزري إن القباب البيئية بنيت وفقاً لأنظمة البناء المحلية، موضحاً أن «المباني التي تستخدم الطوب الفائق أو التقنيات الترابية الأخرى تتمتع بقدرة على مقاومة الزلازل، كما أن أربعة من مبانينا كانت قريبة من مركز الزلزال وظلت ثابتة».

مباني إكو دوم
استخدام مواد صديقة للبيئة (إكو دوم)

وأضاف أن الأرض تدوم لفترة أطول من المواد الصناعية. ففي بعض مناطق المغرب، لدينا مبانٍ بُنيت منذ آلاف السنين، ومع الصيانة المناسبة، يمكن لقبابنا أن تدوم إلى الأبد.

سوق السياحة الصديقة للبيئة

وفقاً لشبكة القرى البيئية العالمية، فإن القرية البيئية هي مجتمع مخطط أو تقليدي يسعى إلى الحفاظ على البيئة، مع دمج الركائز الأربع الأساسية للاستدامة، لذلك، أصبحت القرى البيئية منتشرة بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم كخيار معيشة مستدام.
كذلك، تتأثر سوق السياحة الأكثر صداقة للبيئة، بمدى الوعي العالمي والمخاوف البيئية المتزايدة، ما أدى إلى زيادة الطلب على خيارات السفر المستدامة، والمباني الخضراء.

فقد قُدر حجم سوق السياحة البيئية العالمية بنحو 195.9 مليار دولار في عام 2022، ومن المتوقع أن يصل إلى 656.19 مليار دولار بحلول عام 2032، ليتوسع بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 12.90 في المئة خلال الفترة المتوقعة من 2023 إلى 2032.

وتعود هذه الزيادة إلى الإقبال على أماكن الإقامة الصديقة للبيئة، ووسائل النقل الخالية من الكربون، والأنشطة الصديقة للبيئة، ما يعزز من التناغم بين السياحة والطبيعة.

ووفقاً لدراسة حول سوق السياحة البيئية، فإن أكثر فئة داعمة لهذا النوع من السياحة، هم ممن يبحثون عن أماكن صديقة للبيئة للإقامة بها، أو منازل أكثر صداقة للبيئة، يتصدرها جيل الألفية؛ نظراً لرغبتهم في الحصول على منتجات مستدامة ومسؤولة اجتماعياً.

وكان قطاع البناء والتشييد مثّل 38 في المئة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي وصلت إلى 10 غيغاطن في 2021، وذلك على الرغم من زيادة الاستثمار بنسبة 16 في المئة لتشييد المباني الجديدة الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة إلى 237 مليار دولار.

(جاكوبو بريسكو – CNN)