يبدو أن تغير المناخ أدى بالفعل لتحولات خطيرة في الحياة البرية، والتي امتد أثرها لتهديد الحياة البشرية، وهذه الواقعة التي شهدتها اليابان مؤخراً تلخص القصة بأكملها
فعند قيام المواطن الياباني، سيشي ساتو، بنزهة في إحدى الغابات شمال اليابان، شعر بحفيف يصدر من بين الأدغال، وقبل أن يدرك ما يحدث، وثب اثنان من الدببة الآسيوية من بين الأشجار، وهاجمه أحدهما بحدة مسبباً له الكثير من الخدوش والجروح في الفخذ والذراع، وبعد مقاومة كبيرة، نجح ساتو في النجاة بأعجوبة، وفقاً لما أوردته شبكة CNN.
حوادث متكررة
ساتو ليس الشخص الوحيد الذي تعرض لهذا الحادث المخيف، إذ تعرض ما لا يقل عن 212 شخصاً ل هجمات مماثلة هذا العام، وفقاً لإحصائيات وزارة البيئة، ولقي نحو ستة أشخاص حتفهم جراء هذه الهجمات.
وكان عام 2023 عاماً قياسياً في معدل هجوم الدببة في اليابان، فهي المرة الأولى التي يتجاوز فيها عدد هذا النوع من الهجمات 200 واقعة منذ عام 2006.
ويرى الخبراء أن فقدان الموائل الطبيعية للدببة تحت تأثير التغيرات المناخية يدفعها للمغامرة بشكل متزايد بالخروج من بيئتها التقليدية إلى المناطق الحضرية بحثاً عن الطعام.
وهذا يزيد احتمالات تعرضهم للبشر بشكل متزايد، ويقول ساتو «أصبح السكان في حالة تأهب شديد لهذا الوضع»، موضحاً أن الكثيرين تعرضوا للهجوم حتى خارج الأبواب الأمامية لمنازلهم.
فحتى نوفمبر تشرين الثاني، تم تسجيل أكثر من 19 ألف حالة مشاهدة للدببة في المناطق الحضرية في جميع أنحاء البلاد، ارتفاعاً من 11 ألفاً العام الماضي.
وتعهد وزير البيئة، شينتارو إيتو، الشهر الماضي باتخاذ الإجراءات المناسبة لمساعدة المجتمعات المتضررة.
ويأتي ذلك في وقت تتزايد فيه التحذيرات من أن التغيرات المناخية الناتجة عن ارتفاع درجة حرارة العالم تهدد بفقدان الموائل الطبيعية للحياة البرية، ما يؤثر بدوره على التوازن البيولوجي على مستوى العالم.
التغيرات المناخية تغير سلوك الحيوانات البرية
تعد اليابان موطناً لنوعين رئيسيين من الدببة، الدببة البنية، التي تعيش في هوكايدو، أقصى شمال جزر اليابان الرئيسية، ومجموعة صغيرة من الدببة الآسيوية، التي تعيش في هونشو، أكبر جزيرة في اليابان.
تتسم السلالتان بنظام غذائي آكل اللحوم، وتستمتعان بالتغذية على الجوز وتميلان إلى تجنب البشر، وقال البروفيسور كوجي يامازاكي من جامعة طوكيو للزراعة «كل من الدببة البنية والآسيوية هي في الأساس حيوانات خجولة تتجنب البشر».
ومع تزايد حوادث هجوم الدببة، يعتقد بعض الخبراء أن تغير المناخ قد يكون عاملاً أساسياً في دفع الدببة بعيداً عن بيئاتها التقليدية، على سبيل المثال، عندما يكون موسم حصاد الجوز سيئاً، تضطر الدببة للاقتراب من المستوطنات البشرية بحثاً عن الفواكه والكستناء والجوز والمنتجات الزراعية بشكل عام.
وظهرت الدببة بشكل أكبر في القرى بسبب الحصاد السيئ للجوز من شجرة الزان، الشجرة المفضلة للدببة، وحذر الخبراء من أن تعوّد الدببة على بقايا الطعام البشري، سيدفعهم للعودة مرة أخرى للتجمعات البشرية للحصول على المزيد.
التغيرات الديموغرافية وشيخوخة السكان
هناك عامل آخر يُعتقد أن له دوراً في اجتراء الحيوانات البرية على دخول التجمعات البشرية وهو التحول في التركيبة السكانية في اليابان.
فاليابان ضمن أكثر المجتمعات التي تعاني الشيخوخة في العالم، ففي عام 2021، كانت تلك الدولة الآسيوية موطناً لأكثر من 86 ألفاً من إجمالي المعمرين في العالم.
فمن بين كل 71 شخصاً هاجمتهم الدببة في أكتوبر تشرين الأول، كان 61 شخصاً فوق سن الستين، مقابل 21 شخصاً في الثمانينيات، وفي يوم 24 أكتوبر وحده، أصيب أربعة أشخاص، جميعهم في السبعينيات من العمر، وفقاً لهيئة الإذاعة والتلفزيون الوطنية (إن إتش كيه).
في الوقت نفسه، تشهد البلاد تحولاً ديموغرافياً ملحوظاً مع انتقال الأجيال الشابة بشكل متزايد إلى المدن الكبرى للحصول على فرص عمل أفضل.
وبذلك، تتضاءل أعداد السكان على أطراف المقاطعات الريفية الشمالية، ما يشجع الدببة على الدخول لتلك المناطق.
جدل بين نشطاء الحياة البرية والسلطات الحكومية
في كارويزاوا، وهي منتجع يقع في مقاطعة ناغانو شمال غرب طوكيو، قام دعاة الحفاظ على البيئة بدوريات في الغابة باستخدام الكلاب لإخافة الدببة، وفقاً لوسائل الإعلام المحلية.
لكن المسؤولين في محافظة أكيتا، التي سجلت ثاني أكبر عدد من هجمات الدببة، يستعدون لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة، إذ بدؤوا بالإعلان عن تقديم مكافآت للصيادين.
وأعلن المحافظ نوريهيسا ساتاكي أواخر الشهر الماضي عن جائزة قدرها 5000 ين (33 دولاراً) على كل دب يتم أسره في المحافظة، وتدرس السلطات أيضاً اقتراحاً بتخصيص مبلغ يصل إلى 15 مليون ين (100 ألف دولار) لدفع تكاليف نقل الدببة المحتجزة.
لكن الخبراء يقولون إن هناك حاجة إلى نهج أكثر شمولية، وقال يامازاكي، من جامعة طوكيو للزراعة، «إن الاصطياد ليس كافياً للسيطرة على الدببة، لذا من الضروري النظر في مجموعة من الأساليب المختلفة»، وقال إن الخطوة الأولى كانت دراسة أنواع الدببة -من حيث أعمارها وجنسها ومواقعها- التي تضل طريقها ولماذا.