ارتفعت تركيزات انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية جديدة في عام 2023، ما يعني أن كوكب الأرض سيشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة لسنوات عديدة قادمة، وذلك على الرغم من الاهتمام العالمي لقضايا تغيير المناخ، وفقاً لما أظهره تقرير أصدرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة.
ويعد التقرير الذي أصدرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية واحداً من سلسلة تقارير سيتم إصدارها قبل قمة المناخ COP29 التي تقودها الأمم المتحدة، والتي ستبدأ في باكو بأذربيجان في نوفمبر تشرين الثاني المقبل.
وأضاف التقرير أن الزيادة التي شهدتها تركيزات انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري خلال عام 2023 كان سببها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن حرائق الغابات الكبيرة، ما أدى إلى الانخفاض المحتمل في امتصاص هذه المساحات الشاسعة للكربون، فضلاً عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري الناجمة عن الأنشطة البشرية والصناعية التي لا تزال مرتفعة دون إمكانية لخفضها.
وقالت المنظمة في تقريرها، إن تركيزات ثاني أكسيد الكربون وصلت إلى 420 جزءاً في المليون في عام 2023، وهي نتيجة مباشرة «لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري الضخمة تاريخياً في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين والقرن العشرين».
وأضافت أن الميثان، وهو غاز ذو إمكانات احترار أعلى بكثير من ثاني أكسيد الكربون، يمثل الآن 16% من ظاهرة الاحتباس الحراري بعد ارتفاعه بنسبة 265% منذ أيام ما قبل الثورة الصناعة (قبل عام 1750).
وكانت زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في عام 2023 أعلى منها في عام 2022، «وإن كانت أقل من الزيادة المرصودة في الأعوام الثلاثة التي سبقت عام 2022».
وبلغت الزيادة السنوية لثاني أكسيد الكربون 2.3 جزء في المليون، وهذه هي السنة الثانية عشرة على التوالي التي تتجاوز فيها هذه الزيادة جزأين في المليون.
ووفقاً للتقرير، فإنه في عام 2023 كانت انبعاثات الكربون الناجمة عن الحرائق في العالم أعلى بنسبة 16% من المتوسط، وهو ما يجعله سابع أسوأ موسم للحرائق منذ عام 2003، حيث شهدت كندا أسوأ موسم لحرائق الغابات في تاريخها، أما أستراليا فقد تأثرت بثلاثة أشهر كانت الأكثر جفافاً على الإطلاق، من أغسطس آب إلى أكتوبر تشرين الأول 2023، مع اندلاع حرائق شديدة في الغابات.
وكانت زيادة الميثان في الغلاف الجوي في عام 2023 أقل من عام 2022، لكنها وصلت إلى مستويات قياسية على مدار فترة السنوات الخمس، ويشير التحليل التفصيلي إلى زيادة الانبعاثات من مصادر مثل الأراضي الرطبة والزراعة، التي قد تنجم جزئياً على الأقل عن استمرار التأثيرات التفاعلية المناخية التي تؤدي إلى الزيادة المستمرة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من النظم الطبيعية.
تقول سيليستى ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية في التقرير «عام آخر، ورقم قياسي جديد، يدقان ناقوس الخطر في أوساط صناع القرار، حيث من الواضح أننا بعيدون عن تحقيق هدف اتفاق باريس المتمثل في الحد من الاحترار العالمي إلى أقل من درجتين مئويتين بكثير، بهدف الحفاظ على درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات عصر ما قبل الثورة الصناعية».
وقال التقرير «إن حرائق الغابات قد تطلق المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وقد تمتص المحيطات الأكثر دفئاً كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون، ونتيجة لذلك قد يبقى المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى تسريع ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي وتحمض المحيطات، وتشكل هذه التأثيرات المناخية مخاوف بالغة الأهمية للمجتمعات في جميع أنحاء العالم».
وتتوقع كو باريت، نائبة الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن تطلق حرائق الغابات المزيد من انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي، في حين أن المحيطات التي ترتفع درجة حرارتها قد تمتص كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون، «وهو ما يعني أن المزيد من ثاني أكسيد الكربون قد يظل عالقاً في الغلاف الجوي لتتسارع على إثر ذلك وتيرة الاحترار العالمي، وتمثل هذه التأثرات التفاعلية المناخية مصدر قلق بالغ للمجتمع البشري».
كما تتوقع، أن تواصل غازات الاحتباس الحراري تراكمها في الغلاف الجوي إذا استمرت الانبعاثات، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ونظراً إلى الفترة الطويلة للغاية لبقاء ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فإن مستويات درجات الحرارة المرصودة بالفعل ستستمر لعدة عقود حتى مع تخفيض صافي الانبعاثات سريعاً إلى صفر.