منذ بدء المعرفة بعصر الفضاء عند إطلاق سبوتنيك 1 في عام 1957، أرسل البشر أكثر من 15 ألف قمر صناعي إلى المدار الفضائي، ولا يزال ما يزيد قليلاً على النصف يعمل؛ أما البقية، بعد نفاد الوقود وانتهاء عمرها الافتراضي وخروجها من الخدمة، فقد احترقت في الغلاف الجوي أو ما زالت تدور حول الكوكب ككتل معدنية عديمة الفائدة.
وعلى هذا النحو، فإن هذه النفايات الفضائية تشكل تهديداً لمحطة الفضاء الدولية والأقمار الصناعية الأخرى، إذ تقدر وكالة الفضاء الأوروبية أن «أكثر من 640 تفككاً، أو انفجاراً، أو تصادماً، أو حدثاً شاذاً أدى إلى انتشار الشظايا قد حدث حتى الآن».
وقد أدى ذلك إلى خلق هالة من النفايات الفضائية حول الكوكب، مكونة من 36 ألفاً و500 جسم أكبر من 10 سنتيمترات (3.94 بوصة) و130 مليون قطعة يصل حجمها إلى سنتيمتر واحد (0.39 بوصة)، إن تنظيف هذا الحطام أمر مكلف ومعقد، وهناك عدة خطط للقيام بذلك، ولكن لا توجد نتائج ملموسة حتى الآن.
وإحدى الطرق للبدء في معالجة المشكلة هي التوقف عن إنتاج المزيد من النفايات، عن طريق إعادة تزويد الأقمار الصناعية بالوقود، بدلاً من إيقاف تشغيلها بمجرد نفاد الطاقة.
يقول دانييل فابر، الرئيس التنفيذي لشركة أوربت فاب «في الوقت الحالي، لا يمكنك تزويد قمر صناعي بالوقود في مداره». لكن شركته التي يقع مقرها في كولورادو بالولايات المتحدة تريد تغيير ذلك.
وأوضح أنه «عندما ينفد وقود الأقمار الصناعية، لا يمكنك الاحتفاظ بها في المكان المناسب في المدار، وتتحول إلى حطام خطير، وتطفو بسرعات عالية جداً وتخاطر بالاصطدام»، ولكن أيضاً نقص الوقود يخلق نموذجاً لعمل الأقمار الصناعية في الفضاء، إذ يصمم المتخصصون مهمات مركباتهم الفضائية في إطار التحرك بأقل قدر ممكن.
وأضاف «هذا يعني أنه لا يمكن أن يكون لدينا شاحنات سحب في المدار للتخلص من أي حطام متبقٍّ، لا يمكننا إجراء الإصلاحات والصيانة، ولا يمكننا تحديث أي شيء، لا يمكننا فحص أي شيء إذا انكسر، هناك الكثير من الأشياء التي لا يمكننا القيام بها، ونعمل بطريقة مقيدة للغاية، لذلك هذا هو الحل الذي نحاول تقديمه».
عملية جراحية في الفضاء
كانت وكالة ناسا للفضاء رائدة في مفهوم إعادة التزود بالوقود وخدمة الأقمار الصناعية في المدار في عام 2007، عندما أطلقت – بالتعاون مع DARPA (الذراع البحثية لوزارة الدفاع الأميركية) وبوينج، (أوربيتال إكسبريس)، وهي مهمة تتضمن قمرين صناعيين مصممين خصيصاً لهذا الغرض، وقد تم الالتحام وتبادل الوقود بنجاح، وفي وقت لاحق عملت ناسا على مهمة التزود بالوقود الروبوتية أر أر إم (RRM)، والتي استكشفت بشكل أكبر تحديات إعادة تزويد الأقمار الصناعية الموجودة بالوقود.
تعمل الوكالة الآن على أوسام-1 OSAM-1، الذي كان من المقرر إطلاقه في عام 2026، وسيحاول الاستيلاء على لاند سات 7 Landsat-7 وإعادة تزويده بالوقود، وهو قمر صناعي لمراقبة الأرض نفد غازه.
يقول فابر، «هذه مهمة لتزويد قمر صناعي بالوقود لم يكن جاهزاً للتزود بالوقود»، «لذلك يتعين عليهم إجراء عملية جراحية على القمر الصناعي، وقطعه للوصول إلى أنابيب الوقود، وهذا يسمح بقدرة مذهلة على إصلاح الأقمار الصناعية، ولكن ذلك يأتي بثمن»، وقالت ناسا إن مهمة أوسام-1 OSAM-1 ستتكلف نحو ملياري دولار في المجموع.
ليس لدى شركة أوربت فاب أي خطط للتعامل مع الأسطول الحالي من الأقمار الصناعية، بدلاً من ذلك تريد التركيز على تلك التي لم يتم إطلاقها بعد، وتزويدها بمنفذ موحد –يسمى رافتي RAFTI، وهي بالإنجليزية اختصار لواجهة نقل السوائل السريعة القابلة للربط- والتي من شأنها تبسيط عملية التزود بالوقود بشكل كبير، مع إبقاء السعر منخفضاً.
يقول فابر، «ما نتطلع إلى القيام به هو إنشاء بنية منخفضة التكلفة»، «لا يوجد منفذ وقود متاح تجارياً لتزويد القمر الصناعي بالوقود في المدار حتى الآن، على الرغم من كل التطلعات الكبيرة التي لدينا بشأن اقتصاد الفضاء الهائل، فإن ما نعمل عليه حقاً هو تزويد غطاء الغاز، نحن شركة تركز على غطاء الغاز».
تعمل شركة أوربت فاب، التي تعلن عن نفسها تحت شعار «محطات الوقود في الفضاء»، على نظام يتضمن ميناء الوقود، ومكوكات إعادة التزود بالوقود -والتي من شأنها توصيل الوقود إلى القمر الصناعي المحتاج- وناقلات التزود بالوقود، أو محطات الوقود المدارية، التي يمكن للمكوكات التقاط الوقود منها، وقد أعلنت عن سعر قدره 20 مليون دولار لتوصيل الهيدرازين إلى المدار، وهو وقود الأقمار الصناعية الأكثر شيوعاً.
في عام 2018، أطلقت الشركة وحدتي اختبار إلى محطة الفضاء الدولية لاختبار الواجهات والمضخات والبنية الخاصة، وفي عام 2021، أطلقت شركة تانكر-001 تينزينغ، وهي عبارة عن نموذج توضيحي لمستودع الوقود كان بمثابة مصدر إلهام لتصميم الأجهزة الحالية.
ومن المقرر الآن أن يتم الإطلاق التالي في عام 2024، ويقول فابر، «نحن نقوم بتوصيل الوقود إلى المدار الثابت بالنسبة للأرض لمهمة ينفذها مختبر أبحاث القوات الجوية»، «في الوقت الحالي، يتعاملون معها على أنها عملية تجريبية، لكنها تحظى باهتمام كبير من جميع أنحاء الحكومة الأميركية، من الأشخاص الذين يدركون قيمة التزود بالوقود».
سيكون أول عميل خاص لشركة أوربت فاب هو شركة أستروسكيل، وهي شركة يابانية لخدمات الأقمار الصناعية قامت بتطوير أول قمر صناعي مصمم للتزود بالوقود، يُطلق عليه اسم ليكسي LEXI، وسيعمل على تركيب منافذ رافتي RAFTI، أي واجهة نقل السوائل السريعة القابلة للربط، ومن المقرر حالياً إطلاقه في عام 2026.
النهج الأصلي
وفقاً لسيمون داميكو، الأستاذ المشارك في علم الملاحة الفضائية في جامعة ستانفورد، والذي لا ينتمي إلى شركة أوربت فاب، فإن الخدمة في المدار هي أحد المفاتيح لضمان التنمية الآمنة والمستدامة للفضاء، ويتساءل «هل يمكنك أن تتخيل بنية تحتية للتنقل الأرضي والطرق والمدن دون محطات الوقود أو محلات تصليح السيارات؟ هل يمكنك أن تتخيل السيارات أو الطائرات ذات الاستخدام الواحد؟».
ويضيف داميكو أن هناك العديد من الأسباب وراء عدم حدوث ذلك في وقت سابق، بما في ذلك، حتى وقت قريب، الافتقار إلى الحاجة الملحوظة نظراً للعدد المحدود من المركبات الفضائية، وحقيقة أن تكنولوجيا الخدمة في المدار أصبحت الآن فقط قابلة للتطبيق اقتصادياً بسبب التقدم في تصغير الأقمار الصناعية.
وهو يعتقد أن أوربت فاب صاحبة نهج أصلي، خاصة من منظور التسويق، ويقول «ربما تكون الشركة الوحيدة في العالم التي وضعت نفسها لنشر (محطات الوقود) في المدار»، «أعتقد أن نهج أوربت فاب يتسم برؤية ثاقبة حقاً، ويمكن أن يؤتي ثماره على المدى المتوسط إلى الطويل، ومع ذلك فإن الأمر ينطوي على مخاطر كبيرة على المدى القصير، حيث يجب تصميم الأقمار الصناعية مع الأخذ في الاعتبار إمكانية إعادة الاستخدام والتزود بالوقود.
في البداية، تخطط أوربت فاب للعثور على سوقها كمورد للوقود لشركات، مثل أستروسكيل، التي تخطط لفحص وإصلاح وتحديث الأقمار الصناعية في المدار، أو القيام بجمع الحطام. ووفقاً لفابر، فإن النجاح في هذا القطاع يمكن أن يقنع شركات الاتصالات الكبرى، التي تشغل عدداً كبيراً من الأقمار الصناعية، بتغيير نموذج أعمالها وتبني أقماراً قابلة لإعادة التزود بالوقود.
ويضيف أنه بمجرد تحديد نمط إرسال وتوصيل الوقود إلى المدار، فإن الخطوة التالية هي البدء في صنع الوقود هناك، ويقول «في غضون 10 أو 15 عاماً، نرغب في بناء مصافي تكرير في المدار، لمعالجة المواد التي يتم إطلاقها من الأرض وتحويلها إلى مجموعة من المواد الكيميائية التي يرغب الناس في شرائها: الهواء والماء لمحطات الفضاء التجارية، المعادن الخام للطابعة ثلاثية الأبعاد لزراعة النباتات، نريد أن نكون المورد الكيميائي الصناعي لصناعة الفضاء التجارية الناشئة».
(جاكوبو بريسكو، CNN)