يبدو أن قدرة الأشخاص على المطالبة بفرص عمل عن بُعد قد بدأت بالتلاشي في الولايات المتحدة، في الوقت الذي يرى فيه الخبراء أن العمل عن بُعد يمثل فُرصة ذهبية للمواطنين في الدول النامية التي تمر بأزمات اقتصادية مثل مصر ولبنان.

خلال السنوات القليلة الماضية، سهّل فائض الوظائف الشاغرة على الأميركيين الانتقال من وظيفة إلى أخرى، والحصول على أجور وامتيازات أعلى مثل العمل عن بُعد، لكن مع بداية العام الجديد قد يكون عصر جديد للبحث عن الوظائف قد بدأ، وقد تتقلص قدرة الموظفين على المطالبة بالعمل عن بُعد.

من ناحية أخرى، يتنامى احتياج دول الخليج -خاصة المملكة العربية السعودية– إلى استقطاب الكفاءات من الدول المجاورة مثل مصر ولبنان والأردن، وتسمح هذه الدول بالعمل عن بُعد في مجالات مثل التكنولوجيا، والإعلان، الأمر الذي يوازن المعادلة للدول النامية في المنطقة.

العمل عن بُعد يتراجع في الولايات المتحدة

ارتفع معدل العمل عن بُعد في أثناء جائحة كورونا من نحو 6 في المئة من أيام العمل في الولايات المتحدة إلى أكثر من 50 في المئة في ربيع عام 2020، ومنذ ذلك الحين انخفض بشكلٍ مطّرد، ومنذ أوائل عام 2023 بلغ نحو 28 في المئة، وفقاً لهارفارد بيزنس ريفيو.

أمّا في بحث أجرته دبليو إف إتش، في أغسطس آب 2023، فظهر أن 12.8 في المئة فقط يمارسون مهامهم عن بُعد في الولايات المتحدة، ويعمل 30.3 في المئة من الموظفين بنظام عمل هجين يجمع بين العمل من المكتب والعمل عن بُعد.

أنماط العمل في أميركا

مع زيادة المنافسة وقلة الوظائف المتاحة، أصبح أصحاب العمل أقل استعداداً لتقديم ميزة العمل عن بُعد، إذ أعلن الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان، جيمي ديمون أنه متشكك في جدوى العمل عن بُعد، وقال رئيس شركة ميتا، مارك زوكربيرغ إن المهندسين «ينجزون المزيد» حين يعملون من المكتب، ومؤخراً أخبر كبير موظفي الموارد البشرية في غوغل الموظفين أن الحضور إلى المكتب سيؤخذ في الاعتبار خلال التقييمات السنوية.

حتى شركة زوم، تريد عودة الموظفين للعمل من المكتب يومين في الأسبوع، مع العلم أن الشركة هي صاحبة التطبيق الأشهر للاجتماع عن بُعد الذي كان له دور محوري في التحول إلى العمل من المنزل خلال الحجر الصحي.

كل هذا على الرغم من أن استطلاعات الرأي تُشير إلى تفضيل العاملين نُظم العمل المرنة التي تسمح لهم بالعمل عن بُعد، خاصة أن تلك النُظم تُتيح لهم تنظيم ساعات عملهم بشكل مُريح.

أراء الموظفين في العمل عن بُعد

الوظائف الشاغرة تقل

يتراجع عدد الوظائف المتاحة للعمل عن بُعد بسبب تراجع فرص العمل المتاحة بشكل عام، وشهدت منصة لينكد إن التي تجمع بيانات التوظيف لنحو مليار مستخدم حول العالم، انخفاضاً في التوظيف بين أواخر عام 2022 وأواخر عام 2023.

وفي الولايات المتحدة انخفض عرض وظائف شاغرة في الوظائف المكتبية وفقاً لمنصة التوظيف إنديد، وأفاد تقرير من لينكدإن بأن معدل التوظيف في أميركا انخفض في شهر ديسمبر كانون الأول الماضي 10 في المئة على أساس سنوي، الأمر الذي يرفع التوقعات بزيادة التنافس على الوظائف خلال العام الحالي، إذ تقول كارين كمبروغ «بالنظر إلى البيانات الرسمية للولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، والاتحاد الأوروبي، نجد أن الوظائف الشاغرة تراجعت في المجالات جميعها، ولا توجد إشارات لزيادتها قريباً».

كانت بعض الشركات البارزة أعلنت تسريح العمال في بداية العام الجديد، هذا الشهر.

هذا بالإضافة إلى أن غوغل وأمازون أعلنتا نيتهما تسريح مئات العمال، وفي الأسبوع الماضي أعلنت مجموعة سيتي أيضاً تسريح 20 ألف موظف خلال العامين المقبلين.

فرص العمل عن بُعد في الشرق الأوسط

من ناحية أخرى ترى دينا الدكروري، العاملة في مجال استقطاب الموظفين، أن الأمر لا ينطبق على مصر و المنطقة العربية، ولكن على العكس، ترى أن هذه الفترة تمثّل فرصة للعمل عن بُعد في البلاد التي تعاني انخفاضاً في قيمة عملتها.

وقالت الدكروري إن عدد الفرص المتاحة للعمل عن بُعد لم تقِل في المطلق، ولكنها تزداد في بعض المجالات وتقل في مجالات أخرى «بالفعل تزداد رغبة أصحاب الشركات التي اضطُرت للعمل عن بُعد في أثناء الجائحة في عودة الموظفين إلى العمل من المكتب، خاصة للموظفين الجدد لمراقبة مدى التزامهم وترسيخ ثقافة المؤسسة لديهم، لكن في المقابل هناك قطاعات، أبرزها القطاع التكنولوجي، والتسويق الإلكتروني والإعلان، أصبح اتجاهها الأساسي هو العمل عن بُعد» وأشارت إلى أن تلك القطاعات في تزايد إذ تتنامى فرص العمل عن بُعد في مجالات جديدة كالتوظيف، والمساعدة الافتراضية.

وأشارت الدكروري إلى أن المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر الأسواق التي تطلب العمل عن بُعد من الدول النامية كمصر والأردن ولبنان، فعلى الرغم من خبرة العاملين في تلك البلدان فإنهم يتقاضون أجوراً أقل من أجور العاملين في المملكة، وترى الدكروري أن هذا الأمر يفسح المجال للمواطنين في تلك البلدان لتدبير عملة صعبة في ظل ظروف اقتصادية غير مثالية، كما أشارت إلى الولايات المتحدة، وألمانيا، وبلجيكا كأبرز البلدان التي تُتيح فرص العمل عن بُعد للمنطقة.

أظهر استطلاع للرأي أجراه موقع التوظيف بَيت أن 85 في المئة من المشاركين في منطقة الشرق الأوسط يفضّلون امتيازات العمل عن بُعد، وأن 85 في المئة من المشاركين يتوقعون زيادة فرص العمل عن بُعد في المستقبل، ومع التحول المتزايد نحو التفاعلات عبر الإنترنت أصبح 53 في المئة من المشاركين متآلفين للغاية مع إجراء مقابلات بالفيديو عبر الإنترنت بما يتماشى مع زيادة اعتماد التكنولوجيا في عملية التوظيف.