يعتمد مصير عمالقة شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون على مواكبة التطور السريع في مجال الذكاء الاصطناعي، ويأتي الحصاد الأولي للمنافسة المتزايدة ليبرز التأثير الإيجابي لهذه التكنولوجيا على أرباح وأسهم الشركات الكبرى.

أخذت هذه الحرب الجديدة منعطفاً آخر منذ إطلاق شركة أوبن إيه آي لتشات جي بي تي في أواخر نوفمبر تشرين الثاني 2022، إذ اتجه تركيز الشركات الكبرى على تعزيز الإنفاق والاستثمار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدية، والتي يمكنها كتابة مقالات وقصص ومرئيات مقنعة استجابةً للمستخدم، مستهدفين الاستفادة من هذا التحول.

وفي أقل من عامين، بدأت تظهر أدوات منافسة لتشات جي بي تي، ومؤخراً أعلنت عدة شركات عن تطوير خدمات تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في عدد من منتجاتها، فضلاً عن إطلاق برامج دردشة لإنشاء محتوى من النصوص أو الصور أو الفيديوهات.

جهود الذكاء الاصطناعي

يعتبر إطلاق مايكروسوفت أجهزة لوحية ومحمولة مزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي مساء الاثنين، هو الأحدث في السباق الدائر بين عمالقة التكنولوجيا، إذ طرحت الشركة جيلاً جديداً من أجهزة الكمبيوتر اللوحي (سيرفيس برو) والمحمول (سيرفيس لابتوب) التي تتميز بشرائح كوالكوم، وتمنح المستخدم ميزة التعامل مع الأجهزة من خلال التحكم الصوتي دون الحاجة إلى استخدام اليدين.

كما كشفت شركة ديل تكنولوجيز النقاب عن مجموعة من أجهزة الكمبيوتر التي تدعم استخدام الذكاء الاصطناعي ومزودة بمعالجات كوالكوم، فضلاً عن خادم جديد به أحدث رقائق من شركة إنفيديا، سيكون متاحاً بدءاً من النصف الثاني من عام 2024.

وفي الأسبوع الماضي، عرضت أوبن إيه آي الشركة المدعومة من مايكروسوفت، جنباً إلى جنب مع غوغل التابعة لألفابت تقنيات ذكاء اصطناعي متنافسة يمكنها التفاعل والاستجابة للمحادثات الصوتية، وكلتاهما من السمات المميزة للمحادثات الواقعية التي استعصت على خدمة المساعد الصوتي التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.

كما كشفت شركة أبل النقاب عن أحدث أجهزتها آيباد برو في السابع من مايو أيار 2024، التي تتميز بتقنيات الذكاء الاصطناعي، في إطار جهودها للحاق بمنافسيها في صدارة التكنولوجيا.

ولم يسلم هذا السباق من بصمة ميتا -الشركة الأم لفيسبوك- التي أطلقت في أبريل نيسان 2024، برنامج الدردشة (تشات بوت) في 14 دولة حول العالم، الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي لإجراء محادثة عبر منصات الشركة المختلفة بما في ذلك إنستغرام وواتساب.

والشهر ذاته كشفت أمازون عن خدمة جديدة تُسمى (بيدروك)، وقالت في منشور على مدونتها إنها تتيح النماذج الكبيرة المدربة سابقاً على كميات هائلة من البيانات من مختبرات إيه آي 21، وستابيليتي إيه آي، وأنثروبيك، وأمازون للعملاء عبر واجهة برمجة التطبيقات.

وفي نوفمبر تشرين الثاني 2023، أعلنت شركة إكس إيه آي المملوكة للملياردير إيلون ماسك، إطلاق برنامج غروك وهو أول نموذج ذكاء اصطناعي توليدي لشركته الناشئة يعمل على الاستجابة للأسئلة بأجوبة نصية مكتوبة.

كيف تأثرت أسهم وأرباح الشركات؟

ارتفعت أسهم التكنولوجيا إلى مستويات قياسية في عام 2023، واستمرت في الصعود هذا العام، إذ أدت المكاسب الهائلة التي حققتها أسهم عمالقة التكنولوجيا، خاصة شركة صناعة الرقائق الأميركية إنفيديا التي قفز سهمها بما يتجاوز 91 في المئة منذ بداية العام الجاري وحتى إغلاق 20 مايو أيار، إلى دفع المؤشرات الرئيسية الثلاثة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.

كما قفزت أسهم ديل بنسبة 90 في المئة تقريباً منذ بداية العام حتى الآن، بحسب بيانات ريفينتيف، وارتفعت أسهم كل من ميتا ونتفليكس بما يتجاوز 31 في المئة، وألفابت وأماوزن بنسبة 26.65 في المئة و20.8 في المئة على الترتيب، مدعومة بنتائج الأرباح الإيجابية.

وكشفت نتائج الربع الأول من عام 2024، تفوق إيرادات وأرباح شركات التكنولوجيا على توقعات الأسواق، لتثبت أن الذكاء الاصطناعي كان طوق نجاة لإحدى أكبر الشركات في العالم.

وسجلت أمازون أرباحاً بقيمة 10.4 مليار دولار، بالإضافة إلى إيرادات قدرها 143.3 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2024، مقارنة بأرباح وإيرادات بنحو 3.2 مليار دولار و127.4 مليار دولار على الترتيب.

وقفزت إيرادات مايكروسوفت بنحو 17 في المئة خلال الربع الأول من العام الجاري، إلى 61.9 مليار دولار، مدفوعة بأداة الذكاء الاصطناعي ( كوبايلوت) التي أطلقتها الشركة في نوفمبر 2023 مقابل 30 دولاراً شهرياً، ما دفع سهم الشركة للصعود بنحو 13.11 في المئة منذ بداية العام الجاري.

كما قالت ميتا، إن صافي الأرباح في الفترة من يناير كانون الثاني إلى مارس آذار الماضي ارتفع إلى 36.5 مليار دولار، وهي زيادة بنسبة 27 في المئة على أساس سنوي، بعد أن سجلت 28.6 مليار دولار عن الفترة ذاتها العام الماضي.

التوقعات المستقبلية

من المتوقع أن يتجاوز الإنفاق على خوادم الذكاء الاصطناعي 33 مليار دولار خلال 2024، بحسب شركة إنترناشيونال داتا كوربوريشن للأبحاث، ما يعزز التفاؤل بمستقبل شركات التكنولوجيا الكبرى في وول ستريت.

وتوقع عاصم منصور، رئيس أبحاث السوق لدى شركة OW Market، استمرار مكاسب الأسهم على مدار عام 2024، وقال في تصريحات لـ«CNN الاقتصادية» إن اتجاه الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا العام من شأنه دعم الأسهم الأميركية خلال بقية هذا العام وحتى بداية عام 2025.

وفي الأسبوع الماضي، سجل كل من مؤشر ناسداك المركب ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 مكاسب للأسبوع الثالث على التوالي، مدعومة بتقارير أرباح قوية وعلامات على تباطؤ سوق العمل الذي غذى الرهانات على تخفيض أسعار الفائدة مرة أو مرتين هذا العام.

على جانب آخر، حذر تقرير لكابيتال إيكونوميكس من تراجع العوائد على مدار العقد المقبل بداية من عام 2026، وسط مخاوف بشأن التقييم المرتفع لأسهم بعض الشركات في ظل القلق بشأن مستويات الفائدة والتضخم.