شهد العالم في الساعات الأخيرة اضطرابات تقنية كبيرة أثرت على العديد من القطاعات الحيوية، ما أدى إلى توقف العمليات في مؤسسات كبرى مثل البنوك وشركات الطيران والقطاع الصحي والأسواق التجارية، فتعطل خدمات مايكروسوفت وكراودسترايك أبرز مدى هشاشة الأنظمة التقنية المعقدة، ما أثار تساؤلات بشأن الحاجة الملحة للانتقال نحو نماذج لامركزية.

خلفية الأحداث

اليوم واجه مستخدمو خدمات مايكروسوفت 365 انقطاعاً واسع النطاق، ما أدى إلى تعطيل التطبيقات والخدمات الأساسية، وفقاً لتقارير متعددة، تزامنت هذه الاضطرابات مع تحديث في نظام «Falcon Sensor» من شركة كراودسترايك، ما تسبب في حدوث تعطل في الأنظمة المستضيفة لويندوز، وظهر لاحقاً أن السبب كان خللاً تقنياً وليس هجوماً سيبرانياً بحسب الرئيس التنفيذي لشركة كراودسترايك.

التأثيرات الواسعة للاضطرابات

أثرت الاضطرابات بشكل كبير على قطاع الطيران، إذ أعلنت الإدارة الفيدرالية للطيران الأميركية إيقاف جميع الرحلات الجوية للعديد من شركات الطيران الأميركية الكبرى -بما في ذلك دلتا ويونايتد وأميركان إيرلاينز- بسبب مشكلة في الاتصال.

كما تأثرت عمليات المطارات في أستراليا وألمانيا وإسبانيا وبريطانيا، ما أدى إلى تأخير وإلغاء عشرات الرحلات.

وحتى البنوك والأسواق التجارية واجهت توقفات مفاجئة في أنظمة الدفع الإلكترونية والبنى التحتية التقنية، ما أثر على العملاء والشركات على حد سواء وأدى إلى فقدان الثقة في قدرة هذه الأنظمة على توفير خدمات موثوقة.

خبراء يؤكدون أهمية اللامركزية

علق محلل الاستخبارات مفتوحة المصدر تشارلز سمول على الأحداث قائلاً «الفوضى التي تسبب بها تحديث واحد فقط تُبرز مدى هشاشة الأنظمة التقنية المعقدة أمام نقاط الفشل الفردية، فمن الضروري أن تضمن الشركات تخطيطاً كافياً للمرونة التشغيلية».

وأضاف سمول «يجب على الأعمال تقييم كيفية استمرار العمليات بكفاءة وسط الاضطرابات النظامية، خاصة في ظل الوضع الأمني الحالي الذي يزيد من احتمالية الهجمات السيبرانية المستهدفة على البنية التحتية الحيوية».

وأكد سمول أن الشركات يجب أن تتعلم من هذه الأحداث وتعيد تقييم استراتيجياتها التقنية لضمان أن تكون مرنة بما يكفي لمواجهة التحديات المفاجئة والتركيز على اللامركزية، وتوزيع البيانات والخدمات عبر منصات متعددة يمكن أن يقلل من تأثير أي خلل تقني مستقبلي.

من جهتها قالت مستشارة الاتصالات التكنولوجية غيدا فرحات إن أحداث اليوم أظهرت مرة أخرى أن نقطة فشل واحدة في نظام مركزي يمكن أن تكون لها عواقب كارثية، ما يؤكد ضرورة التحول نحو اللامركزية.

وتعتقد فرحات أن الحل هو استخدام أنظمة البلوكشين، فالبيانات على هذه الأنظمة لا يمكن تغييرها، وتوزيعها على عدة عقد يجعل اختراقها شبه مستحيل.

في السياق نفسه قال خبير الأمن السيبراني رولاند أبي نجم إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حذرا منذ فترة طويلة من احتكار شركات التكنولوجيا لهذه المسائل، لذا يجب التفكير في اللامركزية وتنويع الموردين، حتى إذا حدث شيء ما، لا يتأثر العالم بأسره.

فيما أوضح الشريك في شركة سيبيروبس كونسولتنغ، فرانك كي، أنه على الرغم من أن الوضع الحالي لم يُصنف على أنه نتيجة لهجوم سيبراني أو حادث أمني، فإنه لا يزال يكشف مدى هشاشة الأنظمة وكيف يمكن أن تكون الأمور إذا حدث ذلك.

وقال كي «لذلك يُعتبر هذا تذكيراً مهماً بأنه في عالم اليوم، مع ارتباط جميع الأعمال والخدمات ببعضها، يجب على الشركات والمؤسسات التأكد من اتخاذ التدابير اللازمة كافة، مثل وضع خطط للاستعداد للكوارث، للتعامل مع مثل هذه الحالات إذا وقعت بالفعل».

الهجوم الإلكتروني غير مرجح

قال ماهر يموت، باحث أمني رئيسي في فريق البحث والتحليل العالمي لدى كاسبرسكي خلال حديثه مع «CNN الاقتصادية» إن تأكيد كراودسترايك لوجود المشكلة الفنية، يقلل على الفور من احتمالية الهجوم الإلكتروني إلى درجة كبيرة، ومن ناحية أخرى فإن التأثير العالمي لهذه الحادثة يكشف عن عدة قضايا.

أهم هذه القضايا أن عملية تحديث النظام/ البرنامج للعديد من الشركات يحتاج إلى المراجعة، فعلى الرغم من أهمية تحديثات النظام والبرامج لتأمين البنية التحتية، فإنه يجب اختبارها بعناية ونشرها تدريجياً في بيئة العميل لضمان الحد الأدنى من الاضطرابات في العمليات التجارية.

وأضاف أنه على الرغم من أن مايكروسوفت وكراودسترايك قامتا بتصليح المشكلة الفنية من جانبهما في وقت لاحق من يوم الجمعة، فإن التأثير على أنظمة العملاء سيستغرق وقتاً أطول للتخفيف من حدته، ما سيؤدي إلى اضطرابات في العديد من القطاعات لعدة أيام أو أسابيع، ويرجع ذلك إلى حقيقة أن الأنظمة لا يمكنها إجراء الإصلاح على نطاق واسع، ويجب إصلاح كل نظام يدوياً.

يمكن تصنيف الحادثة على أنها حدث «Black Swan» نظراً لندرتها وخطورتها وإمكانية التنبؤ بها بأثر رجعي، وفي المقابل يسلط الحادث الضوء على أهمية وجود عمليات من جانب العميل وتقنيات بديلة بالتوازي مع الأنظمة الرئيسية المستخدمة لضمان مرونة الأعمال خلال أحداث مثل «Black Swan».