تسعى شركات الذكاء الاصطناعي مثل أوبن إيه آي إلى التغلب على التأخيرات والتحديات غير المتوقعة في سعيها إلى تطوير نماذج لغوية أكبر حجماً من أي وقت مضى، هذه الشركات تبذل جهوداً حثيثة في تحسين تقنيات التدريب عبر أساليب مبتكرة تشبه التفكير البشري، وهو ما يهدف إلى جعل الخوارزميات «تفكر».

يؤكد عشرات العلماء والباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي لرويترز أن هذه التقنيات التي تعتمد عليها نماذج مثل O1 الصادرة عن أوبن إيه آي، قد تغير قواعد اللعبة في السباق نحو تطوير الذكاء الاصطناعي، وتؤثر بشكل كبير على نوعية الموارد المطلوبة لهذه العمليات، من الطاقة إلى رقائق المعالجات.

نماذج لغوية أكبر

رفضت أوبن إيه آي التعليق على هذه القصة، بعد إصدار روبوت الدردشة تشات جي بي تي قبل عامين، أكدت شركات التكنولوجيا التي استفادت تقييماتها بشكل كبير من طفرة الذكاء الاصطناعي علناً أن «توسيع نطاق» النماذج الحالية من خلال إضافة المزيد من البيانات وقوة الحوسبة سيؤدي باستمرار إلى تحسين نماذج الذكاء الاصطناعي.

ولكن الآن، يتحدث بعض أبرز علماء الذكاء الاصطناعي عن قيود نهج «الأكبر هو الأفضل».

صرَّح إيليا سوتسكيفر المؤسس المشارك لمختبرات الذكاء الاصطناعي سيف سوبر إنتليجنس (SSI) وأوبن إيه آي، لرويترز مؤخراً، أن النتائج المترتبة على توسيع نطاق التدريب المسبق -مرحلة تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم قدراً هائلاً من البيانات غير المصنفة لفهم أنماط اللغة- قد وصلت إلى مرحلة الثبات.

يُنسب إلى سوتسكيفر أنه من أوائل المؤيدين لتحقيق قفزات هائلة في تقدم الذكاء الاصطناعي التوليدي من خلال استخدام المزيد من البيانات وقوة الحوسبة في التدريب المسبق، والذي أدى في النهاية إلى إنشاء تشات جي بي تي. غادر سوتسكيفر أوبن إيه آي في وقت سابق من هذا العام لتأسيس SSI.

سوتسكيفر وتغيير النظرة التقليدية

قال سوتسكيفر «كان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عصر التوسع، والآن عدنا إلى عصر العجائب والاكتشاف مرة أخرى، الجميع يبحث عن الشيء التالي، إن توسيع نطاق التكنولوجيا الصحيحة مهم الآن أكثر من أي وقت مضى».

رفض سوتسكيفر مشاركة المزيد من التفاصيل حول كيفية تعامل فريقه مع هذه القضية، بخلاف قوله إن SSI تعمل على نهج بديل لتوسيع نطاق التدريب المسبق.

خلف الكواليس، واجه الباحثون في مختبرات الذكاء الاصطناعي الرئيسية تأخيرات ونتائج مخيبة للآمال في السباق لإطلاق نموذج لغوي كبير يتفوق على نموذج أوبن إيه آي جي بي تي 4 الذي يبلغ عمره ما يقرب من عامين، وفقاً لثلاثة مصادر مطلعة على الأمر.

يمكن أن تكلف ما تُسمى «عمليات التدريب» للنماذج الكبيرة عشرات الملايين من الدولارات من خلال تشغيل مئات الرقائق في وقت واحد، من المرجح أن يكون لديهم فشل ناتج عن الأجهزة نظراً لمدى تعقيد النظام؛ قد لا يعرف الباحثون الأداء النهائي للنماذج حتى نهاية التشغيل الذي قد يستغرق شهوراً.

هناك مشكلة أخرى، وهي أن نماذج اللغة الكبيرة تلتهم كميات هائلة من البيانات، وقد استنفدت نماذج الذكاء الاصطناعي جميع البيانات التي يمكن الوصول إليها بسهولة في العالم، كما أعاق نقص الطاقة عمليات التدريب، إذ تتطلب العملية كميات هائلة من الطاقة.

خطوة نحو محاكاة التفكير البشري

لمواجه هذه التحديات، بدأ الباحثون في استكشاف تقنية «الحوسبة في وقت الاختبار»، والتي تعزز النماذج الحالية أثناء مرحلة «الاستدلال» أو الاستخدام الفعلي للنموذج، بدلاً من اختيار إجابة واحدة، يمكن للنموذج توليد عدة احتمالات في الوقت الفعلي، ما يعزز القدرة على اتخاذ قرارات معقدة تشبه التفكير البشري.

قال نوام براون، الباحث في أوبن إيه آي الذي عمل على o1، في مؤتمر TED AI في سان فرانسيسكو الشهر الماضي، «لقد اتضح أن جعل الروبوت يفكر لمدة 20 ثانية فقط في جولة من لعبة البوكر حقق الأداء المعزز نفسه مثل توسيع النموذج بمقدار 100 ألف ضعف وتدريبه لمدة أطول بمقدار 100 ألف مرة».

نموذج O1.. طموحات أوبن إيه آي في تغيير المشهد التنافسي

نموذج O1 الذي أصدرته أوبن إيه آي يمثل نقلة نوعية في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في معالجة المشكلات، يعتمد O1 على أسلوب «التفكير متعدد الخطوات»، ما يتيح له أداء مهام معقدة تحتاج إلى تحليل واتخاذ قرارات بطريقة مشابهة للبشر، هذا النموذج الذي يتطلب تدريباً إضافياً فوق نماذج مثل GPT-4 قد يمثل بداية مرحلة جديدة في الذكاء الاصطناعي.

في الوقت ذاته، كان الباحثون في مختبرات الذكاء الاصطناعي الأخرى، من أنثروبك وإكس إيه آي وغوغل ديب مايند، يعملون كذلك على تطوير إصداراتهم الخاصة من التقنية، وفقاً لخمسة أشخاص مطلعين على الجهود.

قال كيفن ويل، كبير مسؤولي المنتجات في أوبن إيه آي في مؤتمر تقني في أكتوبر تشرين الأول «نرى الكثير من الثمار المنخفضة المعلقة التي يمكننا قطفها لتحسين هذه النماذج بسرعة كبيرة، وبحلول الوقت الذي يلحق فيه الناس بالركب، سنحاول أن نكون متقدمين بثلاث خطوات أخرى».

ولم تستجب غوغل وإكس إيه آي لطلبات التعليق، ولم يكن لدى أنثروبك أي تعليق فوري.

التداعيات الاقتصادية على سوق رقائق الذكاء الاصطناعي

الانتقال إلى تقنيات الاستدلال سيغير بشكل جذري من أسواق رقائق الذكاء الاصطناعي، قد تتنافس شركات أخرى مع إنفيديا التي تعتبر حالياً المتصدر في سوق الرقائق، حيث أشار الرئيس التنفيذي للشركة، جينسن هوانغ، إلى أن الطلب على رقائق الذكاء الاصطناعي سوف يستمر في الارتفاع مع دخول هذه التقنيات الجديدة.

وفقاً لمستثمرين بارزين في رأس المال الاستثماري، مثل سونيا هوانغ من سيكويا كابيتال، فإن هذا التحول قد يؤدي إلى انتقال الذكاء الاصطناعي من التركيز على مجموعات التدريب الضخمة إلى استثمار أكبر في خوادم الاستدلال القائمة على السحابة، وقد يغير هذا التوجه بشكل كبير استراتيجيات الشركات الكبرى، ويؤثر على سوق الرقائق العالمية.

وقد أدى الطلب على رقائق الذكاء الاصطناعي من إنفيديا التي تعد الأكثر تقدماً، إلى زيادة صعودها لتصبح الشركة الأكثر قيمة في العالم، متجاوزة شركة أبل في أكتوبر تشرين الأول، وعلى عكس رقائق التدريب، حيث تهيمن إنفيديا، قد تواجه شركة الرقائق العملاقة المزيد من المنافسة في سوق الاستدلال.

وعندما سُئلت عن التأثير المحتمل على الطلب على منتجاتها، أشارت إنفيديا إلى العروض التقديمية الأخيرة للشركة حول أهمية التقنية وراء نموذج o1. وتحدث الرئيس التنفيذي للشركة جينسن هوانغ عن زيادة الطلب على استخدام رقائقها للاستدلال، وقال هوانغ في مؤتمر عقد في الهند الشهر الماضي «اكتشفنا الآن قانوناً ثانياً للتوسع، وهو قانون التوسع في وقت الاستدلال.. كل هذه العوامل أدت إلى ارتفاع الطلب على بلاكويل بشكل لا يُصدق»؛ في إشارة إلى أحدث رقاقة ذكاء اصطناعي للشركة.