برز الأفراد المؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي كأحد أهم التطورات في العصر الرقمي خلال العقد الأخير، ليُفتَح المجال لانتشار ما يسمى بـ«اقتصاد المؤثرين».
وعلى مستوى العالم، يعتبر نحو 300 مليون شخص أنفسهم «مؤثرين» أو منشئي محتوى محترفين، بينما في الولايات المتحدة وحدها يبلغ العدد نحو 27 مليوناً، وهو حجم قطاع التصنيع الأميركي نفسها تقريباً، وفقاً لدراسة استقصائية أجرتها مجموعة كيلر الاستشارية بالتعاون مع أدوبي، ما يُسلّط الضوء على حجم السوق الضخم الذي نتحدث عنه.
وأشارت فوز الفهد، رائدة أعمال وصانعة المحتوى، في جلسة حوارية مع الإعلامي الإماراتي أنس بوخش خلال قمة الإعلام العربي المنعقدة في دبي، إلى أنه يمكن لأي شخص موجود على منصات التواصل الاجتماعي الاستفادة من المتابعين في تجارته الخاصة به في شتى المجالات، مع إمكانية الربط بين منصات التواصل الاجتماعي وأي مجال تجاري.
ما هو اقتصاد المؤثرين؟
كانت الأيام الأولى لعصر الإنترنت مليئة بالأشخاص الذين ينشرون آراءهم ومحتواهم سواء مكتوب أو مرئي بشكل مجاني، دون تفكير كبير في كيفية تحقيق دخل من هذا الأمر، وبالتأكيد لم يكن هناك تفكير واعٍ في أن يصبح الشخص صانع محتوى يكسب قوت يومه من هذا المجال.
ولكن مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، بدا كما لو أن أفكار الجميع في مجال وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تتجه نحو تحقيق الدخل.
ومن هنا بدأ يظهر ما يسمى بـ«اقتصاد المؤثرين» الذي يسمح لمنشئي المحتوى والمؤثرين بكسب الإيرادات من إبداعاتهم ومحتواهم عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، بما في ذلك يوتيوب، وفيسبوك، وتيك توك، وإنستغرام، وباتريون، وغيرها من المنصات.
عندما ينقر أحد متابعي أحد المؤثرين على رابط ويشتري شيئاً ما، يجني المؤثر المال، ونظراً لاجتذاب المؤثرين عدداً كبيراً من المتابعين، فأصبح لدى العديد من الأشخاص المؤثرين حافز آخر، إذ تدفع لهم العلامات التجارية مقابل الترويج للمنتجات الخاصة بهم.
ويبدو أن حجم هذا الاقتصاد أكبر مما نعتقد بكثير، إذ توقع بنك غولدمان ساكس تضاعف حجم اقتصاد المؤثرين إلى 480 مليار دولار بحلول عام 2027 من 250 مليار دولار في الوقت الراهن.
ويتوقع المحللون لدى البنك الاستثماري أن يكون الإنفاق على الترويج عبر المؤثرين ومدفوعات الإعلانات على منصات الفيديو القصيرة هو المحرك الرئيسي للنمو في اقتصاد المؤثرين.
الترويج عبر المؤثرين
تكافح العلامات التجارية للاستمرار في السوق وسط التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، ما يدفعها لإيجاد طرق جديدة للترويج لمنتجاتها، حتى يبرزوا في أذهان المستهلكين، ويبدو أن الترويج عبر المؤثرين أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى لربط العلامات التجارية بعملائها المستهدفين.
نما حجم سوق الترويج عبر المؤثرين من 1.7 مليار دولار في عام 2016 إلى 21.1 مليار دولار في عام 2023، بحسب بيانات إنفلونسر ماركتنج هاب، وسط توقعات بأن تواصل هذه السوق النمو لتصل إلى 24 مليار دولار بنهاية عام 2024 الجاري.
واتفقت كل من كارن وازن التي تعمل في مجال صناعة النظارات الشمسية وفوز الفهد التي تعمل في مجال صناعة الجمال، خلال جلسة في قمة الإعلام العربي حول تأثير التحول الرقمي على بيئة ريادة الأعمال، أنه على الرغم من الدور الثانوي لوسائل التواصل الاجتماعي في نمو أعمالهما فإنهما اعتبرتا منصات وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة أدوات تحليلية تسمح لرواد الأعمال بقياس أداء جهودهم التسويقية.
وخلافاً لما كان عليه الحال في الماضي، أصبحت الإعلانات الآن عبارة عن بيانات يمكن استخراجها، وأصبح المستخدمون بمثابة السلعة التي يمكن تتبعها عبر الإنترنت، ويعني هذا النهج المبني على البيانات أن المسوقين يمكنهم الاستهداف الجزئي لقطاعات محددة ويمكنهم قياس التفاعل مباشرة من جهة الاتصال الأولية وحتى الشراء، الأمر الذي عزز اتجاه العديد من الشركات والعلامات التجارية للإنفاق على الترويج عبر المؤثرين.
إنفاق الشركات على الترويج عبر المؤثرين
تشارك العلامات التجارية بجميع أحجامها في الترويج عبر المؤثرين، لذلك ليس من المفاجئ أن نرى بعض التباين في ما تنفقه الشركات على هذا النشاط.
وبحسب استطلاع رأي أجراه موقع إنفلونسر ماركتنج هاب مع ثلاثة آلاف شركة عالمية، قالت 47.4 في المئة من العلامات التجارية إنها تنفق أقل من 10 آلاف دولار سنوياً على الترويج عبر المؤثرين، وهي الفئة التي تضم الشركات الناشئة بالإضافة إلى المسوقين الأكثر خبرة الذين يعملون بميزانيات منخفضة.
على جانب آخر، كشف الاستطلاع أنه أنفقت 20.9 في المئة من العلامات التجارية ما بين 10 آلاف دولار و50 ألف دولار في عام 2023، بينما أنفق 8.9 في المئة من 50 ألف دولار إلى 100 ألف دولار، ونحو 8.3 في المئة أنفقوا بين من 100 ألف دولار إلى 500 ألف دولار، مع إنفاق 14.5 في المئة من العلامات التجارية أكثر من 500 ألف دولار لترويج منتجاتها عبر المؤثرين.
الذكاء الاصطناعي وصناعة المحتوى
شهدنا تطورات كبيرة في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في السنوات الأخيرة، خاصة بعدما أحدث برنامج تشات جي بي تي ثروة في التحول الرقمي، والآن يمكن للعلامات التجارية المشاركة في سوق الترويج عبر المؤثرين باستخدام الذكاء الاصطناعي في معظم مراحل العملية، بدءاً من المساعدة في اكتشاف المؤثرين وحتى إنشاء التقارير في نهاية الحملات الإعلانية.
ومع ذلك، قال تقرير توقعات 2024 الصادر عن إنفلونسر ماركتنج هاب «فوجئنا بمدى التغيير الضئيل الذي حدث في استخدام الذكاء الاصطناعي هذا العام من قِبل المسوقين الذين شاركوا في دراستنا، مقارنة بنتائج التقارير القليلة الماضية».
ومن بين 3000 علامة تجارية شاركت في استطلاع للموقع، يخطط 63 في المئة لاستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي خلال العام المقبل لتحديد المؤثرين أو إنشاء حملات فعّالة، مقابل 27.1 في المئة اعتقدوا أنهم قد يفعلون ذلك، في حين استبعد 9.9 في المئة فقط هذا النهج، ما يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي قد أصبحا الاتجاه السائد في العصر الرقمي الحديث.