أزمة نقص الحاويات وتكدس السفن في الموانئ باتت بعيدة إلى حد ما عن سلاسل التوريد العالمية، لكن تحديات أخرى تواجه هذا القطاع خلال العام الجاري، على رأسها زيادة احتمالية إفلاس شركات صغيرة حول العالم، وتنامي الهجمات الإلكترونية التي تتعرض لها مختلف القطاعات، بالإضافة إلى التضخم الذي يضرب العالم، وذلك وفق شركات أبحاث ومسؤولو مؤسسات متخصصة.
ويقول مسؤولو شركات متخصصة في التجارة واللوجستيات، إن «الكثير من التحديات التي لا تزال تواجهها سلاسل التوريد يمكن أن تتفاقم خلال العام الجاري، لكن لا يعني ذلك بالضرورة أن تصل إلى ذات مستوى الاضطرابات التي شهدناها خلال السنوات الماضية في ظل جائحة كورونا».
يشير بعض الاقتصاديين إلى انهيار « بنك سيليكون فالي» كشاهد على عدم استقرار السوق خلال العام الجاري، وأثر عدم الاستقرار على الشركات الناشئة.
إفلاس الشركات الصغيرة
وتشير شركة «إيفر ستريم» لإدارة سلاسل التوريد، إلى العديد من المخاطر التي يمكن أن تضر بسلاسل التوريد خلال العام الجاري 2023، بدءاً من ارتفاع احتمالية إفلاس الشركات الصغيرة نتيجة ضعف نسب النمو المتوقعة خلال العام في كل أنحاء العالم، الأمر الذي يمكن أن يعطل إمدادات الكثير من الشركات.
واستشهدت بنحو 1400 حالة إفلاس لشركات صغيرة في الصين والولايات المتحدة وألمانيا رصدتها في 2022 وأثرت بشكل مباشر على عملائها.
الهجمات الإلكترونية
كما تحدثت «إيفر ستريم» عن أثر الهجمات الإلكترونية على سلاسل التوريد، لا سيما بالنسبة لقطاعات محددة كالإلكترونيات والتصنيع والخدمات اللوجستية، لافتة إلى أن من 20 إلى 30 في المئة من الشركات التي تعرضت لهجمات وفقدان بيانات اضطرت إلى التوقف عن العمل مؤقتاً.
ارتفاع الأسعار
التضخم في تكاليف الإنتاج يضغط بدوره على المصنّعين، ففي أوروبا على سبيل المثال يعاني المصنعون ارتفاع أسعار الغاز والطاقة، وأدت زيادة تكاليف الإنتاج والمبادرات الحكومية للحد من استخدام الطاقة إلى إحداث فوضى في الشركات العاملة في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
وعانى التصنيع أكثر من غيره، كما اضطر بعض أكبر منتجي الصلب والألومنيوم والكيماويات في القارة إلى تقليص التصنيع، ما كان له أثر كبير على سلاسل التوريد في الكثير من القطاعات كالأغذية والسيارات والصناعات الثقيلة.
ووفق «إيفر ستريم» وكون عودة التصنيع إلى الإنتاج الكامل قريباً مستبعداً، فأثر التكاليف على سلاسل التوريد سيكون حاضراً في العام الجاري 2023.
اضطرابات التصنيع
بعد عامين من الإغلاق وتوقف الإنتاج في جميع أنحاء العالم، لا تزال العديد من الشركات المصنعة تكافح للتعامل مع سياسات كورونا المختلفة، وترى «إيفر ستريم» احتمال 90 في المئة لحدوث تأخير وإلغاء طلبات هذا العام بسبب اضطرابات التصنيع الناتجة عن ذلك.
وتتوقع دراسة لـ«ألاينز تريد»، أن ترتفع حالات الإفلاس في عام 2023 لا سيما في الاقتصادات الأوروبية.
وتشير إلى أن الضغوط التضخمية والتشديد النقدي وأزمة الطاقة واضطرابات سلسلة التوريد تعرض التدفق النقدي للشركات للخطر.
إرث جائحة كورونا
يقول أسامة العربي، المدير التنفيذي للخدمات المساندة والشريك المؤسس لشركة «ماري هب» للتجارة الإلكترونية المخصصة في تزويد وإمداد السفن التجارية والشركات البحرية، لـ«CNN الاقتصادية»، «تواجه سلاسل الإمداد والتوريد تحديات كبرى في عام 2023 تمثل حصيلة متراكمة من الأمور التي بدأت منذ الصدمة العالمية التي تسببت بها الجائحة وما نتج عنها من إغلاق للحدود وتوقف لوسائل النقل الجوية والبرية».
ويتابع «ما من شك أن جميع الشركات التي تعمل بالوسائل القديمة تواجه تحديات كبرى في الاستمرار، فالبقاء اليوم لِمن يتبنى الوسائل الرقمية الحديثة ويستخدم تقنيات العمل عن بعد وأنظمة تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي والأتمتة، ومع الضغط الذي تسببت فيه التحديات التي نشهدها منذ الجائحة اضطرت كثير من الشركات الصغيرة إلى الخروج من السوق وإعلان إفلاسها، وهذا بالطبع يترك آثاراً متدحرجة تطول جميع الجهات التي تتعامل معها، فضلاً عن احتمال تزايد المديونيات المتراكمة من تلك الشركات المفلسة».
وتحدث العربي عن التضخم باعتباره أحد أكبر التحديات التي تواجه سلاسل الإمداد، واللافت في هذه الموجة الجديدة من التضخم أن التقلبات التي شهدتها سلاسل الإمداد خلال الجائحة وما نتج عنها كان لها الأثر الأكبر في التسبب بالتضخم الذي نشهده اليوم.
ووصف التضخم بأنه زيادة في كمية الأموال التي تطارد سلعاً محدودة، ما يؤدي إلى ازدياد متواصل في الأسعار، وبالتالي فإن سلاسل الإمداد تتأثر بشكل كبير بالتضخم، لأنها تصبح غير قادرة على تلبية الطلب المتزايد على السلع والبضائع، ويجب البحث عن وسائل مبتكرة للحد من ذلك، لأن أحد أهم أسباب هذا الخلل بين العرض والطلب هو عدم وجود شفافية في بيانات سلسلة الإمداد، وبالتالي تكدس السلع في المكان والزمان غير المناسبين.
وحول الوسائل التي يمكن أن تبعد سلاسل التوريد والشركات العاملة في القطاع عن احتمالية التعامل مع شركات معرضة للإفلاس، قال «في الشركة لدينا، نعتمد على الأدوات الرقمية وقوة البيانات، ما يعطينا القدرة على تحليل سلوك الشركات التي نتعامل معها واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لاختيار أفضل الشركات الموثوقة ذات الملاءة المالية والقادرة على الوفاء بالتزاماتها وتسديد مستحقاتها».
وقال «نعتمد في شركتنا على الأدوات الرقمية وقوة البيانات بهدف تحليل سلوك الشركات التي نتعامل معها واتخاذ الاحتياطات اللازمة لاختيار الشركات ذات الملاءة المالية القادرة على الوفاء بالتزاماتها وتسديد مستحقاتها».
من جهته، يقول سام هوبلر الرئيس التنفيذي لشركة «لاندفولت» والخبير الاقتصادي، «لحسن الحظ، تم تفادي ما سيحد من تأثير مضاعف لأزمة بنك وادي السيليكون، ومع ذلك فقد سلّط هذا الضوء مرة أخرى على مدى عدم استقرار السوق، وهي علامة سيئة للشركات الناشئة بشكل عام كونها أموراً قد تؤثر على التدفقات النقدية».