السياحة من الموارد الأساسية للناتج المحلي الإجمالي للعديد من البلدان، لكن هل تخيلت يوماً أن تصبح السياحة عبئاً وأن تسعى مدن لتخفيف معدلات السياح الوافدين إليها، ففي الوقت الذي تحرص فيه بلدان في المنطقة مثل مصر والسعودية والإمارات على الترويج للسياحة وجذب المزيد من السياح والاستثمار في قطاعات الترفيه تقرر دول أخرى أن تحد من أعداد السياح القادمين لها للتخفيف من وطأة ما بات يُعرف باسم التخمة السياحية.

ما هي التخمة السياحية؟

تحدث التخمة السياحية أو ما يُعرف بالسياحة المفرطة عندما يتوافد عدد مبالغ فيه من الأفراد على المناطق السياحية ويؤثرون تأثيراً سلبياً على كل من السكان المحليين والمعالم السياحية والبنية التحتية وبالتبعية يرجع ذلك بالسلب على اقتصاد هذه المدينة أو البلد المتأثر، وتبدأ عدة عوامل في إثارة السكان المحليين فضلاً عن استنزاف الموارد المحلية والبنية التحتية، فعلى سبيل المثال، يؤدي ارتفاع أسعار الإيجارات في مواسم قدوم السياح إلى دفع المستأجرين المحليين للرحيل وذلك لإفساح المجال أمام إيجارات العطلات، وتزدحم الطرق الضيقة بالحافلات السياحية، وتتأثر البيئة والحياة البرية، ومن مساوئ السياحة المفرطة أيضاً عدم تمكن السائحين من رؤية المعالم بسبب الازدحام ما يجعلهم يعيشون تجربة سيئة عند زيارة المناطق المصابة بتخمة السياحة.

ما أسباب السياحة المفرطة؟

عندما تتحدث لأي شخص يعيش في مدينة سياحية شهيرة فستجده يحدثك عن ازدحام مدينته وتدهور جودة المعيشة للسكان المحليين وسط الازدياد المستمر في أعداد السياح والزائرين طوال العام، وحالياً يصل نحو ملياري سائح سنوياً للمدن السياحية بمعدل نمو يبلغ نحو ستة في المئة وذلك وفقاً لموقع «ريسبونسبل ترافيل».

وتوافد السياح بأعداد كبيرة على المناطق السياحية الأكثر شهرة ليس بالأمر الجديد ولكن ما جعل مصطلح «التخمة» أو السياحة المفرطة متداولاً مؤخراً هو أثر تلك الأعداد الغفيرة من السياح على بعض المدن التي أصبحت تعاني من تصرفات الحشود أو السلبيات الناجمة عن قدومهم، ولعل أحدث التصرفات التي أثارت الرأي العام عندما استخدم سائح يُدعى إيفان دانيلوف ديميتروف، ويبلغ من العمر 27 عاماً، مفتاحاً لنحت عبارة»إيفان + هايلي 23» على جدار مبنى الكولوسيوم في إيطاليا، وهي الخطوة التي أشعلت غضب الشعب والمسؤولين الإيطاليين والمجتمع الدولي.

ولجأت العديد من البلدان إلى فرض قيود وقواعد جديدة للحد من السياحة المفرطة عن طريق فرض رسوم إضافية معينة لدخول المدينة مثلما فعلت الحكومة في مدينة البندقية، أو رفض إصدار تصريح لبعض الشركات السياحية التي تركز على الأماكن المصابة بالتخمة، وفي بعض الأحيان إغلاق جزر بأكملها أمام الزائرين للحفاظ على بيئة المكان من التدهور.

وثمة العديد من العوامل المساهمة في السياحة المفرطة وهي تختلف من مكان لآخر، ووجهت أصابع الاتهام إلى مواقع الإيجارات قصيرة الأجل مثل « Airbnb» لأنها وفرت العديد من الغرف والأسرة دون تخطيط أو استصدار تصاريح أو دفع ضرائب، ودون النظر طبعاً لطبيعة اكتظاظ المنطقة التي تحتوي على هذه الوحدات المستأجرة، ويلقي البعض باللوم أيضاً على الحكومات التي تهرع وراء أهداف السياحة الكمِّية وزيادة أعداد الوافدين دون النظر إلى كيفية تطبيق ذلك وآثاره العكسية، ومن الأسباب الأخرى للسياحة المفرطة توافر رحلات الطيران المخفضة.

ما بعد جائحة كورونا

أدت قواعد الإغلاق الناتجة عن جائحة كورونا إلى حالة من الكبت حول العالم لتأثيرها على قطاع السفر والسياحة، ونتجت عن ذلك حالة أُطلق عليها السفر الانتقامي أو السياحة الانتقامية وهي باختصار ظاهرة تدفع مَن سئموا الروتين الذي استمر لأكثر من سنة بسبب قواعد الإغلاق إلى الاندفاع للسفر إلى الوجهات السياحية المختلفة لقضاء عطلات قصيرة.

كما أدى رواج وسائل التواصل الاجتماعي إلى تدافع الناس نحو الاتجاهات الرائجة أو ما يُعرف باسم «الترند» إذ انتشرت حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بالمؤثرين أو صفحات الأماكن السياحية التي تروج للمدن وأماكن التسوق المشهورة، وأدى ذلك لتسابق الكثيرين على خوض التجربة نفسها، ما انعكس على هذه الأماكن بالزيارات الكثيرة جداً إلى حد التخمة أو السياحة المفرطة.

بلدان تنشد تعظيم إيرادات السياحة

تستهدف الحكومة المصرية زيادة إيراداتها الدولارية من قطاع السياحة خلال العام المالي الحالي إلى ما بين 16 و17 مليار دولار، مقابل 14 مليار دولار متوقعة بنهاية العام المالي الماضي، وذلك وفقاً لموازنة المواطن للعام المالي 2023/2024، الصادرة عن وزارة المالية المصرية.

كما أطلقت السعودية مؤخرا مشروع تطوير وجهة جبلية سياحية فاخرة فوق أعلى قمة في المملكة على ارتفاع يصل إلى 3015 متراً وفي بيئة طبيعية وثقافية فريدة من نوعها في منطقة عسير، بجنوب غرب البلاد. ويسهم مشروع قمم السودة في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 وتنمية القطاع السياحي والترفيهي.

وجهات تعاني التخمة السياحية

وفي وجه المشكلات التي تثيرها السياحة المفرطة في المجتمعات والبنية التحتية، لجأت حكومات اتحادية وإقليمية في وجهات شهيرة مثل البندقية وباريس وبرشلونة وأمستردام وهاواي وأثينا إلى تشريع قيود والتنظيم الرسمي لزيارة الأماكن السياحية.

فعلى سبيل المثال، أعلنت وزيرة الثقافة اليونانية لينا مندوني عن إجراءات ستطبق تطبيقاً كاملاً اعتباراً من أواخر يوليو تموز بعد أن ارتفع عدد الزيارات لموقع الأكروبوليس الشهير في أثينا بمعدل 80 بالمئة مقارنة بعام 2019، وتشير تقارير إلى أن أكثر من 17 ألف شخص يزورون الأكروبوليس يومياً.

ومن بين هذه الإجراءات التي طبقت للحد من الفوضى وتقليل الازدحام ضرورة حجز مدة زمنية للزيارة وتخصيص مناطق للزوار لتسهيل الحركة وتحديد مناطق للدخول السريع للمجموعات السياحية التي يصطحبها مرشد وتطبيق نظام إلكتروني لحجز التذاكر.

وفي فرنسا كشفت وزيرة السياحة أوليفيا جريجوار عن خطة لتنظيم تدفقات السياح على الأماكن الأكثر شهرة ووضع استراتيجية لمكافحة السياحة المفرطة قائلة إن أعداد السياح في مواسم الذروة تهدد «البيئة وجودة حياة السكان المحليين وتجارب الزوار».

وعلى شاطئ إترتا الشهير المطل على القنال الإنجليزي في فرنسا يستقبل السكان البالغ عددهم 1200 شخص ما يصل إلى 10 آلاف سائح يومياً خلال موسم السياحة.

ويأتي إعلان الحكومة الفرنسية عن خطتها لمحاربة السياحة المفرطة فيما تقول مدينة باريس التي تواجه مشكلة إسكان بسبب تفضيل الملاك تأجير وحداتهم للسياح إنها تتوقع استقبال 37 مليون سائح هذا العام أي أقل قليلاً من أعداد زوارها قبل الجائحة.

السياحة المسؤولة هي الحل

وليس الهدف من محاربة السياحة المفرطة هو منع السياح من زيارة الأماكن السياحية الشيقة التي يضعها الكثيرون على قائمة أحلامهم في الحياة، ولكن يجب على كل من يرغب في زيارة مكان سياحي شهير مليء بالزوار أن يراعي ممارسة السياحة المسؤولة، يشير مصطلح «السياحة المسؤولة» إلى السياحة التي تخلق أماكن أفضل للناس للعيش فيها وزيارتها، مع التركيز على مفهوم «العيش»، ومن أساليب السياحة المسؤولة اختيار أوقات أقل اكتظاظاً بالسياح لزيارة مدينتك المفضلة، ولذلك، فمفهوم «السياحة المسؤولة» يعتبر عكس السياحة المفرطة، التي تتسبب في نوعية حياة أقل جودة للسكان المحليين وتخلق تجربة سلبية للزوار.