أثارت المواجهة بين فولكس فاغن وعمالها حول كيفية معالجة التكاليف المتصاعدة في المصانع الألمانية غير المستغلة تساؤلات عن أسباب اضطراب صناعة السيارات، ومنها سياسة الاستثمار الخاطئة في تطوير السيارات الكهربائية، وقرارات الإدارة السيئة، وتراجع الإيرادات من الصين، والبيروقراطية المعوقة في ألمانيا.

مع ذلك تظهر مراجعة رويترز لبيانات استخدام الطاقات الإنتاجية للمصانع في جميع أنحاء أوروبا أن فولكس فاغن ليست حالة شاذة، بل قد تكون في وضع أفضل من بعض منافسيها الرئيسيين عندما يتعلق الأمر بالمصانع غير المستغلة.

على سبيل المثال تعاني كل من رينو وستيلانتس من معدلات استغلال متوسطة للطاقة الإنتاجية لمصانعها في أوروبا، بمعدلات أقل من فولكس فاغن، وفقاً للأرقام التي جمعتها شركة جلوبال داتا اللندنية لرويترز، والتي تضمنت بيانات لشركة بي إم دبليو وفورد ومرسيدس بنز أيضاً وجميع شركات صناعة السيارات في ثماني دول أوروبية من أكبر مُصنعي السيارات قارياً وعالمياً: أربع في دول ذات تكلفة أعلى، هي: فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، وأربع في دول ذات تكلفة أقل، هي جمهورية التشيك وسلوفاكيا وإسبانيا وتركيا.

وأظهرت هذه البيانات أن هناك ميلاً واضحاً نحو معدلات استخدام أعلى للمصانع في وسط وشرق أوروبا، حيث تكون التكاليف أقل، ما يشير إلى أن المشكلات التي تواجهها معظم شركات صناعة السيارات الكبرى توجد بشكل أساسي في أوروبا الغربية.

في جميع أنحاء أوروبا بلغ معدل استخدام الطاقة الإنتاجية للمصانع التي تصنع المركبات الخفيفة مثل سيارات الركاب 60 في المئة في عام 2023، انخفاضاً من 70 في المئة في عام 2019، وفقاً للبيانات، وفي البلدان ذات التكلفة المنخفضة انخفض متوسط ​​معدل الاستخدام قليلاً إلى 79 في المئة من 83 في المئة في الفترة نفسها، ولكن في البلدان ذات التكلفة الأعلى انخفض استخدام طاقات المصنع إلى 54 في المئة من 65 في المئة.

وفقاً لشركة جلوبال داتا يعتبر معدل الاستخدام البالغ نحو 70 في المئة هو الحد الأدنى للربحية، أما إذا ارتفع إلى ما بين 80 في المئة و90 في المئة، فهذا يسمى «المعدل الفعال من حيث التكلفة»، هنا تتوفر للشركة بعض المرونة لتغيير الطراز والصيانة.

أسعار مرتفعة وأزمة مبيعات

قال جاستن كوكس، مدير قسم إنتاج السيارات العالمية في شركة جلوبال داتا، إن الضغوط من قبل النقابات والسياسيين الألمان لصنع سياراتهم الكهربائية في دولهم من أجل تأمين الوظائف في المستقبل أصبحت «كأساً مسمومة».

قال كوكس إن هذا القرار يعني أن شركة صناعة السيارات تستخدم الآن أغلى مواقعها لصنع سيارات كهربائية عالية التكلفة، والتي لا تباع أساساً بالأعداد المتوقعة.

قال أرنو أنتليتز، المدير المالي لشركة فولكس فاغن، رداً على أسئلة من رويترز «التكاليف المرتفعة وصناعة السيارات أمران غير متوافقين، وينطبق هذا بشكل خاص على مصانعنا الألمانية، التي تصنع حالياً غالبية مركباتنا الكهربائية».

وسجلت ألمانيا أعلى متوسط أجور لعمال المصانع في صناعة السيارات بالمقارنة بباقي دول العالم عند 59 يورو (66 دولاراً) في الساعة في عام 2022، وفقاً لجمعية السيارات الألمانية، على النقيض من 21 يورو في جمهورية التشيك و16 يورو في المجر، وفي الصين يبلغ متوسط الأجور نحو 3 دولارات فقط في الساعة، وفقاً لتحليل رويترز.

في الوقت نفسه تعاني مبيعات السيارات الجديدة في أوروبا، حيث انخفضت بنسبة 18 في المئة في أغسطس إلى أدنى مستوى لها في ثلاث سنوات، بسبب انخفاض بنسبة 44 في المئة في مبيعات السيارات الكهربائية الإجمالية، والأهم انخفاض بنسبة 69 في المئة في مبيعات السيارات الكهربائية الألمانية.

قال ستيفان سولدانسكي، ممثل النقابة في مدينة أوسنابروك الألمانية، حيث يقع أحد مصانع فولكس فاغن «ندعو فولكس فاغن إلى طرح المزيد من الطرز التي يستطيع المستهلكون العاديون تحمل تكلفتها؛ سيارة كهربائية رخيصة أو محرك احتراق رخيص ومستدام».

وقال سولدانسكي إن هذا المصنع يعمل بنحو 30 في المئة من طاقته فقط، ومن المقرر أن يتوقف إنتاج النماذج الثلاثة التي تصنعها الشركة: بورش بوكستر، وبورش كايمان، وفولكس فاجن تي روك كابريوليه بحلول عام 2026، ولم تسمع النقابات بعد عن النماذج التالية التي ستصنعها الشركة.

وبموجب اتفاقيات العمل الحالية إذا ظل عمال فولكس فاغن عاطلين عن العمل، فسوف يستمرون في الحصول على أجورهم، وقال سولدانسكي: «نحن في احتياج إلى أفكار، ولا نريد موتاً بطيئاً».

رد فعل عكسي

من المقرر أن تبدأ المفاوضات بين فولكس فاغن والنقابات اليوم 25 سبتمبر بشأن تخفيضات التكاليف الإضافية الممكنة، وقالت فولكس فاغن إنه لا يمكن استبعاد إغلاق المصانع في ألمانيا.

وقد ألغت الشركة بالفعل اتفاقية أمن وظيفي عمرها عقود في ستة مصانع في ألمانيا، ما يمكنها من تسريح العمال بدايةً من منتصف عام 2025، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد قبل ذلك، لكنّ ممثلي العمال يحتفظون بنصف الأصوات في مجلس الإشراف على شركة صناعة السيارات، ما يجعل من الصعب على فولكس فاغن فرض عمليات الإغلاق.

كانت إدارة الطاقة الفائضة صراعاً طويل الأمد لشركات صناعة السيارات الأوروبية، التي تعرقلها عقود العمل وخطر رد الفعل السياسي الناجم عن إغلاق المصانع الخاسرة.

الآن تعني أسعار الفائدة المرتفعة والاقتصاد الضعيف انخفاض الطلب، تماماً كما تغرق السوق في فيضان الصادرات الصينية.

تتوقع فولكس فاغن أن ينخفض الطلب السنوي على السيارات الأوروبية إلى نحو 14 مليون سيارة مقارنةً بنحو 16 مليون قبل الوباء.

وقد اتخذت بعض شركات صناعة السيارات في السوق بالفعل خطوات لخفض التكاليف، على سبيل المثال خفضت شركة صناعة السيارات الفرنسية رينو آلاف الوظائف في المنطقة كجزء من حملة خفض التكاليف بقيمة 3 مليارات يورو والتي بدأت في عام 2021، كما تخفض شركة ستيلانتيس التي تشكلت من خلال اندماج فيات كرايسلر وبي إس إيه ما يقرب من 20 ألف وظيفة في أوروبا في الفترة (2021- 2024).

وفي الوقت نفسه ستلغي شركة فورد 5400 وظيفة في أوروبا وتخطط لمزيد من التخفيضات بموجب خطة إعادة الهيكلة الإقليمية التي تتضمن إيقاف الإنتاج في مصنعها في سارلويس في ألمانيا، قبل زيادة الإنتاج في إسبانيا حيث التكاليف أقل.

التحرك شرقاً

يقول خبراء صناعة السيارات إن الانقسام بين الشرق والغرب في أوروبا من المرجح أن ينمو مع قيام الشركات الصينية بدخول هذه الأسواق، بما في ذلك أكبر شركة لصناعة السيارات الكهربائية في الصين (بي. واي. دي) وأكبر مصدر (شيري)، اللتان ستقومان باقتحام أسواق المجر وتركيا وبولندا.

وستتجه الأسواق الأعلى تكلفة مثل ألمانيا إلى صناعة سيارات فاخرة أو متميزة بشكل أساسي بأسعار تسمح للمصنعين بتغطية تكاليف التشغيل الأعلى.

وقد نقلت شركة ستيلانتيس بالفعل بعض إنتاج السيارات الكهربائية إلى أسواق أقل تكلفة، حيث ستصنع السيارات الكهربائية في بولندا من خلال مشروع مشترك مع شركة (لييب موتور) الصينية، كما سيتم تصنيع سيارة سيتروين سي 3 في سلوفاكيا.

ومثل فولكس فاغن، تعاني ستيلانتيس من مشكلات شديدة في ضعف استغلال الطاقات الإنتاجية، إذ انخفض الإنتاج بنسبة 63 في المئة في النصف الأول من عام 2024 في مصنع ميرافوري في تورينو، الموطن التاريخي لشركة فيات.

وتم دفع العمال في ميرافوري إلى الحصول على إجازات بتمويل جزئي من الحكومة الإيطالية.

مع ذلك تزعم النقابات الألمانية أن جروح فولكس فاغن هي من صنع الإدارة التي لم تستطع التوصل إلى نماذج سيارات كهربائية بأسعار معقولة وجذابة.

قال جورج لوتيرت، المسؤول عن قطاع صناعات السيارات في اتحاد النقابات «لقد حققوا التوازن في المصانع في البلدان ذات تكاليف العمالة الأعلى وتكاليف العمالة المنخفضة لعقود من الزمن، لم يتغير شيء، ولا يمكنك إلقاء اللوم على القوى العاملة».