تفاقم التوترات السياسية والأمنية الأخيرة لا سيما مع ضربات إسرائيل على إيران وحرب غزة و أزمة البحر الأحمر يلقي المزيد من الضغوطات المباشرة على سلاسل التوريد عالمياً وفي المنطقة.

وألقى تقرير لأوليفر وايمان، شركة الاستشارات الإدارية العالمية وإحدى شركات مارش ماكلينان حول «متانة سلاسل الإمداد الصناعية: استعداد دول مجلس التعاون الخليجي وسط الاضطرابات العالمية»، الضوء على الحاجة إلى تعزيز متانة سلاسل الإمداد في الخليج من أجل حماية نمو قطاعاتها الصناعية.

وقال فريدريك عزير، شريك ورئيس قطاعات التصنيع والسيارات في منطقة الهند والشرق الأوسط وإفريقيا – أوليفر وايمان لـ«CNN لاقتصادية»، «مع توسيع دول مجلس التعاون الخليجي خطط التنويع الاقتصادي الخاصة بها بما يشمل القطاع الصناعي، فمن المهم أن تقوم هذه الدول بمضاعفة المبادرات التي تسهم في زيادة متانة سلسلة الإمداد، وذلك من أجل ضمان تواصل سير العمل في جميع القطاعات وذلك في حال حدوث اضطرابات غير متوقعة في سلاسل الإمداد».

iframe

مرونة سلاسل التوريد العالمية

تعاني سلاسل التوريد في القطاع الصناعي -أي الخطوات التي تغطي مصادر المواد الخام ومعالجتها، وتصنيع المكونات، وتجميعها، فضلاً عن حركة هذه السلع- من تركيز الموارد وأنشطة التصنيع في بلدان محددة.

وقال عزير إن الحكومات تستخدم في الآونة الأخيرة خمس أدوات رئيسية للتأثير على مرونة سلسلة التوريد في قطاعاتها الصناعية وتعزيزها: التخزين الاستراتيجي كسويسرا التي تخزن المواد الغذائية والصحة والوقود والمواد البلاستيكية المفصلة في القانون الاتحادي بشأن الإمداد الاقتصادي الوطني، والتوطين كالولايات المتحدة التي شرعت قانون الحد من التضخم لتعزيز توطين تكنولوجيات تخزين الطاقة المتجددة.

أما أداة الدعم القريب فتتبعها كندا والمكسيك والولايات المتحدة الأميركية حسب اتفاقية التجارة المحدثة (USMCA) التي تشجّع المصنعين على نقل الإنتاج إلى المكسيك وبعيدًا عن الموردين البعيدين والمعرضين للخطر.

أما أداة دعم الأصدقاء فتبنتها الهند واليابان وأستراليا التي أطلقت مبادرة مرونة سلسلة التوريد (SCRI) لتعزيز انتقال مراكز الإنتاج إلى قطاع التصنيع الهندي، أما الشراكات الدولية فتمارسها المملكة العربية السعودية التي تبنت مشروعاً مشتركاً بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي وشركة التعدين «معادن» لشراء حصة بقيمة 3.4 مليار دولار في أكبر شركة تعدين برازيلية تقوم بتشغيل مناجم الليثيوم والنحاس والحديد والنيكل في عدة دول مثل البرازيل وكندا والهند.

وأضاف أن هذه الأدوات تشكل دافعاً لتحقيق مرونة سلسلة التوريد وهي مفيدة في التغلب على تعقيدات الاقتصاد العالمي المترابط.

تحديات سلاسل الإمداد الخليجية

تبذل دول الخليج جهوداً ملموسة في تعزيز متانة سلاسل الإمداد؛ إذ قامت السعودية عام 2022 بإطلاق المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية لأن تكون موقعاً مختاراً للشركات الصناعية العالمية الرائدة واستقطاب الاستثمارات في سلاسل الإمداد.

وركزت الإمارات على تحسين سلاسل الإمداد الغذائية من خلال البرامج التي تدعم الإنتاج الغذائي المحلي، وتأسيس مراكز لوجستية جديدة، ونشر الحلول التقنية.

وعلى الرغم من التطور الصناعي الذي تشهده كل من الإمارات والمملكة، يبقى توفير العناصر الأساسية لعدد من القطاعات قيداً على الإمداد في الكثير من الحالات.

وأشار التقرير إلى أن 60-65 في المئة من الأجهزة والمعدات الكهربائية التي يتم استيرادها إلى السعودية ودولة الإمارات مصدرها ثلاث دول فقط، أما بالنسبة لآلات الحفر والصمامات، فإن السعودية والإمارات تستوردان 50-55 في المئة من ثلاث دول أيضاً، والحال سيان تقريباً بالنسبة إلى الآلات والمحولات ومعدات تحلية المياه والمعادن الحرجة وفق ما جاء في التقرير.

تمركز جغرافي والتنوع مطلوب

يُعدّ القطاع الصناعي الشريان الرئيسي للاقتصاد، وأي اضطراب يشهده هذا القطاع من شأنه ترك تأثيرات تراكمية على القطاعات الحيوية ذات الأهمية الأساسية للصحة والسلامة والأمن.

ولفت التقرير إلى أن انحسار الموارد والأنشطة الصناعية في دولة محددة بالإضافة إلى طبيعة التكامل الدولي الذي تتسم به سلاسل الإمداد الصناعية يعني أن المشكلات التي تواجهها منطقة قد تؤثّر بسرعة على تدفقات البضائع حول العالم.

ويتفق الخبراء على أن العقبات اللوجستية ستشهد أزمات عديدة مع تفاوت قدرة الدول على تبني التجارة الرقمية وعلى أن الصراعات الجيوسياسية ستنعكس بشكل سلبي مع ازدياد التوترات الناجمة عن الصراعات في العالم وفي المنطقة.

ففيما يتعلق بمواد الخام كالمعادن الحرجة كما وصفها التقرير، فإن الصين تسيطر على المعادن النادرة السبعة عشر وتستحوذ على 70 في المئة من الإمداد العالمي، فيما تستأثر الكونغو على 68 في المئة من احتياجات الكوبالت، وتوفر تشيلي 23 في المئة من المتطلبات العالمية للنحاس، وتسهم إندونيسيا بـ48 في المئة من إنتاج النيكل في العالم، وتمثل أستراليا 47% من تعدين الليثيوم العالمي.

ويتعرض تكرير المعادن إلى التركيز الجغرافي، فالصين تهيمن على التكرير بحصة تصل إلى 44 في المئة من إجمالي الليثيوم و77% من إجمالي الكوبالت ونحو 90% من العناصر الأرضية النادرة.

كما تواجه السلع المصنعة المهمة، مثل المحللات الكهربائية، المستخدمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر مخاطر كبيرة في سلسلة التوريد بسبب نقص العرض وتركيز التصنيع في الصين بنسبة 40 في المئة.

التنوع والاستثمار

ونوه عزير بضرورة تطبيق أدوات تعزيز سلاسل الإمداد مثل التوطين والشراكات وأدوات أخرى على عناصر سلاسل الإمداد الحرجة والخاصة بالمنتجات ذات الأهمية والمخاطر المرتفعة، وذلك من خلال «تبني دول مجلس التعاون الخليجي مقاربات أكثر شمولية لمتانة سلاسل الإمداد، فإنها ستكون قادرة على حماية النمو الصناعي فيها على الرغم من التغيرات الدائمة التي يشهدها العالم».

وأضاف عزير أنه لا يمكن تحقيق متانة سلاسل الإمداد في القطاع الصناعي من خلال تبني حل واحد لكل الحالات، ناصحاً بضرورة تطبيق أدوات تعزيز سلاسل الإمداد مثل التوطين والشراكات وأدوات أخرى على عناصر سلاسل الإمداد الحرجة والخاصة بالمنتجات ذات الأهمية والمخاطر المرتفعة، وذلك من خلال تبني دول الخليج مقاربات أكثر شمولية لمتانة سلاسل الإمداد بهدف حماية النمو الصناعي فيها على الرغم من التغيرات الدائمة التي يشهدها العالم.

فيما رأى أحمد رشاد، الأستاذ المساعد في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية أنه من الصعب توطين العديد من الصناعات في ظل افتقار الميزة النسبية وغياب اقتصاديات وفرات الحجم على مستوى كل دولة، ناصحاً بضرورة التركيز على الدبلوماسية والتعاون الدولي في تعزيز دور أكبر للتكامل الاقتصادي واستغلال الاستثمار الأجنبي المباشر لتعزيز سلاسل الإمداد سواء في استثمارات ورادة لمنطقة الخليج أو الاستثمارات الخارجية بالإضافة إلي تكثيف دور القطاع الخاص وتنويع سلاسل الإمداد بدرجة أكبر، وهذا يعني الاعتماد على عدد أكبر من الدول في توفير الإمدادات لصناعات المحلية والمنتجات النهائي واستخدام سياسات التخزين الزائد كاحتياطي وملاذ في حالات الطوارئ.

وأوصى تقرير أوليفر وايمان بوضع استراتيجيات لتعزيز متانة سلاسل الإمداد تتكامل مع الأجندة الصناعية الوطنية، ووضع إطار تعاوني للحوكمة يشرك الأطراف المعنية، والاستفادة من القطاع الخاص كشريك، وبناء قدرات متانة سلاسل الإمداد؛ وتشجيع تبني التكنولوجيا من خلال سياسات التصنيع المتقدمة.