عندما تواجه شركات السيارات العالمية أزمات من العيار الثقيل يمكن أن ينتج عنها بيانات رسمية للاعتذار أو سحب المركبات أو إجراء تغيير جذري في كيان الشركة الإداري، فإن الأنظار تتجه نحو أرباحها، هل يمكن أن تتأثر؟
الإجابة بسيطة، إذ تعتمد شركات السيارات العالمية على سمعتها في السوق، ما يضمن جني الأرباح، لذلك فعند تعرضها إلى أزمة ما خلال فترة ربعية من العام، فإن أسهمها قد تتأثر، لكن أرباحها تستمر خاصة مع الإجراءات التي تتخذها بشكل عاجل للحفاظ على سمعتها في سوق السيارات.
ولعل أحدث مثال هو شركة تويوتا موتور، وهي الأكثر مبيعاً في العالم للعام الرابع على التوالي بعد أن سجّلت مبيعات سنوية قياسية بلغت 11.2 مليون سيارة عام 2023، على الرغم من اعتذار رئيسها عن فضائح في ثلاث شركات تابعة للمجموعة.
وأعلنت شركة صناعة السيارات اليابانية عن قفزة بنسبة 7.2 في المئة في مبيعات المجموعة العالمية العام الماضي، بما في ذلك مبيعات شركة صناعة السيارات الصغيرة دايهاتسو ووحدة الشاحنات هينو موتورز.
الآن، تجاوزت مبيعات مجموعة تويوتا العالمية 10 ملايين سيارة على مدى تسع سنوات من السنوات العشر الماضية، باستثناء عام 2020 جرّاء تداعيات جائحة كوفيد-19 على قطاع السيارات.
كما تستعد شركة تويوتا موتور كورب لفتح صفحة جديدة بعد الإعلان عن تنحي رئيسها ورئيس مجلس إدارة شركة دايهاتسو موتور يوم الثلاثاء بعدما يقرب من عام على تلاعب وحدة السيارات الصغيرة في اختبارات السلامة من الاصطدام.
تويوتا تتخلى عن رئيسها في أميركا اللاتينية
قالت الشركة في بيان يوم الثلاثاء نقلته وكالة رويترز، إن رئيسها التنفيذي لمنطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، ماساهيرو إينوي، سيحل محل سويشيرو أوكودايرا رئيساً لدايهاتسو بدءاً من الأول من مارس آذار.
وأضافت أن رئيس دايهاتسو، سوناو ماتسوباياشي، سيتنحى أيضاً دون استبداله.
عمل أوكودايرا المنتهية ولايته في تويوتا لما يقرب من أربعة عقود قبل أن يصبح رئيساً لشركة دايهاتسو في عام 2017، بعد عام منذ أن أصبحت شركة فرعية مملوكة بالكامل لشركة تويوتا.
لكن هذا التغيير لا يأتي عقاباً لهما، وفقاً لتصريحات الرئيس التنفيذي لشركة تويوتا، كوجي ساتو، نقلاً عن وكالة رويترز.
كانت دايهاتسو قد استحوذت على سبعة في المئة من إجمالي مبيعات مجموعة تويوتا البالغة 11.2 مليون سيارة في عام 2023، بما في ذلك مبيعات علامة لكزس الفاخرة وشركة هينو موتورز.
لا تعتبر هذه الأزمة هي الأولى من نوعها التي تواجهها تويوتا، إذ انتهكت العديد من شركات السيارات العالمية الشهيرة قانون الهواء النظيف؛ وهو قانون شامل ينظم جميع مصادر انبعاثات الهواء، وقد سمح قانون الطيران المدني لعام 1970 لوكالة حماية البيئة الأميركية بوضع معايير لجودة الهواء المحيط بهدف حماية الصحة العامة والبيئة.
ودفعت تويوتا جرّاء مخالفتها هذا القانون، نحو 180 مليون دولار تسوية مدنية عام 2021، علماً أنها كانت قد انتهكته سابقاً عام 2003 ودفعت تسوية مدنية بنحو 20 مليون دولار، وفقاً لما أوردته وكالة حماية البيئة الأميركية.
لكن تلك الأزمات التي تطول شركات السيارات العالمية ليست حكراً على تويوتا، فتشمل القائمة أيضاً العديد من مصنّعي السيارات الشهيرة وعالية الجودة.
محرك فولكس فاغن المغشوش
في عام 2015، هزت أزمة غش من العيار الثقيل عرش فولكس فاغن، بانتهاك قانون الهواء النظيف.
هذه الأزمة بدأت بمواجهة مهندسي الشركة صعوبة في بناء محرك يمكنه الأداء بشكل جيد ويلبي معايير الانبعاثات الخاصة بوكالة حماية البيئة الأميركية في الوقت ذاته.
بدلاً من الإصرار على الوصول إلى نتيجة مرضية، صمم المهندسون نظاماً مغشوشاً لتشغيل أدوات التحكم في الانبعاثات أثناء الاختبار وإيقاف تشغيلها أثناء القيادة العادية.. كشف باحثون في ولاية ويست فرجينيا الأميركية الأمر، وأبلغوا مجلس موارد الهواء في ولاية كاليفورنيا عن تناقضات بين انبعاثات محركات الديزل لشركة فولكس فاغن على الطريق وتلك الموجودة في الاختبارات المعملية القياسية.
في النهاية اكتشفت الوكالة آلية الغش في الانبعاثات، لكن الغريب في الأمر أن الشركة ادعت في البداية أن الاحتيال ارتكبه مهندسان للبرمجيات، ومع ذلك ذكرت الوثيقة أن النظام وافق عليه المديرون مراراً وتكراراً، بل إنهم شجعوا المهندسين على إبقاء الأمر سراً.
ووفقاً لرويترز، كلفت فضيحة الانبعاثات شركة فولكس فاغن أكثر من 30 مليار دولار في الولايات المتحدة وأجبرت الرئيس التنفيذي السابق لها، مارتن فينتركورن على الاستقالة.
أودي تخرج عن السيطرة
في سياق متصل بالأزمة السابقة، أصدرت محكمة في مدينة ميونيخ الألمانية حكماً بالسجن لمدة عام وتسعة أشهر مع وقف التنفيذ على الرئيس التنفيذي السابق لشركة أودي، روبرت ستادلر، بتهمة الاحتيال في فضيحة انبعاثات عام 2015.
وقالت المحكمة في يونيو حزيران 2023، إنها غرَّمت المدير السابق أيضاً نحو 1.1 مليون يورو (1.2 مليون دولار) ستذهب إلى الحكومة الألمانية والجمعيات الخيرية.
ستادلر هو أول عضو في مجلس إدارة فولكس فاغن يُحكم عليه في هذه القضية، بعد أربع سنوات من توجيه المدعين الألمان تهم الاحتيال ضد المدير التنفيذي.
دخل ستادلر في صفقة إقرار بالذنب مع المحكمة، واعترف بجرائمه لتجنب قضاء الوقت في السجن.. وعُلِّقت عقوبته لمدة ثلاث سنوات.
كما أصدرت المحكمة أحكاماً بالإدانة ضد الرئيس السابق لتطوير المحركات في أودي فولفغانغ هاتز ومهندس الديزل الرئيسي السابق جيوفاني باميو، وحكمت عليهما بالسجن مع وقف التنفيذ لمدة عامين، وعام واحد وتسعة أشهر على التوالي.
وغرمت هاتز 400 ألف يورو (437 ألف دولار)، أما غرامة باميو فبلغت 50 ألف يورو (55 ألف دولار).
لكن هناك أزمة أخرى طالت أودي في الثمانينيات من القرن الماضي، إذ خرجت سيارة أودي 5000 عن السيطرة تماماً، في تسارع عُرض في تقرير تلفزيوني، وسلط الضوء على مقابلات مع أصحاب السيارات الذين ألقوا باللوم على شركة صناعة السيارات في الحوادث التي وقعت عندما تسارعت سياراتهم فجأة دون سابق إنذار.
من جهتها، ادعت أودي أن التسارع غير المقصود حدث عندما خلط السائقون بين دواسات الغاز والفرامل ذات المسافات الضيقة.
بعد هذه الأزمة، تضاعفت الدعاوى القضائية وهرب المستهلكون.. ونتيجة لذلك، انخفضت مبيعات أودي من 74.061 ألف وحدة عام 1984 إلى 12.283 ألف وحدة فقط عام 1991، واستغرق الأمر ما يقرب من 20 عاماً حتى تعود الشركة إلى أرقام مبيعاتها في أميركا قبل الأزمة.
هذه الأزمات طالت العديد من شركات السيارات الأخرى سواء تلك المتعلقة بغش الأنظمة الكاشفة للانبعاثات مثل مرسيدس، أو خروجها عن السيطرة أيضاً على غرار فورد التي استدعت سياراتها في سابقة فريدة من نوعها عام 1980 وبعد تحقيق دام ثلاث سنوات خلص إلى وجود عيب خطير في ناقل الحركة الأوتوماتيكي للشركة والمصنع من عام 1966 إلى عام 1980 يجعله ينزلق من وضع الوقوف إلى الخلف، ما تسبب في تحرك المركبات بشكل غير متوقع.