تواصل الليرة التركية أداءها المذبذب أمام الدولار الأميركي، إذ انخفضت بنسبة 0.67 في المئة خلال مايو أيار الجاري، مقارنة بالشهر الماضي.

وصل سعر العملة التركية إلى نحو 32.207 للدولار الواحد، لتستمر في انخفاض مُطّرد خلال الربع الثاني من العام، وفقاً لأحدث بيانات ريفينيتيف.

كانت الليرة انخفضت بالفعل عقب إعلان البنك المركزي التركي عن قراره تثبيت أسعار الفائدة في أبريل نيسان، على الرغم من ارتفاع وتيرة التضخم في البلاد.. وفور الإعلان عن هذا القرار بلغت الليرة 32.512 للدولار، لكنها الآن تواصل هبوطها حتى إن كان بطيئاً.

السياسة النقدية التركية

بعد إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان في مايو أيار، تخلت تركيا عن سياسة أسعار الفائدة المنخفضة غير التقليدية لتتجه لتشديد السياسة النقدية.

كان البنك المركزي التركي رفع أسعار الفائدة الرئيسية إلى 15 في المئة من 8.5 في المئة خلال يونيو حزيران 2023، في أول اجتماع له منذ تشكيل أردوغان حكومته الجديدة، ليكتب تحولاً تدريجياً في سياساته النقدية.

لم يدعم هذا التحول التدريجي، عملة البلاد، إذ انخفضت عقب الإعلان حينذاك بنسبة 2.5 في المئة، في إشارة إلى خيبة أمل المستثمرين من هذا النهج، في ظل ارتفاع معدلات التضخم في تركيا، التي اقتربت من 40 في المئة.

وفي أبريل نيسان الماضي، أبقى المركزي التركي سعر الفائدة الرئيسي ثابتاً عند 50 في المئة، على الرغم من ارتفاع التضخم في مارس آذار، ليشكّل أزمة لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.

وشهد التضخم في تركيا ارتفاعاً في مارس آذار الماضي، إذ بلغ 68.5 في المئة، بعد أن كان 67 في المئة خلال فبراير شباط، لكنه ارتفع بنسبة أكبر في أبريل نيسان إذ سجّل 69.8 في المئة، وفقاً لبيانات ريفينيتيف.

كان أردوغان يرى أن معدلات الفائدة المرتفعة ترفع معدلات التضخم على عكس ما تراه البنوك المركزية العالمية في حربها ضد شبح التضخم.

وانطلاقاً من ذلك، أرغم أردوغان البنك المركزي التركي على خفض معدلات الفائدة، بهدف تشجيع النمو، إلّا أن السياسات النقدية المتذبذبة كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد التركي، الذي دخل في أزمة منذ عدة سنوات مع استمرار تراجع سعر الصرف وارتفاع التضخم.

عصر الليرة التركية الذهبي

لم يكن الوضع هكذا دائماً بالنسبة للعملة التركية، فقد شهدت عصراً ذهبياً مقارنة بالدولار الأميركي.. وعند العودة بالزمن إلى عشرين عاماً على سبيل المثال، كانت الليرة تسجل 1.4 للدولار.

وحتى بعد عشر سنوات، وفي الوقت الذي ارتفع فيه الدولار قليلاً أمام الليرة، سجلت 2.09 للدولار في عام 2014.

لكن الاقتصاد التركي ليس غريباً على دورات الازدهار والكساد، فهو يعاني مزيجاً من فجوة كبيرة في الميزانية، ومشكلة التضخم.

ووفقاً لوصف بعض المحللين لوكالة رويترز سابقاً، فإنه بضع سنوات من السياسات المشكوك فيها، وكومة ضئيلة من احتياطيات العملات الأجنبية، تسببت في استمرار انخفاض قيمة الليرة.

لكن هذا التدهور الحاد الذي شهدته الليرة، جاء نتيجة بعض الأزمات المتتالية -بعد فترة من النمو الاقتصادي لتركيا- تسببت في إجراء تعديلات على العملة بحلول عام 2005، وبدأ معها الجيل الثامن من النقود.

حافظت الليرة على قوتها حتى عام 2013، ومع انتشار الاحتجاجات والأوضاع السياسية المتأزمة، تراجعت قيمة الليرة إلى 2.5 للدولار، وفقدت نحو 45 في المئة من قيمتها بحلول 2016.

وواصلت الليرة نزيف النقاط أمام الدولار، مع الاعتداءات التي طالت السلطان أحمد وبشكتاش، ثم واجهت أزمة اقتصادية كبيرة جراء تفاقم علاقات تركيا الخارجية.

ومنذ عام 2018، تواصل العملة هذه المعاناة في ظل بعض المستجدات الأخرى منها جائحة كوفيد-19، والانكماش الاقتصادي، وتراجع إيرادات قطاع السياحة.

ومؤخراً، حذّر الخبير الاقتصادي العالمي ستيف هانكي، من خطر استمرار السقوط الحر الذي تشهده الليرة التركية.

وأضاف «لإنقاذ الليرة من السقوط الحر يحتاج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير ماليته محمد شمشيك إلى تشكيل مجلس العملات النقدية –سلطة نقدية ينشئها البنك المركزي للحفاظ على سعر الصرف الثابت للعملة الأجنبية- على الفور».

من جهته، قال وزير المالية التركي محمد شيمشك مؤخراً، إنه من المتوقع أن ينخفض التضخم في الصيف، مضيفاً للأناضول «نحن نعمل على تعزيز أسس الاقتصاد الكلي من خلال مكافحة التضخم والإصلاحات الهيكلية والانضباط المالي وهذا يجذب اهتمام المستثمرين».