يجلس ساتيش كومار أمام حقل الأرز الذي يملكه يائساً وقد غمرته المياه في ولاية هاريانا الهندية، وينظر بحسرة إلى محاصيله المدمرة.

وقال المزارع الذي يقتصر مصدر رزقه على زراعة الحبوب لإطعام أسرته الصغيرة «لقد تكبدت خسارة فادحة؛ لن أتمكن من زراعة أي شيء حتى نوفمبر تشرين الثاني المقبل».

وظلت الشتلات المزروعة حديثاً تحت الماء منذ يوليو تموز بعد هطول أمطار غزيرة على شمال الهند، مع تعرض المنطقة لانهيارات أرضية وفيضانات.

وقال كومار إنه لم يشهد فيضانات بهذا الحجم منذ سنوات، واضطر إلى الحصول على قروض لإعادة زراعة حقوله من جديد؛ لكن هذه ليست المشكلة الوحيدة التي يواجهها.

صادرات الأرز الهندي

في الشهر الماضي، أعلنت الهند، وهي أكبر مُصدّر للأرز في العالم، حظراً على تصدير الأرز الأبيض غير البسمتي في محاولة لتهدئة الأسعار المتزايدة في الداخل وضمان الأمن الغذائي.

ثم أتبعت القرار بفرض المزيد من القيود على صادراتها من الأرز، بما في ذلك فرض رسوم بنسبة 20 في المئة على صادرات الأرز المسلوق.

وأثارت هذه الخطوة المخاوف من تضخم أسعار الغذاء العالمي، وأضرت بسبل عيش بعض المزارعين، ودفعت العديد من البلدان المعتمدة على الأرز إلى السعي للحصول على إعفاءات عاجلة من الحظر.

يعتمد أكثر من ثلاثة مليارات شخص في جميع أنحاء العالم على الأرز كغذاء أساسي، وتسهم الهند بنحو 40 في المئة من صادرات الأرز العالمية.

ويقول الاقتصاديون إن الحظر هو مجرد خطوة أخيرة لتعطيل الإمدادات الغذائية العالمية التي عانت من الغزو الروسي لأوكرانيا، فضلاً عن الأحداث المناخية مثل ظاهرة «النينيو».

ويحذرون من أن قرار الحكومة الهندية قد يكون له أصداء كبيرة في السوق، إذ يتحمل الفقراء في دول الجنوب العالمي على وجه الخصوص العبء الأكبر.

غذاء الفقراء

ويقول المزارعون الهنديون مثل كومار إن ارتفاع أسعار السوق بسبب ضعف المحاصيل سيتسبب في خسائر متوقعة لهم أيضاً.

وقال كومار «لن نحصل على سعر أعلى إذا لم يُصدر الأرز»، مضيفاً «كانت الفيضانات بمثابة ضربة قاضية لنا نحن المزارعين، هذا الحظر سيقضي علينا».

وأثار الإعلان المفاجئ عن حظر التصدير حالة من الذعر في الولايات المتحدة، ما أدى إلى ارتفاع سعر الأرز إلى أعلى مستوى له منذ 12 عاماً، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

ولا ينطبق هذا على الأرز البسمتي، وهو النوع الأكثر شهرة والأعلى جودة في الهند، ومع ذلك، يمثل الأرز الأبيض غير البسمتي نحو 25 في المئة من الصادرات.

لم تكن الهند الدولة الأولى التي حظرت صادرات المواد الغذائية لضمان إمدادات كافية للاستهلاك المحلي، لكن تحركها الذي جاء بعد أسبوع واحد فقط من انسحاب روسيا من صفقة حبوب البحر الأسود -وهي اتفاقية سمحت بتصدير الحبوب من أوكرانيا- أسهم في إثارة المخاوف العالمية بشأن توافر المواد الغذائية الأساسية من الحبوب، وما إذا كان الملايين سيعانون من الجوع.

وقال عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، لشبكة «CNN» «تشكّل محاصيل الأرز والقمح والذرة الجزء الأكبر من الغذاء الذي يستهلكه الفقراء في جميع أنحاء العالم».

أسعار الأرز

وشهدت نيبال ارتفاعاً في أسعار الأرز منذ أن أعلنت الهند حظر التصدير، كما أن أسعار الأرز في فيتنام هي الأعلى منذ أكثر من عقد من الزمن، وفقاً لبيانات الجمارك.

وشهدت تايلاند، ثاني أكبر مُصدّر للأرز في العالم بعد الهند، ارتفاعاً كبيراً في أسعار الأرز المحلية في الأسابيع الأخيرة، وفقاً لبيانات من جمعية مصدّري الأرز التايلاندي.

وناشدت دول -من بينها سنغافورة وإندونيسيا والفلبين- الهند باستئناف صادرات الأرز إليها.

وشجع صندوق النقد الدولي الهند على إلغاء القيود التصديرية، إذ قال كبير الاقتصاديين في المنظمة، بيير أوليفييه غورينشا، للصحفيين الشهر الماضي، «إن ذلك من المُرجّح أن يؤدي إلى تفاقم (حالة عدم اليقين) بشأن تضخم أسعار الغذاء».

وأضاف «نودُّ أن نشجع على إزالة هذه الأنواع من القيود التصديرية؛ لأن أضرارها قد تمتد إلى العالم بأكمله».

والآن، هناك مخاوف من أن الحظر قد يدفع السوق العالمية إلى اتخاذ إجراءات مماثلة من قِبل الموردين المنافسين.

وقال عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة «يأتي حظر التصدير في وقت تعاني فيه الدول ارتفاع الديون وتضخم أسعار الغذاء وانخفاض قيمة العملات».

تأخر هطول الأمطار الموسمية تسبب في عجز كبير في المياه

تضرر المزارعين

ويمثل المزارعون الهنود ما يقرب من نصف القُوى العاملة في البلاد، وفقاً للبيانات الحكومية، إذ يُزرع الأرز بشكل رئيسي في الولايات الوسطى والجنوبية وبعض الولايات الشمالية.

تبدأ زراعة المحاصيل الصيفية عادةً في يونيو حزيران، إذ من المتوقع أن يبدأ موسم هطول الأمطار الموسمية، إذ إن الري أمر بالغ الأهمية لزراعة محصول الأرز، ويمثل موسم الصيف أكثر من 80 في المئة من إجمالي إنتاج الأرز في الهند، حسب رويترز.

ولكن هذا العام، أدَّى تأخر هطول الأمطار الموسمية إلى عجز كبير في المياه حتى منتصف يونيو حزيران، وعندما هطلت الأمطار أخيراً، غمرت مساحات واسعة من البلاد، ما أدى إلى فيضانات تسببت في أضرار جسيمة للمحاصيل.

وقال سورجيت سينغ (53 عاماً)، وهو مزارع من هاريانا، إنهم «فقدوا كل شيء» بعد هطول الأمطار.

وأضاف «لقد دمُرت محاصيل الأرز الخاصة بي، كما غمرت المياه نحو ثماني إلى عشر بوصات من محاصيلي، ما زرعته أوائل يونيو حزيران ذهب سُدى، سأتكبد خسارة بنحو 30 في المئة».

تسببت الفيضانات في أضرار جسيمة للمحاصيل

تطرف الظواهر الجوية

وحذَّرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الشهر الماضي من أن الحكومات يجب أن تستعد لمزيد من الظواهر الجوية المتطرفة ودرجات حرارة قياسية، مع إعلانها بداية ظاهرة الاحتباس الحراري «النينيو».

ظاهرة «النينيو» هي نمط مناخي طبيعي في المحيط الهادئ الاستوائي يؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة سطح البحر عن المتوسط، وله تأثير كبير على الطقس في جميع أنحاء العالم، ما يؤثر على مليارات البشر.

وقد شعر بتأثير ذلك آلاف المزارعين في الهند، إذ يقول بعضهم إنهم سيزرعون الآن محاصيل أخرى غير الأرز.

وفي أحد أكبر مراكز تجارة الأرز في نيودلهي، هناك مخاوف بين التجار من أن يؤدي حظر التصدير إلى عواقب كارثية.

وقال تاجر الأرز روبكاران سينغ «لقد ترك حظر التصدير للتجار كميات هائلة من المخزون، علينا الآن العثور على مشترين جدد في السوق المحلية».

لكن الخبراء يحذرون من أن الآثار ستكون محسوسة خارج حدود الهند.

وقال حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي «البلدان الفقيرة، والبلدان المستوردة للأغذية، وبلدان غرب إفريقيا، هي الأكثر عُرضة للخطر».

وأضاف «يأتي الحظر على خلفية الحرب والوباء العالمي، علينا أن نكون حذرين للغاية عندما يتعلق الأمر بسلعنا الأساسية، حتى لا ينتهي بنا الأمر إلى ارتفاع الأسعار دون داعٍ؛ لأن تلك الزيادات لا تخلو من عواقب».