تعرَّضت الأسواق الناشئة، بما في ذلك مصر، لضغوط اقتصادية كبيرة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي ألقى بظلاله على أسعار السلع الأساسية في العالم. ومما فاقم التداعيات على الاقتصاد المصري اعتماد البلاد على روسيا وأوكرانيا في الحصول على القمح والسياحة.
بسبب الحرب الأوكرانية سجَّلت واردات مصر من القمح انخفاضاً بنحو 18.8 في المئة خلال الفترة يوليو تموز 2022 إلى فبراير شباط 2023 مقارنةً بمتوسط الشراء في السنوات الخمس الماضية.
وكانت بيانات وزارة الزراعة الأميركية قد أشارت إلى أن مصر استوردت نحو 7.4 مليون طن من القمح خلال الفترة من يوليو تموز 2022 إلى فبراير شباط 2023 بانخفاض بلغ 16.7 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
لكن الحرب في أوكرانيا لن تستمر إلى الأبد، إذ قد تتحسّن الظروف الجيوسياسية على المدى البعيد.
لكن تبقى الآثار الاقتصادية لتغيّر المناخ على سلاسل توريد الغذاء هي أخطر ما يواجه اقتصادات البلدان النامية، وعلى الأخص كثيفة السكان منها، وقد تقع مصر بين سندان ارتفاع الطلب على القمح محلياً جرّاء الزيادة السكانية ومطرقة تغيّر المناخ عالمياً التي قد ترفع أسعار الحبوب والغذاء بصفة عامة.
التغيرات المناخية
كشفت دراسة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) في عام 2021، أن تغير المناخ قد يؤثر على إنتاج الذرة والقمح بحلول عام 2030 بسبب ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة، متوقعةً انخفاض محاصيل الذرة بنسبة 24 في المئة عالمياً، بينما قد يرتفع إنتاج القمح بنحو 17 في المئة.
ويُعد القمح تحديداً مورداً حيوياً للأمن الغذائي العالمي، إذ يشكّل المحصول الرئيسي للحبوب عالمياً، مستحوذاً على نحو 20 في المئة من البروتين والسعرات الحرارية لأكثر من 3.5 مليار شخص في 94 دولة، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
وأشارت الدراسة إلى تفاوت التأثير بين المناطق الاستوائية والأجزاء الجنوبية من أوروبا وشمال إفريقيا، والتي قد تشهد انخفاضاً في إنتاج القمح، فمن المتوقع ارتفاع محاصيل الحبوب في بلدان نصف الكرة الشمالي، وخاصة الدول الاسكندنافية.
هذا التفاوت قد يدفع إنتاج القمح في المناطق الواقعة عند خطوط العرض العليا إلى الارتفاع مقارنةً مع البقاع الواقعة عند خطوط العرض المنخفضة، ما يزيد فجوة زراعة القمح في البلدان المتقدمة والنامية.
الزيادة السكانية وزيادة الطلب
تشير أرقام البنك الدولي أنه بينما زاد إجمالي تعداد السكان حول العالم بنسبة 162.2 في المئة بين عامي 1960 و2022، قفز عدد السكان في مصر بنحو 316.7 في المئة.
حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، قد يصل تعداد السكان إلى 165 مليون نسمة في عام 2050 إذا استمرت الزيادة السنوية عند 2.2 مليون مولود.
وبالتالي تتصاعد مخاوف ارتفاع أسعار القمح عالمياً على مصر -أكبر مستورد للقمح على مستوى العالم- مع تزايد عدد السكان، الذي يقدّر حالياً عند 106 ملايين نسمة، ويصبح زيادة الاكتفاء الذاتى من القمح أمراً جوهرياً وربما مسألة أمن قومي.
تشير أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي إلى انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح خلال العقد المنصرم، إذ هبطت من مستوى 74.4 في المئة عام 2009 إلى 48.2 في المئة عام 2022، وحسب بيانات جهاز التعبئة والإحصاء، استقر نصيب الفرد من استهلاك القمح سنوياً فوق متوسط 150 كيلوغراماً بين عامي 2018 و2021، مرتفعاً من مستوى 140.9 كيلوغرام عام 2009.
ويزيد استهلاك البلاد من القمح على 22 مليون طن سنوياً.
توقع تقرير صادر عن وزارة الزراعة الأميركية أن يرتفع استهلاك مصر من القمح في العام المالي 2023-2024 بنحو اثنين في المئة إلى 20.5 مليون طن متري، وعزا التقرير نمو الاستهلاك إلى الزيادة السكانية، كما أنها تستضيف نحو عشرة ملايين مهاجر من العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان.
ووفقاً لتقرير وزارة الزراعة الأميركية، من المتوقع أن يبقى إنتاج مصر من القمح في خلال موسم 2023-2024 الذي بدأ في يوليو تموز دون تغيير عند مستوى 9.8 مليون طن متري مقارنةً بالعام السابق، كما توقع التقرير بقاء المساحة المزروعة خلال العام المالي الذي ينتهي في يونيو حزيران 2024 عند 1.53 مليون هكتار، مقارنةً بالعام السابق.
وحسب التقرير، قد تزيد واردات مصر من القمح بنسبة 2.9 في المئة خلال السنة المالية 2023-2024 إلى 10.8 مليون طن متري، مقارنةً بالعام السابق.
المعادلة الصعبة
تؤدي زيادة واردات القمح -أو حتى ثباتها مع زيادة الأسعار العالمية- إلى ارتفاع الطلب على العملة الصعبة في السوق المحلية، ما يفاقم الوضع الاقتصادي، لن يكون هناك مفر سوى إما تقليل استهلاك القمح من خلال تغيير النمط الغذائي للسكان وبالتالي الحد من الواردات، أو التوسع في زراعة سلالات من الأقماح تقاوم التغيرات المناخية المستقبلية.
وكلا الأمرين يستغرقان وقتاً، فتغيير النمط الغذائي قد يستغرق عقوداً من الزمن، ويتطلب وعياً ثقافياً واجتماعياً على المدى البعيد، لكن يظل الأمل في البحث العلمي وتقدم تكنولوجيا زراعة القمح لحل المعادلة الصعبة للقمح في مصر وإحداث التوازن بين العرض والطلب دون الاعتماد على الواردات.