يبدو أن أسعار الغذاء في 2024 ستشهد طفرة ارتفاع مطردة، مع نقص الإمدادات، على الرغم من زراعة المزيد من الحبوب والبذور الزيتية خلال السنوات الماضية، ومن المتوقع أن تؤثر أسعار الغذاء في الأسواق العربية عامةً والمصرية خاصة، إذ يرتفع تضخم أسعار الغذاء، مع تدهور العملة المحلية وتداعيات أزمة الأرز والقمح التي نالت من البلاد في أعقاب الحظر الهندي والأوضاع في أوكرانيا.

كما يعمق ارتفاع أسعار السكر جراح المستهلك المصري، على الرغم من تأكيدات وزارة التموين المصرية أن مخزونها من السكر يكفي حتى شهر أبريل نيسان المقبل، واقتراب موسم حصاد قصب وبنجر السكر في مصر مطلع العام المقبل.

بداية من تغير المناخ إلى قيود التصدير وزيادة الالتزامات المتعلقة بالوقود الحيوي، فإن أسعار الغذاء تواصل تأثرها بتفاقم الأزمات، ما يشكل تهديداً على سلاسل الإمداد.

ارتفاع أسعار الغذاء وتغير المناخ

رجّح عدد من المحللين والتجار تعرُّض أسعار الغذاء في 2024 لصدمات الإمدادات المختلفة، وفقاً لما أوردته وكالة رويترز.

يأتي ذلك في الوقت الذي تستمر فيه ظاهرة النينيو في تفاقمها، والتي نتج عنها انتشار الجفاف في القارة الآسيوية خلال 2023؛ الأمر الذي يشكّل خطورة على إمدادات الأرز والقمح وزيت النخيل في بعض أكبر الدول المصدرة للمنتجات الزراعية والمستوردة لها أيضاً، في النصف الأول من 2024.

وكان متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لأسعار الأغذية بلغ 120.4 نقطة في نوفمبر تشرين الثاني، إذ عوضت زيادات مؤشرات أسعار الزيوت النباتية ومنتجات الألبان والسكر، الانخفاض في مؤشرات أسعار الحبوب واللحوم.

من يتحمل تكلفة أسعار الأرز؟

يعتمد أكثر من 3 مليارات شخص على الأرز غذاءً رئيسياً، ويُنتج ما يقرب من 90 في المئة من المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه في آسيا، إذ تؤدي ظاهرة النينيو عادة إلى انخفاض معدل هطول الأمطار.

هذه الظاهرة أسهمت في تعزيز التوقعات بتراجع إنتاج الأرز في آسيا خلال النصف الأول من 2024، نظراً للجفاف الذي أصاب الأراضي الزراعية، فضلاً عن انخفاض حجم خزانات‭ ‬المياه، ما سيسبب خفضاً في الإنتاج، وفقاً لرويترز.

وكانت تقارير سابقة نُشرت في يوليو تموز الماضي، رجحت انخفاض المخزونات العالمية من الأرز إلى أدنى مستوى لها في ست سنوات عند 170.2 مليون طن بحلول نهاية عام 2023 / 2024، إذ تنخفض المخزونات لدى كبار المنتجين الصين والهند بالتزامن مع ارتفاع الطلب في السنوات الأخيرة.

وبالفعل، انخفضت إمدادات الأرز في العالم في 2023؛ بسبب تأثير ظاهرة النينيو على الإنتاج، ما دفع الهند، أكبر مصدر للأرز في العالم، إلى فرض قيود على شحناتها؛ ما أثار مخاوف من تضخم هائل، وشُحٍّ حاد في المعروض بأسواق الغذاء العالمية.

من هنا، قفز سعر صادرات الأرز الهندي بنسبة 9 في المئة إلى أعلى مستوى في خمس سنوات، كما ارتفعت أسعار الصادرات في تايلاند وفيتنام إلى أعلى مستوياتها خلال عامين.

كانت بيانات مكتب الإحصاء التابع للحكومة الهندية، كشفت وجود عدد من الدول العربية المتضررة من حظر الأرز الهندي، إذ تأتي الإمارات والسعودية ومصر والجزائر وسلطنة عُمان وقطر والسودان واليمن ضمن أكبر 20 دولة تستورد الأرز الأبيض غير البسمتي من الهند، ما يهدد بتضرر هذه البلدان من نقص الإمدادات الهندية.

يأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه مصر على سبيل المثال، من ارتفاع تضخم أسعار الغذاء بالفعل، على الرغم من إصدار قرارات لضبط أسعار السلع بالأسواق، إذ تصدرت مصر نسب تضخم الغذاء الحقيقي عالمياً للشهر الثالث على التوالي، وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في 30 نوفمبر تشرين الثاني الماضي.

ومع التوقعات بارتفاع أسعار الغذاء عالمياً، قد يحمل 2024 أنباءً قاسية على جيوب المستهلك المصري.

وبالعودة إلى أسعار الأرز، فخلال 15 عاماً، لم تشهد ارتفاعاً مثلما حدث في 2023، كما ارتفعت الأسعار في بعض مراكز التصدير الآسيوية بنسبة تتراوح بين 40 و45 في المئة.

القمح ليس بمأمن أيضاً

يعتبر القمح مورداً حيوياً للأمن الغذائي العالمي، إذ يشكّل المحصول الرئيسي للحبوب عالمياً، مستحوذاً على نحو 20 في المئة من البروتين والسعرات الحرارية لأكثر من 3.5 مليار شخص في 94 دولة، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.

لكن القمح يواجه تهديداً بسبب نقص الرطوبة، الأمر الذي اضطر الهند التي تعتبر أكبر مستهلك للقمح في العالم، إلى البحث عن واردات للمرة الأولى في ست سنوات.

وأفادت رويترز، بأن المزارعين في أستراليا، وهي ثاني أكبر مصدر للقمح عالمياً، سيضطرون إلى زراعة محاصيلهم في تربة جافة بحلول أبريل نيسان 2024.

وذلك بعد أشهر من الحرارة الشديدة التي أدت إلى تقليص إنتاج محصول عام 2023، وأنهت سلسلة من الحصاد القياسي لثلاثة مواسم متتالية، الأمر الذي قد يحفز المشترين، بما في ذلك الصين وإندونيسيا، على البحث عن كميات أكبر من القمح من مصدرين آخرين في أميركا الشمالية وأوروبا ومنطقة البحر الأسود.

في مصر -أكبر مستورد للقمح على مستوى العالم- أيضاً، تتصاعد مخاوف ارتفاع أسعار القمح عالمياً مع تزايد عدد السكان، الذي يقترب من 110 ملايين نسمة، علماً بأن استهلاك البلاد من القمح يزيد على 20 مليون طن سنوياً.

وتشير أرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي إلى انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح خلال العقد المنصرم، إذ هبطت من مستوى 74.4 في المئة عام 2009 إلى 48.2 في المئة عام 2022.

كما توقع تقرير صادر عن وزارة الزراعة الأميركية أن يرتفع استهلاك مصر من القمح في العام المالي 2023-2024 بنحو اثنين في المئة إلى 20.5 مليون طن متري، وعزا التقرير نمو الاستهلاك إلى الزيادة السكانية، فضلاً عن استضافتها نحو عشرة ملايين مهاجر من العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان.

هل هناك جانب مشرق في 2024؟

من المتوقع أن يتحسن إنتاج الذرة والقمح وفول الصويا في أميركا الجنوبية في 2024 رغم أن التقلبات المناخية في البرازيل تثير بعض الشكوك.

ومن المرجح أن تؤدي الأمطار الغزيرة على المناطق الزراعية في الأرجنتين إلى تعزيز إنتاج فول الصويا والذرة والقمح في واحدة من أكبر الدول المصدرة للحبوب في العالم، وفقاً لرويترز.

ورجحت رويترز أن تحقق البرازيل إنتاجاً زراعياً شبه قياسي في 2024، على الرغم من انخفاض تقديرات إنتاج فول الصويا والذرة في البلاد في الأسابيع الأخيرة بسبب الطقس الجاف.

كان البنك الدولي تعهد في مايو أيار 2022، بتوفير 30 مليار دولار على مدى 15 شهراً لمعالجة أزمة الغذاء، لكن دعم البنك فاق هذا الرقم، إذ أتاح نحو 45 مليار دولار من خلال مزيج من 22 مليار دولار في شكل قروض جديدة و23 مليار دولار من المحفظة الحالية لدعم 90 دولة.

وأوضح في بيان أنه ضمن هذه التعهدات، قدّم مشروعاً طارئاً لدعم الأمن الغذائي والقدرة على الصمود بقيمة 500 مليون دولار لدعم جهود مصر لضمان حصول الأسر الفقيرة والضعيفة على الخبز دون انقطاع، والمساعدة في تعزيز قدرة البلاد على الصمود في مواجهة الأزمات الغذائية.