في مطلع عام 2024، تجد الشركات العالمية نفسها أمام تحدٍ غير مسبوق، إذ تخطت أعداد الشركات التي عجزت عن سداد ديونها كل المعدلات المسجلة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، لا سيما في ظل ضغوطات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، وهذا بحسب تقرير حديث صادر عن «إس آند بي غلوبال ريتينغز»

ويقول التقرير إن العالم شهد منذ بداية العام حتى الآن 29 حالة من التخلف عن السداد، ما يعيد إلى الأذهان الأوقات العصيبة التي شهدها العالم خلال عام 2009 مع قرب انتهاء الأزمة المالية العالمية، ففي ذلك العام، تم تسجيل 36 حالة خلال الفترة ذاتها.

وتشير البيانات إلى عدد من العوامل التي تزيد أعباء الشركات المثقلة بالديون، منها تراجع الطلب الاستهلاكي، وزيادة الأجور، و ارتفاع أسعار الفائدة، لتجد المزيد من الشركات نفسها عاجزة عن سداد ديونها.

وتنبع الأزمة من مسار السياسة النقدية المتشددة الذي اتخذه بنك الاحتياطي الفيدرالي منذ مارس آذار 2022، إذ تسبب ارتفاع أسعار الفائدة في تفاقم الأعباء على الشركات ذات الرافعة المالية العالية.

والشركات ذات الرافعة المالية العالية هي الشركات التي تعتمد بشكل كبير على الديون (القروض والسندات) لتمويل عملياتها واستثماراتها، وتُستخدم هذه الديون لزيادة القدرة الاستثمارية للشركة على أمل تحقيق عوائد تفوق تكلفة الدين، ومع ذلك، تواجه هذه الشركات مخاطر مالية أعلى بسبب الأعباء المالية المتزايدة المرتبطة بسداد الديون والفوائد.

وفي خضم هذه الأزمة، لم تسلم قطاعات عديدة من شبح التخلف عن السداد، وتبرز الولايات المتحدة باعتبارها المحور الأبرز لهذه الظاهرة، إذ سُجلت 17 حالة تخلف عن السداد منذ بداية العام وحتى الآن، وهو رقم يقل بنسبة طفيفة عن 18 حالة تم رصدها في الفترة ذاتها من العام الماضي.

وفي المقابل، شهدت أوروبا ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الشركات التي فشلت في الوفاء بالتزامات الديون، حيث تضاعف عدد حالات التخلف عن السداد لديها منذ 2008، ما يعكس تأثير الظروف الاقتصادية الحالية على الشركات الأوروبية.

وتتصدر قطاعات مثل الرعاية الصحية، والإعلام والترفيه، ومنتجي السلع الاستهلاكية قائمة المجالات الأكثر عرضة لخطر التخلف عن السداد في الفترة المقبلة، وفي شهر فبراير شباط وحده، شكّلت حالات التخلف عن السداد من هذه القطاعات 40%، وذلك وفقاً لـ«إس آند بي»، ومن المتوقع ارتفاع عدد الحالات بين الشركات العاملة في هذه المجالات في المستقبل القريب.

ما نتيجة ارتفاع عدد الشركات غير القادرة على السداد؟

يؤدي ارتفاع حالات التخلف عن السداد إلى تقليل ثقة المستثمرين والمستهلكين، ما قد يؤدي بدوره إلى انخفاض معدلات الإنفاق والاستثمار، ورفع تكاليف الاقتراض نظراً لتزايد حذر المُقرضين، وإبطاء خطط الاستثمار والتوسع عبر الصناعات.

فزيادة الضغوط على البنوك والمؤسسات المالية تحد من قدرتها على الإقراض، ما قد يتسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي نتيجة تقلص الوظائف وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي والإنتاج، هذا فضلاً عن إثارة التقلبات في الأسواق المالية وإحداث تأثيرات سلبية متعاقبة على مستوى العالم.

لكن رغم الصورة الضبابية التي ترسمها الأرقام الحالية، لا يزال هناك بصيص من الأمل، إذ يتوقع تقرير ستاندرد آند بورز تحسن الأوضاع الاقتصادية العامة، خاصة وسط التفاؤل بأن يشهد النصف الثاني من العام بدء اتجاه البنوك المركزية نحو خفض أسعار الفائدة، ما يحد من معدلات التخلف عن السداد في أوروبا.

وتظل توقعات خفض الفائدة مرهونة بمسار التضخم، على سبيل المثال، سجل مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة خلال فبراير شباط ارتفاعاً أعلى من التوقعات، ما يقلص احتمال قيام الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض الفائدة في الموعد المتوقع، وقد يترتب على ذلك زيادة في أعداد الشركات التي تفشل في سداد ديونها.