بعد سقوط نظام الأسد مباشرة، شهدت الليرة السورية، العملة الرسمية للبلاد، تدهوراً سريعاً، حيث انهارت بشكلٍ حاد أمام الدولار الأميركي، قبل أن تعود إلى مستويات ما قبل الإطاحة بالأسد مسجلة 16000 ليرة بأسواق دمشق مع توفر العملة الأجنبية.
ومع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، يبرز التساؤل حول مصير العملة السورية التي تحمل صورته، خاصة فئة الألفي ليرة، التي أصبحت رمزاً لحكم دام عقوداً في سوريا.
من جهته، أكد مصرف سوريا المركزي في بيان رسمي استمراره في أداء مهامه، مشيراً إلى أنه سيواصل متابعة والإشراف على عمل المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية العاملة وفقاً للأنظمة المعمول بها.
وأكد المصرف استمرارية عمل المؤسسات المالية في تقديم خدماتها للمتعاملين بالشكل المناسب، مشدداً على أن ودائع جميع المواطنين وأموالهم المودعة في المصارف آمنة، ولم ولن تتعرض لأي خطر.
وأوضح مصرف سوريا المركزي أن العملة المعتمدة في التداول داخل البلاد هي الليرة السورية بجميع فئاتها، وأنه لم يتم سحب أي فئة من التداول.
ومن هذا المنطلق، وجّه المصرف شركات الصرافة والحوالات الداخلية بضرورة الالتزام بتسليم الحوالات للمستحقين بالليرة السورية، وفقاً للقرارات المعمول بها.
هل سيتم تغيير الليرة السورية؟
تتحول العملة في بعض الأنظمة إلى أداة لفرض هيمنة الحاكم، وتصبح رمزاً لتكريس شخصيته كأيقونة للدولة، وهذا ما قامت به عائلة الأسد.
وأصبحت العملة رمزاً للنظام السابق وللفترة التي يسعى الشعب لتجاوزها، ما يفرض على أي حكومة جديدة مهمة إعادة تصميم العملة كجزء من إعادة بناء الهوية الوطنية وبدء عهد جديد.
يُذكر أن هذا النهج ليس غريباً، فقد اتبعته دول عديدة في مراحل انتقالية، كما حدث في العراق بعد سقوط صدام حسين ودول الاتحاد السوفيتي السابق بعد تفككه.
ورغم عدم وضوح الخطوات الفعلية التالية بشأن تغيير تصميم الليرة العملة، حرص مصرف سوريا المركزي، بعد يوم واحد من سقوط النظام، على التأكيد أن الليرة السورية بكل فئاتها هي العملة المعتمدة للتداول في البلاد، وأنه لم يتم سحب أي فئة من التداول.
ويُعدّ تغيير العملة «قراراً سياسياً» في المقام الأول، وفقاً لتصريحات وزير التجارة السوري وحماية المستهلك، لؤي المنجد، في حديثه الإعلامي.
وشهدت سوريا، قبل سنوات قليلة، تغييراً في تصميم العملة، تحديداً فئة الألف ليرة؛ ففي يوليو تموز من عام 2015، طرح البنك المركزي ورقة نقدية جديدة من فئة 1000 ليرة سورية.
وكانت تلك الورقة النقدية، قبل تغيير تصميمها، تحمل صورة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ومع التعديل، استُبدلت الصورة برسم لمدرج مدينة بصرى الشام الأثرية.. والمفارقة أن تلك المدينة كانت قد وقعت تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة قبل نحو شهرين فقط من إصدار العملة الجديدة.
وفي يونيو حزيران من العام الماضي، أجرى مصرف سوريا المركزي تعديلات محدودة على تصميم الأوراق النقدية من فئة 5000 ليرة سورية، بهدف تعزيز المزايا الأمنية، تضمنت تكبير حجم الرقم 5000 وطباعته بتقنية الطباعة النافرة.
انهيار الليرة السورية أمام الدولار الأميركي
منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد عام 2011، بدأت الليرة السورية بالانخفاض، ولكن مع تصاعد العقوبات الاقتصادية على سوريا في السنوات الأربع الأخيرة، شهدت الليرة تراجعاً كبيراً أمام الدولار.
ووفقاً لما ذكره برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن الليرة انهارت بشكلٍ غير مسبوق خلال الأربع سنوات الماضية وبالتحديد منذ عام 2021 حتى 2024.
وذكر مؤشر تتبع سعر الليرة السورية أنه في بداية عام 2021 كان سعر الدولار الأميركي الواحد نحو 3 آلاف ليرة سورية في السوقين الرسمية والموازية، لكنه مع زيادة العقوبات الاقتصادية ظل السعر في السوق الرسمية ثابتاً في ظل ارتفاعه بالسوق السوداء.
وفي يناير 2022، سجل سعر الدولار في السوق السوداء نحو 4 آلاف ليرة ليبدأ رحلة الصعود، حتى إنه قبل نهاية العام نفسه وصل الدولار إلى 7 آلاف ليرة سورية، ثم ارتفع إلى 8 آلاف في بداية عام 2023، واستمرت الارتفاعات حتى 10 آلاف ليرة، في ظل السعر الرسمي الذي تتحكم فيه الحكومة السورية السابقة ثابتاً عند 3 آلاف ليرة.
وبحلول يوم الثلاثاء 10 ديسمبر كانون الأول، يتداول الدولار بـ16 ألف ليرة في دمشق، وفي حلب يصل إلى 17 ألفاً.
تاريخ الليرة السورية
في فترة الحكم العثماني كانت الليرة العثمانية هي العملة المتداولة في سوريا، ومع نهاية الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية أعلنت فرنسا انتدابها على سوريا ولبنان.
وفي إطار تنظيم الأمور النقدية، أسست فرنسا مصرف سوريا ولبنان، الذي تولى مسؤولية إصدار عملة موحدة للأراضي الخاضعة لسلطتها الانتدابية.
وصدرت الليرة السورية أول مرة عام 1919 عن طريق البنك السوري، وكانت قيمتها تعادل 20 فرنكاً فرنسياً، واستخدمت كعملة مشتركة في كل من سوريا ولبنان.
ومع استقلال لبنان، تغير اسم البنك السوري إلى بنك سوريا ولبنان الكبير، وأصدر الليرة السورية-اللبنانية في 24 ديسمبر 1924، واستمر ذلك حتى عام 1937، حين صدرت عملتان منفصلتان لكل من سوريا ولبنان، مع قابليتها للتداول في البلدين.
وفي عام 1939، تغير اسم المصرف إلى مصرف سوريا ولبنان، وتولت وزارة المالية إصدار النقد حتى تأسيس مؤسسة إصدار النقد السوري، التي أصدرت العملات الأولى بالشعار السوري «العقاب» وبعدها تأسس مصرف سوريا المركزي، الذي يتولى إصدار النقد حتى وقتنا الحالي.