شهدت محافظة حلب السورية، الأسبوع الماضي، هجوماً مباغتاً يعد الأعنف منذ سنوات، بين هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة)، وفصائل معارضة أقل نفوذاً، وتمكّنت من التقدم بموازاة سيطرتها على عشرات البلدات بمحافظتَي إدلب وحماة.
وبذلك أصبحت المدينة «للمرة الأولى خارج سيطرة قوات النظام منذ اندلاع النزاع» عام 2011.
الصراع في سوريا المستمر منذ أكثر من 10 سنوات، الذي ازداد حدةً بفعل الصدمات الخارجية الأخيرة، أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي المتردي بالفعل في عام 2023، كما أدى إلى تدهور كبير في رفاه الأسر السورية، وأدى كذلك استمرار النقص في التمويل ومحدودية المساعدات الإنسانية إلى زيادة استنزاف قدرة الأسر على تأمين احتياجاتها الأساسية وسط ارتفاع الأسعار، وتراجع الخدمات الأساسية، وزيادة معدلات البطالة.
من المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في سوريا بنسبة 1.5 في المئة في 2024، وفي عام 2022 طال الفقر 69 في المئة من السكان، ووصل معدل الفقر المدقع إلى 27 في المئة، مرتفعاً من مستوى ضئيل للغاية في عام 2009، بحسب تقرير البنك الدولي الصادر في مايو أيار الماضي.
الوضع الاقتصادي في سوريا
استمر الوضع الاقتصادي في سوريا في التدهور في عام 2023، وتراجع النشاط الاقتصادي بنسبة 1.2 في المئة على أساس سنوي، خاصة على طول الحدود الغربية لسوريا، ويعود ذلك جزئياً إلى ضعف النشاط التجاري.
وتُظهر بيانات إحراق الغاز ليلاً أيضاً انخفاضاً بنسبة 5.5 في المئة على أساس سنوي في إنتاج النفط، ويعود ذلك جزئياً إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بسبب الزلازل والصراعات.
وعلى الرغم من التحسن الذي شهده الإنتاج الزراعي بسبب تحسن الأحوال الجوية في عام 2023 (من أدنى مستوى تاريخي تقريباً في عام 2022)، فقد أثر الصراع بشدة على قطاع الزراعة مع نزوح أعداد هائلة من المزارعين والأضرار واسعة النطاق التي لحقت بالبنية التحتية وشبكات الري، ما أدى إلى انخفاض في المحاصيل، كما أثرت الاضطرابات المرتبطة بالصراع تأثيراً شديداً على التجارة الخارجية.
انهيار صناعي وزراعي في سوريا
وأدى انهيار الإنتاج الصناعي والزراعي المحلي إلى زيادة اعتماد سوريا على الواردات، كما زاد الاعتماد على الواردات الغذائية مع نشوب الصراع، وإن كان ذلك قائماً قبل عام 2011، وفي عام 2023 انخفضت قيمة الليرة السورية انخفاضاً كبيراً بنسبة 141 في المئة مقابل الدولار الأميركي، وفي الوقت ذاته تشير التقديرات إلى أن تضخم أسعار المستهلكين ارتفع بنسبة 93 في المئة، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب خفض الدعم الذي تقدمه الحكومة.
ومع تباطؤ الاقتصاد، لا تزال إيرادات المالية العامة تسجل تراجعاً، واستجابة لذلك خفضت السلطات الإنفاق بشكل أكبر، لا سيما في ما يتعلق بالإنفاق الرأسمالي، مع الضبط الشديد لبرامج الدعم.
الحرب في سوريا.. صدمات متعددة
وتعليقاً على ذلك، قال جان كريستوف كاريه المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي «شهدت سوريا صدمات متعددة ومتداخلة في عام 2023، مع زلزال فبراير شباط والآثار غير المباشرة للصراع الدائر في الشرق الأوسط، وبعد مرور أكثر من عقد من الزمان على الصراع الأكثر دمويةً في هذا القرن، تراجعت بشدة قدرة سوريا على استيعاب الصدمات الاقتصادية الخارجية، لا سيما مع الانخفاض الأخير في تدفق المعونات وصعوبة الحصول على المساعدات الإنسانية واشتداد التوترات الجيوسياسية الإقليمية».
وتتوقع نسخة ربيع 2024 من تقرير المرصد الاقتصادي لسوريا أن يستمر الانكماش الاقتصادي، الذي طال أمده، في عام 2024، ومع تعرض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لحالة غير مسبوقة من عدم اليقين، فمن المتوقع أن ينكمش بنسبة 1.5 في المئة في عام 2024، إضافة إلى التراجع الذي بلغ 1.2 في المئة في 2023.
ومن المتوقع أن يبقى الاستهلاك الخاص، وهو عجلة النمو الرئيسية، في تراجع مع استمرار تآكل القوة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار، كما يتوقع أن يستمر ضعف الاستثمار الخاص في ظل عدم استقرار الوضع الأمني والضبابية في المشهد الاقتصادي وعلى مستوى السياسات، ومن المتوقع أن يبقى التضخم مرتفعاً في عام 2024 بسبب الآثار الناجمة عن انخفاض قيمة العملة، فضلاً عن العجز المستمر في أرصدة العملات الأجنبية، واحتمال إجراء مزيد من الخفض في دعم الغذاء والوقود (المحروقات)، وتشير موازنة عام 2024 إلى استمرار خفض الدعم للسلع الأساسية.
أما عن رفاه الأسر السورية، ففي عام 2022 طال الفقر 69 في المئة من السكان، أي نحو 14.5 مليون سوري، وعلى الرغم من عدم وجود الفقر المدقع فعلياً قبل اندلاع الصراع، فإنه طال أكثر من واحد من كل أربعة سوريين في عام 2022، وربما زاد حدة وشدة بسبب الآثار المدمرة لزلزال فبراير شباط 2023، وقد أسهمت عدة عوامل خارجية، لا سيما الأزمة المالية في لبنان عام 2019، وجائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، في زيادة تراجع رفاه الأسر السورية في السنوات الأخيرة.
معدلات الفقر في سوريا
ووفقاً للتقرير، فإن للفقر في سوريا دلالة مكانية قوية، فأكثر من 50 في المئة من الفئات الأشد فقراً يعيشون في ثلاث محافظات فقط (حلب وحماة ودير الزور)، وتسجل المحافظات في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا أعلى معدل لانتشار الفقر، أما الأسر التي تعيلها نساء والأسر النازحة داخلياً، فهي الأكثر عرضةً لمخاطر الفقر.
ويشدد التقرير كذلك على أن التحويلات المالية تمثل شريان حياة بالغ الأهمية للأسر السورية، ويرتبط إرسال التحويلات من الخارج بانخفاض معدلات الفقر المدقع على نحو يقدر بـ12 نقطة مئوية وانخفاض في معدلات الفقر يقدر بـ8 نقاط مئوية.