بينما يبحث الموظف عن منتج ما عبر منصات التواصل الاجتماعي، تدرس زوجته ربة المنزل إمكانية شراء أهم المستلزمات عبر أحد التطبيقات، هذا الروتين اليومي البسيط الذي يعيشه العديد من الناس أسهم في انتعاش قطاع التجارة الإلكترونية في السعودية ومنطقة الشرق الأوسط.
بدأ انتشار التجارة الإلكترونية في السعودية منذ 2019، وبلغ 28 مليون ريال في اليوم، بينما ارتفع في 2020 ليحقق 107 ملايين ريال، وفقاً للبنك المركزي السعودي، كما شكلت المبيعات عبر الإنترنت 6 في المئة من إجمالي مبيعات التجزئة في السعودية لعام 2020، وفقاً لمجموعة بوسطن الاستشارية، لكن كيف تأثر القطاع في الوقت الذي أعقب الجائحة؟
إحصائيات التجارة الإلكترونية في السعودية
في 2022، سجلت التجارة الإلكترونية في السعودية نمواً بقيمة 122.67 مليار ريال، مقابل 74.32 مليار ريال في 2021، وفقاً لبيانات المركزي السعودي، وقالت مختصة التجارة الإلكترونية وريادة الأعمال، فاطمة الغامدي لـ«CNN الاقتصادية» إن «الإحصائيات تشير إلى النمو المطرد الذي حققته المملكة في هذا القطاع خلال السنوات الأخيرة، إذ ارتفع حجم العمليات التجارية عبر الإنترنت بنسبة تجاوزت 40 في المئة خلال العام الماضي فقط».
وأضافت «وذلك يعكس تزايد الاعتماد على منصات التسوق الإلكتروني، فضلاً عن تبني المملكة إجراءات تحفيزية وإصلاحية لتسهيل عملية التسوق الإلكترونية».
من جهتها، قالت مختصة النمو والتسويق الرقمي جوانا التويم لـ«CNN الاقتصادية» إن «التجارة الإلكترونية في السعودية نمت بطريقة ملحوظة في آخر ثلاث سنوات؛ بسبب الجائحة التي أرغمت جميع الأعمال التقليدية بالتحول الرقمي سواء كان بإنشائهم متاجر إلكترونية لبيع منتجاتهم أو بتبني الأنظمة الداعمة للأتمتة».
وأضافت «لقد أجبرت المستهلكين -حتى المتخوفين من التسوق الإلكتروني- بالشراء عبر الإنترنت من المتاجر الإلكترونية والتطبيقات التي تخدم حاجاتهم اليومية، واليوم نكاد لا نرى شخصاً يدفع نقداً في المحال التجارية، فمنذ الجائحة انتشرت طرق الدفع الإلكترونية مثل (مدى)، (أبل باي)، (ماستركارد)، وغيرها؛ ما كسر تخوف المتسوقين، وبالتالي حدث هذا النمو المتسارع للغاية في قطاع التجارة الإلكترونية في السعودية، مع وجود كل من التجار والمتسوقين في العالم الرقمي واستعدادهم للعمل معاً».
نظام التجارة الإلكترونية
شهد حجم إصدار سجلات التجارة الإلكترونية ارتفاعاً بنسبة 21 في المئة حتى نهاية الربع الثاني من 2023، وذلك في الوقت الذي حددت وزارة التجارة نظام التجارة الإلكترونية في السعودية، وسعت إلى وضع عدة قوانين لحماية القطاع منها قانون حماية المستهلك، والسجل التجاري، والعلامات التجارية، إضافة إلى دعم رواد الأعمال للتحول الرقمي من التجارة التقليدية إلى الإلكترونية.
أوضحت الغامدي «بلغ العدد الإجمالي لحاملي وثائق العمل الحر 75.21 ألف، كما وصل عدد الحاملين للسجلات التجارية من الممارسين لأنشطة التجارة الإلكترونية النشطة نحو 30.15 ألف سجل في العام الماضي، وفقاً لمجلس التجارة الإلكترونية السعودي، وكل ذلك دفع المملكة إلى تطوير اقتصاد متنوع يعتمد على التكنولوجيا؛ ما يعزز من كفاءة الأعمال، والتواصل بين الشركات والعملاء، وتوفير منصات تجاريَّة آمنة وموثوقة تعمل عن بُعد».
وبلغ عدد شحنات التجارة الإلكترونية الواردة إلى السعودية 35 مليون شحنة في 2022، وقالت الغامدي «تصدرت الصين الدول التي تستورد منها، إضافة إلى الولايات المتحدة وهونغ كونغ».
كما أفادت التويم بأن «وزارة التجارة السعودية أصدرت أنظمة للحفاظ على حق المستهلك، وحماية خصوصية بيانات العميل التي أصبحت لدى التاجر».
نجاح المتاجر الإلكترونية وتطبيقات التوصيل
على الرغم من التطور التكنولوجي السريع الذي يحدث اليوم، ويؤثر في المجالات التي تتقاطع مع التجارة الإلكترونية، مثل التسويق الرقمي، التصميم، الكتابة، وغيرها، فإنه يصعب توقع التطور المقبل، فما يحدث الآن ما هو إلا بداية لثورة تكنولوجية في هذا المجال، خاصة مع ما يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي من حلول سهلة وسريعة، وفقاً لما أوضحته التويم.
وأضافت «لنجاح أي متجر إلكتروني، يجب التقيُّد بالأنظمة والقوانين وعدم مخالفتها لضمان استمرارية المتجر وعدم تعرضه للعقوبات».
ولفتت إلى ضرورة سعادة العملاء، فالنجاح يعتمد عليها، قائلة «يجب على التاجر ضمان تجربة عميل ناجحة من مرحلة تصفح المنتجات حتى توصيل الشحنة، وتلك العملية يمكنها أن تزيد تلقائياً من الإقبال على المتجر بسبب التسويق الشفوي للعملاء السعداء والعكس أيضاً صحيح، فالعميل الغاضب من جودة المنتج الرديئة أو بطء تجاوب خدمة العملاء أو تأخر الشحنة سيؤثر سلباً على المتجر».
وأردفت قائلة «سهَّل وجود منصة العمل الحر من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية من إمكانية توظيف مختصين وخبراء في مجالات التصميم، كتابة المحتوى، وتطوير المتجر، والتصوير، والتسويق، وخدمة العملاء، ما يسهم في بناء بيئة خصبة تدعم المستقلين، وتخلق لهم المزيد من الفرص للنمو والربح».
بدوره، قال مؤسس تطبيق «إزهلها» للتوصيل، أحمد المحيسني لـ«CNN الاقتصادية»، إن «السعودية سجلت ارتفاعاً ملموساً في القطاع، ما خدم القطاع الخدمي الذي يشمل خدمات التوصيل، ومن المتوقع أن تتجاوز التجارة الإلكترونية في السعودية نحو 15 مليار دولار في 2025، وزيادة المبيعات على الإنترنت بنسبة 60 في المئة، حسب الإحصاءات الحكومية».
وأضاف «اليوم نرى الرؤساء التنفيذيين في الشرق الأوسط، يتحولون إلى التجارة الإلكترونية في شركاتهم، لأن الأمر أصبح خياراً شبه أساسي، في الوقت الذي تمر فيه التجارة الإلكترونية في السعودية ببوصلة رقمية للتاجر والعميل على حد سواء، وهذا يحدد نجاح مستقبلها».
تنويع روافد الاقتصاد ورؤية 2030
تأثرت التجارة الإلكترونية في دول مجلس التعاون الخليجي بارتفاع دخل الأفراد، والشبكات اللوجستية المتطورة، ومستويات انتشار الإنترنت العالية، فضلاً عن الجائحة التي أسهمت في انتشار المتاجر الإلكترونية، وزيادة معدلات الشراء، ونجاح تطبيقات التوصيل.
توقعت منظمة التجارة العالمية أن يصل عدد مستخدمي الإنترنت السعوديين في مجال التجارة الإلكترونية، إلى أكثر من 33 مليون شخص، وذلك في الوقت الذي توفر فيه السعودية أسرع إنترنت.
قالت الغامدي «تهدف رؤية 2030 إلى تحقيق تحول رقمي شامل في القطاعات، بما يشمل التجارة الإلكترونية أيضاً، ولأنها واحدة من ركائز النمو الاقتصادي للمملكة؛ تعمل الحكومة على زيادة مُساهمة التّجارة الحديثة والإلكترونية ضمن قطاع التجزئة مع حلول عام 2030 إلى 80 في المئة، كما تتطلع إلى رفع نسب المدفوعات عبر الإنترنت إلى 70 في المئة بحلول العام ذاته».
وأوضحت التويم أن«نمو مجال التجارة الإلكترونية في السعودية يسهم في تحقيق ركيزة الاقتصاد المزدهر من الرؤية، عن طريق توفير العديد من فرص العمل، وتحفيز المنافسة في القطاعات، فبوجود منصات التجارة الإلكترونية أصبح من الممكن للجميع البدء في إطلاق المتجر سواء كان موظفاً، أو عاطلاً عن العمل، أو حتى طالباً، وبعد نمو المتجر، يمكن التوسع في توظيف المزيد، ما يوفر فرصاً جديدة للعمل».
ويتوقع أن تصل إيرادات سوق التجارة الإلكترونية في السعودية إلى 10.16 مليار دولار في 2023، وفقاً لإحصائيات «ستاتيستا»، كما يتوقع أن يصل عدد المستخدمين إلى 28.5 مليون مستخدم بحلول 2027، بينما تواصل هذه السوق المفتوحة على مدار الساعة نموها توفيراً للوقت والجهد.