من تطورات تكنولوجية إلى إتقان مميز للأعمال وتنمية مستمرة للمهارات الناعمة حتى أصبحت اليابان نموذجاً ناجحاً يُضرب به الأمثال للنجاح، إلّا أن الاقتصاد الياباني وقيمة الين الذي انخفض إلى أدنى مستوياته بنسبة 46 في المئة منذ عقود، يعكسان التذبذب في بلاد الشمس المشرقة.
نشر بنك بنك قطر الوطني (كيو إن بي) تقريراً يُثير القلق بالنسبة لليابان، مفيداً بأنه يمكن قياس حالة الاقتصاد بتقلب أسعار العملات خاصة فيما يتعلق باقتصادات الدول المتقدمة.
وأشار إلى أن أسعار صرف العملات الأجنبية تؤثّر في تدفقات رؤوس الأموال التي بدورها تتأثر بالأداء الاقتصادي النسبي، وفروق أسعار الفائدة.
رحلة تدهور قيمة الين الياباني
اعتمدت اليابان في الأشهر الماضية سياسة نقدية ميسرة يطبقها البنك المركزي الياباني على عكس السياسات المتشددة التي طبقها الفيدرالي الأميركي والبنك الأوروبي، ما تسبب في انخفاض تدفقات رؤوس الأموال والذي راح ضحيته الين الياباني، ليشهد تدهوراً ملحوظاً بنسبة 46 في المئة في أسوأ انخفاض له منذ الجائحة، وفقاً لتقرير البنك.
شهدت قيمة الين الياباني تراجعاً كبيراً منذ الجائحة بلغت ذروتها في الربع الثاني من عام 2022، ليبدأ في الارتفاع بوتيرة بطيئة خلال أواخر العام ذاته ومع بداية 2023، متطلعاً إلى تخفيف سياسة الفيدرالي الأميركي المتشددة برفع أسعار الفائدة، حتى يبلغ مستوى مستقراً بتقليص فارق سعر الفائدة مقارنة باليابان، ما يعزز من قيمة عملتها المحلية، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن اليابانية.
استمرت السياسة النقدية المتشددة للولايات المتحدة، لتتدهور العملة اليابانية بشكلٍ كبير، وبلغ الين الياباني نحو 0.01 دولار، وفقاً لبيانات ريفينيتيف.
القيمة الحقيقية للين الياباني
مقارنة بسعر صرف أقوى العملات المحلية لأكبر اقتصادات في العالم، فإن الين الياباني يتراجع بقوة أمام اليورو واليوان الصيني والدولار بالطبع.
ووفقاً لتحليلات كيو إن بي استناداً إلى بيانات جي بي مورغان، فإن سعر صرف الين الياباني الحقيقي لشهر نوفمبر تشرين الثاني 2023 يؤكد أن العملة أقل من قيمتها الحقيقية في العالم المتقدم بأكثر من 30 في المئة من قيمته النظرية.
وتوقع كيو إن بي أن تشجّع الظروف تعافي الين الياباني على المدى المتوسط خاصة مع دخول نهج السياسة النقدية المتشددة حيز التنفيذ في اليابان، إذ يعتمد بنك اليابان على تشديد سياسته تدريجياً، بداية من قراره برفع الحد الأقصى لنطاقه المستهدف للعائد على السندات لأجل 10 سنوات إلى 1 في المئة، في الوقت الذي يشعر فيه مسؤولو بنك اليابان بثقة من خروج بلادهم من فخ الانكماش.
وقال وزير الاقتصاد الياباني يوشيتاكا شيندو، في سبتمبر أيلول الماضي، إن الاقتصاد الياباني لم يعد يعاني الانكماش، بينما يحرز تقدماً مطّرداً، لكن يتعين على صُنّاع السياسات ضمان عدم انزلاق الأسعار مرة أخرى إلى الانكماش.
نمو الاقتصاد الياباني بوتيرة متفاوتة
مر الاقتصاد الياباني بمرحلة نمو سريعة عقب الحرب العالمية الثانية، وبعد عشرات الأعوام، ارتفع بوتيرة ثابتة خلال العقود الثالثة الماضية، إلّا أن نموه كان بوتيرة بطيئة إلى حد ما، فبعد أن بلغ الناتج المحلي الإجمالي لليابان نحو 1.12 تريليون دولار عام 1980 وصل إلى ذروته في منتصف التسعينيات من القرن الماضي بنحو 5.5 تريليون دولار.
لم يستمر هذا النمو طويلاً، إذ تراجع نمو الاقتصاد الياباني منذ ذلك الحين حتى عام 2012، إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي حينذاك نحو 6.2 تريليون دولار، لكن الأمر لم يستمر مجدداً، ويبدو أنه لن يصل إلى هذا المعدل من النمو قريباً، فوفقاً للتحليلات فمن المتوقع أن يتراوح الاقتصاد الياباني بين 4.2 و5.1 تريليون دولار خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
وفي عام 2022، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لليابان نحو 4.23 تريليون دولار، وهذا يجعل اليابان في المركز الثالث في تصنيف الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصادات العالم.
ومع ذلك، فإن الناتج المحلي الإجمالي لليابان يبتعد كثيراً عن الصين التي جاءت في المركز الثاني بنحو 18 تريليون دولار، والولايات المتحدة التي تحتل الصدارة بنحو 25.4 تريليون دولار، لكنه يقترب في الوقت ذاته من ألمانيا التي بلغ الناتج المحلي الإجمالي فيها نحو 4.07 تريليون دولار، والدول التي تليها مثل الهند والمملكة المتحدة وفرنسا.
على جانب آخر، فقد شهد التضخم الأساسي في اليابان ارتفاعاً خلال أكتوبر تشرين الأول الماضي، بنسبة 3.3 في المئة على أساس سنوي، وذلك بعد تباطؤه خلال سبتمبر أيلول للشهر الثالث على التوالي، وفقاً لأحدث بيانات بنك اليابان، الذي علّل ذلك بانخفاض تكاليف الوقود.
من جهتهم، رجّح المحللون -وفقاً لوكالة رويترز- أن يؤثّر الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية والضروريات اليومية وأسعار الخدمات في بنك اليابان وسيبقيه تحت الضغط للتخلص التدريجي من برامج التحفيز الضخمة.
وكان التضخم الأساسي للمستهلكين في اليابان فاق التوقعات في مايو أيار، وارتفع بأسرع وتيرة سنوية خلال 42 عاماً منذ يونيو حزيران 1981.