يقوم الاستثمار الأجنبي المباشر على الأمن وقدرة الدول على توفير بيئة الأعمال الحاضنة لتدفق هذه الاستثمارات، وأي تقاعس من قِبل هذه الدول في احترام الاتفاقيات ينعكس سلباً على اقتصاداتها، ويدفع هذه الاستثمارات إلى التخارج.
ولبنان من بين أوائل الدول التي نجحت في استقطاب الاستثمارات الأجنبية إليها، لا سيما في ظل العلاقات المتميزة التي تربطها مع دول الخليج التي تستأثر بنحو 40 في المئة من الاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى لبنان.
ولكن مع الضغوط السياسية والاقتصادية والانتكاسات الأمنية التي تشهدها لبنان منذ سنوات بدأت هذه العلاقات تتأرجح على وقع المواقف السياسية للدولة وسط عجز لبناني عن تقديم أي ضمانات فعلية للمستثمر الأجنبي.
ورغم حجز المصارف اللبنانية للودائع التي تشكّل الودائع الخليجية نسبة 21 في المئة منها، لم يتخذ أي مستثمر خليجي إجراءات قانونية، وكانت سياسة التزام الصمت والترقب هي الفاصل.
ولكن مؤخراً، خرج خلف الحبتور مؤسس مجموعة الحبتور الإماراتية وأحد أهم المستثمرين الخليجيين في لبنان رسمياً عن صمته ووجّه رسالة مفتوحة إلى حكومة تصريف الأعمال اللبنانية الممثلة برئيسها نجيب ميقاتي إزاء تردي الأوضاع الأمنية في لبنان ونهج التعاطي المتبع في ملف المستثمرين الأجانب.
وسبق للحبتور مخاطبة الدولة اللبنانية من صفحته على منصة X بعدة منشورات انتقد فيها نهج المصارف اللبنانية في حجز أموال المودعين من دون وجه حق.
وقال الحبتور لـ«CNN الاقتصادية» «للأسف الحكومة اللبنانية لم تقم بأي خطوة تطمينية تجاه المستثمرين، ولا يسعنا هنا إلّا أن نسجل موقفنا بتحميل الدولة اللبنانية كامل المسؤولية لتعويضنا عن كل الخسائر الضخمة التي تكبدناها إلى تاريخنا هذا، وضرورة ضمان وحماية استثماراتنا وممتلكاتنا؛ وعليه، يتوجب على الدولة اللبنانية أن تقوم بمجابهة مصادر التهديد والتصدي الوقائي لها، لضمان الدولة لتلك الاستثمارات والممتلكات ضد هذه المخاطر».
وأضاف «نحن في صدد اتخاذ إجراءات لا نستطيع الإفصاح عنها وسوف نعلن عنها في الوقت المناسب، لكن ما يمكنني قوله هو أن صبرنا قد نفد».
مطالب الحبتور
أعرب الحبتور عن حبه للبنان وسعيه الدائم لدعم الاقتصاد والشباب اللبناني وتأمين فرص العمل له رغم الصعوبات التي واجهها، إذ أبقى مؤسساته مفتوحة لتوظيف اللبنانيين في أحلك الظروف الاقتصادية.
وتابع «علاقتنا بغالبية المسؤولين اللبنانيين علاقة مودة طيبة واحترام وصداقة مع جزء كبير منهم، لكن هذا لا يعني شيئاً فيما يتعلق بالعمل والواقع، وفي رسالتنا هذه نحملهم المسؤولية كاملة لما آل إليه الوضع؛ فهم مسؤولون أمام المستثمر، ويبدو أنهم قابلون ما يحدث، أو عليهم أن يتصرفوا من موقعهم الرسمي لحماية الاقتصاد والمستثمر».
وطالب الحبتور في رسالته بضرورة اتخاذ السلطات اللبنانية كل الإجراءات اللازمة الكفيلة بحماية استثماراتهم وعدم الدخول في صراعات وحروب عبثية وضمان وحماية الاستثمارات والممتلكات وتكفلها في حالة التعرض من الغير واحترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والتعويض عن كل الأضرار والخسائر التي تكبدها جراء احتجاز المصارف اللبنانية لأموالهم.
توقيت رسالة الحبتور وأبعادها
منذ عام 2019 خضعت كل الإيداعات الوطنية والأجنبية لحالة احتجاز قسرية من قبل المصارف اللبنانية بمعزل عن أيّ خطة حمائية ترمي إلى إعادة هيكلة رساميل المصارف والتخفيف من هذه القيود أو ضبطها بآليات قانونية تحمي حقوق الطرفين.
ويصل حجم ودائع مجموعة الحبتور في المصارف اللبنانية إلى 50 مليون دولار، والتي هي بحكم الأمر الواقع خسارة تتحملها المجموعة وتضاف إلى الخسائر التي تتكبدها المجموعة الناشطة في قطاع الفنادق جراء الانهيار الاقتصادي والنقدي الذي يتعرض له لبنان.
ويجيب الحبتور على حجم الخسائر المتوقع إضافته على ما مُنيت به المجموعة حتى اليوم «إن مجمل الاستثمارات المباشرة والإيداعات المصرفية للمجموعة في لبنان يصل إلى المليار دولار، وذلك دون المساعدات التي نقوم بها في لبنان منذ التسعينيات، والحكومة لا تبالي و(تاركة الحبل على الغارب)، أي تترك كل فريق سياسي يؤدي بلبنان إلى مصيبة جديدة، بحسب أهوائه، فإلى متى نتحمل، نحن الذين آمنا بلبنان واستثمرنا أموالنا فيه؟».
وأضاف «سياسة الخنوع هذه ندفع ثمنها نحن والشعب اللبناني، نحن الذين أعطينا هذا البلد أكثر مما أعطوه هم بكثير».
وتأتي هذه الخطوات التصعيدية في توقيتين مهمين، يكمن الأول في إمكانية انجرار لبنان إلى حرب مع إسرائيل وسياسة المقاطعة التي يتبناها الشعب اللبناني اتجاهاً لدعم ما يحدث في غزة، ويتزامن التوقيت الثاني مع مشروع الموازنة المعد من قبل الحكومة اللبنانية -وينتظر التصديق عليه من قبل المجلس النيابي- والذي جاء دون إصلاحات هيكلية وبنيوية للاقتصاد واعتماد أساسي على الضرائب والرسوم لرفع إيرادات الموازنة العامة.
ولم تتلقَ «CNN الاقتصادية» حتى تاريخ نشر هذا الموضوع أي رد من قِبل الحكومة اللبنانية على الرسالة المرفوعة أو على الخطوات الاحترازية التي تنوي اتخاذها تجاه المستثمرين والمودعين الأجانب.