التفاؤل بنمو الاقتصاد في الشرق الأوسط هو ما أظهره استطلاع شركة بي دبليو سي أند كوبرز للأبحاث، والذي شمل الرؤساء التنفيذيين للشركات العاملة في المنطقة، إذ أجمع أغلبهم على تحقيق الاقتصاد نمواً خلال العام الجاري تماشياً مع التوقعات بانخفاض معدلات التضخم وإعلان الفيدرالي الأميركي إمكانية خفض أسعار الفائدة في النصف الأول من العام الجاري.

وفي تعليق على استطلاع هذا العام، قال هاني أشقر، الشريك الرئيسي في بي دبليو سي الشرق الأوسط «شكَّل العام الماضي فترة انتقالية بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، وعلى الرغم من تباطؤ معدلات النمو العالمية فقد أظهرت منطقة الشرق الأوسط قدرة على الصمود؛ إذ إن دول هذه المنطقة عملت على إسراع عمليات التحوُّل الرقمي كما عززت قطاعاتها غير النفطية، ما أدى إلى استحداث عدد من فرص العمل».

أظهرت منطقة الشرق الأوسط قدرة على الصمود.

وأضاف «تشهد الشركات في منطقة الشرق الأوسط تطوراً كبيراً بفضل التقنيات المتقدّمة بما فيها الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومعدَّل الوعي المرتفع بالمشكلات والتحديات الرئيسية التي يجب التطرّق إليها على سبيل التغيّر المناخي، وتشير هذه الجهود إلى ثقة والتزام راسخ بإعادة رسم معالم المنطقة من أجل تحقيق نتائج مستدامة».

التفاؤل عنوان المرحلة

وأظهر الاستطلاع أن نحو 73 في المئة من التنفيذيين في الشرق الأوسط و85 في المئة من قادة الشركات الخليجيين متفائلون بمستقبل المنطقة وبأدائها الاقتصادي للعام الجاري فيما لم تتجاوز نسبة هذا التفاؤل لدى نظرائهم الأجانب عتبة الـ44 في المئة.

ولاحظ الاستطلاع أن 2023 كان عاماً انتقالياً للاقتصاد العالمي الذي واجه تهديداً مزدوجاً، تمثل في ارتفاع معدلات التضخم والتعطل الذي لحق بسلاسل الإمداد بسبب جائحة كورونا والصدمات الجيوسياسية، ناهيك عن ارتفاع أسعار الفائدة للجم التضخم، الأمر الذي ألقى بظلاله على قطاع الاستهلاك والاستثمار العالمي.

وعلى الرغم من تباطؤ النمو العالمي، فقد ظلت منطقة الشرق الأوسط تتمتع بمرونة ملحوظة وجدت صداها لدى الشركات العاملة في الشرق الأوسط، حيث توقع 48 في المئة من قادتها و81 في المئة من القادة في الشركات العاملة في الخليج تحقيق نمو في الاقتصاد العالمي فيما لم يتجاوز ذلك ما نسبته 38 في المئة لدى نظرائهم الأجانب.

وجاء هذا التفاؤل مدفوعاً بارتفاع أسعار النفط واستراتيجيات التنمية المتمثلة في (رؤية المملكة 2030) واستراتيجية (نحن الإمارات 2031) اللتين تعززان مبادرات التنويع الاقتصادي، وتضع الخليج كمركز حيوي لاستقطاب الاستثمارات.

ويتماشى ذلك، وفق التقرير المرفق بالاستطلاع، مع نظرة صندوق النقد الدولي بنمو الاقتصاد الخليجي من 1.7 في المئة العام الماضي إلى 3.7 في المئة لهذا العام مقارنة بتراجع طفيف للمعدل العالمي للنمو من ثلاثة في المئة إلى 2.9 في المئة للفترة المماثلة.

الوضع لا يزال يحتاج إلى المزيد من العمل لتحويل الطموحات إلى أفعال.

وأشاد التقرير بالتفاؤل الذي انفردت به منطقة الشرق الأوسط على عكس مثيلاتها في أميركا الشمالية التي بلغت فيها نسبة التفاؤل في تحقيق النمو من قبل الرؤساء التنفيذيين الـ32 في المئة ولم تتجاوز هذه النسبة الـ39 في المئة في بريطانيا و59% في الصين.

ومن شأن هذه التوقعات إذا تحققت أن توسع من قاعدة التوظيف، إذ توقع 65 في المئة من قادة المؤسسات في المنطقة زيادة في أعداد الموظفين خلال هذا العام.

تنوع اقتصادي

وكشف الاستطلاع أن قادة المؤسسات في العالم العربي انتهجوا سياسة الحيطة والحذر في عقد صفقات الحيازة والدمج تحت وطأة الارتفاع في أسعار الفائدة وزيادة ضغوط التضخم على الاقتصاد، فبقيت عمليات الحيازة والدمج متواضعة ومحدودة، وأعرب 28 في المئة من الرؤساء التنفيذيين في الشرق الأوسط عن قيامهم بعقد مثل هذه الصفقات مقابل 30 في المئة من نظرائهم الخليجيين و35 في المئة عالمياً.

ولم يشكّل هذا الحذر عائقاً أمام قادة المؤسسات في انتهاج الابتكار والتجدد في سياساتهم وتوظيفاتهم الاستثمارية.

وأظهر الاستطلاع استمرار 40 في المئة من قادة المؤسسات هذه في التزامهم بتحقيق القيمة من خلال تطوير وتنويع الخدمات والمنتجات وتبني التقنيات والتكنولوجيات الحديثة، لا سيما تكنولوجيا المناخ، خصوصاً أن دول المنطقة هي من الدول الأكثر تعرضاً لزيادة في معدلات الحرارة مدفوعةً بتوجه الحكومات نحو التنويع الاقتصادي ونزع الكربون «ولو أن الوضع لا يزال يحتاج إلى المزيد من العمل لتحويل الطموحات إلى أفعال»، كما أورد تقرير الاستطلاع.

ولما كان التغيّر المناخي وتحقيق الاستدامة ركيزتين أساسيتين في التنوع الاقتصادي فقد أشاد الاستطلاع بالتقدم المحرز في هذين المجالين، ولو أن 67 في المئة من الإجابات أكدت تبني شركاتهم برامج كفاءة الطاقة مقارنة بالمعدل العالمي الذي يلامس 76 في المئة.

مرونة رغم المخاطر

وعلى الرغم من ارتفاع التضخم والصراعات الجيوسياسية ومخاطر الأمن السيبراني، فإن التفاؤل والنظرة الإيجابية للمنطقة، وفق الاستطلاع، مردها إلى المرونة العالية التي أظهرها قادة الشركات في الشرق الأوسط بالتعاطي مع هذه التحديات والإبحار في التيار الصعب بحثاً عن آفاق نمو جديدة.

وتشارك هؤلاء مع نظرائهم العالميين في اعتبار التضخم بمثابة التهديد الأكبر رغم تراجع معدلاته عالمياً من 6. 9 في المئة عام 2023 إلى 5.8 في المئة في 2024.

كما اعتبر 38 في المئة من قادة الشركات في الشرق الأوسط مقارنة بـ24 في المئة من نظرائهم العالميين أن التضخم مدفوع بالأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، ولا سيما حرب غزة.

ويعزو التقرير ذلك إلى عدم التطور في الحرب الأوكرانية الروسية وتأقلم سلاسل الإمداد الأوروبية مع هذا الصراع الذي دخل عامه الثالث.

كما لاحظ التقرير تنامي الذكاء الاصطناعي التوليدي مدفوعاً بإطلاق نماذج اللغوية الكبيرة كـ«فالكون» و«جيس» في دولة الإمارات، الأمر الذي يضع منطقة الشرق الأوسط في مكانة متقدّمة لتطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي واستخدامه من قبل الرؤساء التنفيذيين لتحسين كفاءة العمل وزيادة التنافسية.