بدأت أنظار الدول والشركات العالمية مؤخراً بالتوجه نحو الهند كبديل للصين، خاصة مع تدهور العلاقة بين واشنطن وبكين، وتسعى حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي لاستغلال رياح التغيير هذه بشتى الطرق، إذ تعمل على قدم وساق إلى جذب الشركات متعددة الجنسيات لإنشاء مصانع في مختلف المناطق الهندية، وتنفق المليارات لتطوير الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية.

وكانت الهند أعلنت أرقام نمو اقتصادية قوية تجاوزت التوقعات، لتنهي عام 2023 بشكل جيد وتعزز بشكل كبير موقع رئيس الوزراء ناريندرا مودي القيادي قبل أسابيع قليلة من الانتخابات العامة.

أفاد مكتب الإحصاءات الهندي بأن الناتج المحلي الإجمالي في أسرع الاقتصادات الكبرى نمواً في العالم ارتفع بنسبة 8.4 في المئة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023 مقارنة بالعام السابق، مقارنة بنمو قدره 7.6 في المئة في الفترة من يونيو حزيران إلى سبتمبر أيلول.

وقال مودي «نمو الناتج المحلي الإجمالي القوي بنسبة 8.4 في المئة.. يُظهر قوة الاقتصاد الهندي وإمكانياته».

وبالرغم من توقعات صندوق النقد الدولي بنمو اقتصاد الهند بنسبة 6.5 في المئة هذا العام مقارنة بنسبة 4.6 في المئة للصين، إلّا أن حكومة مودي تقدر النمو بنسبة 7.6 في المئة للسنة المالية حتى مارس آذار.

وأضاف: «سوف تستمر جهودنا لتحقيق النمو الاقتصادي السريع الذي سيساعد 1.4 مليار هندي على عيش حياة أفضل».

ومن شأن التوسع المستدام أن يرتقي بالهند ويعزز مكانتها بين أكبر الاقتصادات في العالم. كما يتوقع المحللون أن تصبح الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2027، مرتفعة من المركز الخامس حالياً.

ليس هذا فحسب، بل إن الضربة القاضية للصين كانت عندما أعلنت حكومة مودي يوم الخميس عن استثمار أكثر من 15 مليار دولار لبناء ثلاثة مصانع للرقائق الإلكترونية من قبل شركات بما في ذلك مجموعة تاتا (Tata Group)، سعياً لجعل الهند مركزاً للصناعة وإنتاج الإلكترونيات.

ومن المتوقع أن توفر المصانع، المعروفة باسم فابس، حوالي 20 ألف وظيفة في مجال التكنولوجيا المتقدمة وحوالي 60 ألف وظيفة غير مباشرة، وقالت الحكومة في بيان إن الاستثمار كان «قفزة عملاقة» لطموحات الهند في مجال الرقائق الإلكترونية.

وقال البيان: «تتمتع الهند بالفعل بقدرات عميقة في تصميم الرقائق. باستخدام هذه الوحدات، ستطور بلادنا قدرات في تصنيع الرقائق».

وعلى صعيد آخر، تعمل الشركات العالمية على تنويع عملياتها بعيداً عن الصين، بعد مواجهتها لعقبات عدّة أثناء جائحة كورونا، وتعرضها المستمر للمخاطر الناشئة عن التوتر بين بكين وواشنطن.

ونتيجة لذلك، تعمل بعض أكبر الشركات في العالم، بما في ذلك شركة فوكسكون الموردة لشركة أبل، على توسيع عملياتها في الهند. كما قال إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي ل شركة تسلا، في يونيو حزيران الماضي، إن شركته تتطلع إلى الاستثمار في الهند «في أقرب وقت ممكن».

ليس كل ما يلمع ذهباً

وبالرغم من هذه الازدهار الاقصادي، ينصح الاقتصاديون بالحذر عند قراءة البيانات.

فبينما يتزايد الاهتمام بخامس أكبر اقتصاد في العالم، فإن الأسعار المرتفعة للأسهم الهندية تخيف بعض المستثمرين الدوليين.

ويبدو أن المستثمرين المحليين، سواء من الأفراد أو المؤسسات، يتجاهلون هذه التقييمات المرتفعة، الأمر الذي يدفع سوق الأوراق المالية في الهند إلى ارتفاعات غير مسبوقة.

وبالرغم من اعتراف الاقتصاديين في بنك إتش إس بي سي (HSBC) بأن البلاد «تنمو بوتيرة رائعة»، إلّا أنهم نصحوا بالتريث و «الهدوء». وكتبوا في مذكرة نشرت بعد إعلان البيانات: «لا تزال الهند واحة للنمو القوي والاستقرار الاقتصادي في ظل خلفية عالمية متقلبة».

وأشارت ثاماشي دي سيلفا من كابيتال إيكونوميكس إلى أن الزخم وراء النمو الاقتصادي الحار في الهند «قد يتلاشى قليلا»، حيث يؤثر النمو العالمي الضعيف على الصادرات، في حين أن القيود الأكثر صرامة على الإقراض غير المضمون في البلاد قد تحد من إنفاق الأسر.

وأضافت أن «أي تباطؤ في النمو سيكون معتدلاً، خاصة وأن حملة البنية التحتية التي تنفذها الحكومة من المرجح أن تدعم النشاط».

ومثلها كمثل الصين قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، فإن الهند لا تزال في بداية التحول في البنية الأساسية، حيث تنفق المليارات على بناء الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية.