تُعدُّ قضية المهاجرين عنصراً حاسماً في اختيار الناخبين لسيد البيت الأبيض الجديد خلال الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر تشرين الثاني المقبل، ومع اشتعال المنافسة بين المرشحين الرئيسيين -جو بايدن و دونالد ترامب– تظل الهجرة غير الشرعية تحدياً بالغاً أمامهما لكسب ثقة الناخبين.

فمنذ عام 2021، سجل متوسط الهجرة غير الشرعية للولايات المتحدة مستوى غير مسبوق بلغ نحو مليوني شخص سنوياً، ما زاد الضغط على المرافق الحيوية والخدمات الاجتماعية في المدن الأميركية الرئيسية بشكلٍ كبير.

المهاجرون.. نقطة ضعف أمام بايدن

ويميل العديد من الناخبين إلى سياسة ترامب الأكثر صرامة في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين، خاصة أن سياسة بايدن الأقل تشدداً تسببت في تدفق أكثر من 6.3 مليون مهاجر عبر الحدود الأميركية بصورة غير شرعية منذ توليه السلطة، مسجلاً المعدل الأكبر للمهاجرين مقارنة بأي رئيس أميركي آخر.

وانعكس هذا القلق في استطلاعات الرأي، إذ كشف استطلاع حديث لمركز «غالوب» أن 28 في المئة من الأميركيين يعتبرون الهجرة غير الشرعية أبرز مخاوفهم، فهي تسبب لهم القلق أكثر من أي قضية أخرى بما في ذلك الأداء الاقتصادي والتضخم، كما أظهر تقرير منفصل لمؤسسة «هاريس» للأبحاث والاستشارات أن نسبة التأييد الشعبي لسياسات الهجرة الخاصة ببايدن تراجعت إلى 35 في المئة، وهي أقل نسبة يحصل عليها الرئيس الحالي مقارنة ببقية القضايا الملحة.

وكشف استطلاع آخر لجامعة «مونمونث» أن 61 في المئة من الأميركيين يعتبرون الهجرة غير الشرعية «مشكلة خطيرة للغاية»، مشيراً إلى أن أغلبية المشاركين أظهروا تأييدهم لاقتراح ترامب بتشييد جدار على الحدود الأميركية المكسيكية للمرة الأولى.

وتواجه سياسات بايدن المتعلقة بالمهاجرين انتقادات متزايدة من جانب قادة المدن والولايات الذين يشتكون من تدفق مئات الآلاف من المهاجرين إلى العديد من المدن الرئيسية مثل شيكاغو ولوس أنجلوس ونيويورك. فبعد وصوله للسلطة، بادر بايدن بتخفيف العديد من القيود التي فرضها سلفه دونالد ترامب، مثل وقف بناء الجدار الحدودي مع المكسيك ووقف الحظر المفروض على سفر مواطني العديد من الدول الإسلامية.

وبلغت المواجهة بين الحكومة الفيدرالية وحكام الولايات ذروتها في يناير كانون الثاني الماضي، وكادت تهدد باندلاع حرب أهلية بأميركا، عندما أعلن حاكم تكساس غريغ آبوت تحديه لقرار المحكمة الأميركية العليا بالسماح لحرس الحدود الفيدراليين بإزالة الأسلاك الشائكة التي أضافتها الولاية على الحدود.

وبدأت المشكلة عندما قرر آبوت توسيع حاجز الأسلاك الشائكة على حدود ولايته مع المكسيك لمنع المهاجرين من التدفق إليها، معللاً ذلك بتقاعس بايدن عن تطبيق قوانين الهجرة.

وأعلن العديد من حكام الولايات الأخرين حينها -ومن بينهم حاكم فلوريدا رون ديسانتس- استعدادهم لإرسال قوات إلى تكساس لدعم آبوت في معركته ضد البيت الأبيض ومساعدته على حماية أمن حدوده.

سياسات ترامب لا تخلو من السلبيات

يحاول المرشح الجمهوري دونالد ترامب استغلال مخاوف الهجرة المتنامية لدى الناخبين الأميركيين في حربه ضد منافسه الديموقراطي جو بايدن الذي يواجه انتقادات واسعة في هذا الملف، وهي مناورة طالما استخدامها المرشحون الجمهوريون في الانتخابات الرئاسية السابقة، بما في ذلك انتخابات 2018 و2020 و2022، لكنها لم تؤتِ ثمارها كثيراً وفقاً للمحللين، خاصة أن سياسات مكافحة الهجرة التي يقترحها الجمهوريون لا تخلو من السلبيات.

فعندما تولي ترامب الرئاسة، قرر فرض قيود على الهجرة من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، ما تسبب في فوضى عارمة في المطارات الأميركية، فضلاً عن سيل من المعارك القانونية.

وفي عام 2018، أقر سياسة تسمح بفصل الأطفال المهاجرين عن عائلاتهم على الحدود، والتي وُصِفت بالقسوة الشديدة حينها، ما أجبر ترامب على التراجع عنها.

والآن، يتعهد ترامب للناخبين بتطبيق سياسات أكثر صرامة لمكافحة الهجرة غير الشرعية إذا فاز بالرئاسة في نوفمبر تشرين الثاني، ومن بينها إنشاء معسكرات اعتقال ضخمة على الحدود.

ويرى المراقبون أن هذه اللهجة اليمينية المتشددة التي ينتهجها ترامب تمثّل فرصة لبايدن لكسب تأييد الناخبين، فالشعب الأميركي في النهاية لا يريد سوى تأمين حدوده، وهو لا يزال يرى أن الهجرة القانونية أمر مفيد للبلاد.

الهجرة.. مشكلة تتخطى الحدود الأميركية

قد لا تكون إدارة بايدن مسؤولة بشكل كامل عن الزيادة الهائلة التي شهدتها الولايات المتحدة في الهجرة غير الشرعية عبر الحدود المكسيكية في السنوات الأخيرة، إذا تأتي في وقت تشهد فيه الدول الغنية بشكل عام تدفقاً غير مسبوق في معدلات الهجرة إليها.

وبحسب إحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الأوسيد)، فقد انتقل نحو 6.1 مليون مهاجر دائم إلى الدول الأعضاء بالمنظمة البالغ عددهم 38 دولة عام 2022، فيما يمثّل ارتفاعاً بـ26 في المئة مقارنة بـ2021، و14 في المئة مقارنة بـ2019.

كما تضاعف عدد الحاصلين على حق اللجوء للولايات المتحدة عام 2022، خاصة من دول مثل فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا، وتُعد الولايات المتحدة حالياً ثاني أكبر مستقبل في العالم للمهاجرين لأسباب إنسانية بعد ألمانيا، بحسب (الأوسيد).