برز نجم اقتصاد الهند في الآونة الأخيرة مع نموه السريع، إذ تسعى حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى جذب المستثمرين الأجانب، والتحول في البنية التحتية، مع إنفاق المليارات على الطرق السريعة والموانئ والمطارات والسكك الحديدية.
وبينما يتوجه الهنود إلى صناديق الاقتراع في انتخابات ضخمة جارية على مستوى البلاد، يتركز قدر كبير من الاهتمام على الطفرة الاقتصادية التي حدثت تحت قيادة مودي الذي يتطلع إلى الفوز بالانتخابات العامة لبدء ولاية ثالثة تستمر خمس سنوات جديدة.
يتمتع اقتصاد الهند الآن بوضع مريح يسمح بالتوسع بمعدل سنوي لا يقل عن 6 في المئة في السنوات القليلة المقبلة، لكن المحللين يقولون إن البلاد يجب أن تستهدف نمواً بنسبة 8 في المئة أو أكثر إذا أرادت أن تصبح ضمن أقوى ثلاثة اقتصادات عالمية خلف الولايات المتحدة والصين بحلول عام 2027.
لكن على الرغم من ذلك، تظل الفجوة واسعة بين فئات الهنود، فالطفرة الاقتصادية التي حدثت في عهد مودي لم تحقق الإفادة للجميع، بل تعمقت فجوة التفاوت في الدخل، إذ يعيش الملايين في أحياء فقيرة وارتفعت معدلات البطالة بين الشباب.
اقتصاد الهند يعتمد على الشباب
«المستقبل ينتمي للهند»، هكذا يظن العديد من الشباب الهندي على الرغم من ارتفاع معدلات البطالة، كما يرى المحللون أن اقتصاد الهند أبرز المستفيدين من التوترات الجيوسياسية حول العالم، فضلاً عن عدم تأثره بضعف النمو الاقتصادي للصين، بل إنه يستفيد من توتر العلاقة بين بكين وواشنطن، بينما يرجح البعض أن السبب في ازدهار الهند يعود إلى شبابها.
تمكنت الهند من اقتناص لقب الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان من الصين، فيبلغ عدد سكانها الآن نحو 1.4 مليار نسمة، 40 في المئة منهم تحت سن الخامسة والعشرين، وهم قوة عمل ضخمة بارعة في استخدام التكنولوجيا، وأغلبهم من الناطقين باللغة الإنجليزية؛ فكيف يمكنهم التأثير في نمو خامس أقوى اقتصاد في العالم؟
المبرمج والمطور التكنولوجي
لم يكن جافيد خاطري يحب الذهاب إلى محطة القطار في طفولته لمشاهدة الحشود الغفيرة من المسافرين أو ركوب سيارة ما، بل كان يهوى متابعة أجهزة الحاسب الآلي المركزة الموجودة خلف (كشك) التذاكر.
نشأ خاطري في الأحياء الفقيرة في مومباي، لأبٍ نجار وأمٍ ربة منزل، ولم يستخدم الهاتف الذكي أو الحاسب الآلي مطلقاً، لكن أبهرته الشاشات والآلات الموجودة في محطة القطار.
يقول خاطري الذي يبلغ الثلاثين من العمر الآن، إن أقصى طموحات الفقراء في الهند -الذين نشؤوا في بيئة مماثلة له- يتمثل في إكمال الصف العاشر، ثم العمل في مركز اتصالات أو بيع الخضراوات، أو العمل في مرآب للسيارات، لكنه كان محظوظاً، حسب وصفه.
فقد وجد التشجيع من والديه لاستكمال دراسته، ليصبح الأول في أربعة أجيال من عائلته يفعل ذلك، ثم علوم الحاسب في كلية الهندسة، لكن المهمة كانت صعبة بالنسبة له خاصة مع عدم استخدامه هذه الأجهزة من قبل، بل وتعرض للسخرية من زملائه.
لكن تعطش خاطري للتعلم، دفعه للحصول على دورات في ريادة الأعمال، كما وسّع مداركه عن تكنولوجيا الإنترنت.
من هنا، بدأ خاطري في إنشاء التطبيقات والشركات الصغيرة مع زملائه، وبعد تخرجه قرر أن يبدأ مطور تطبيقات للهاتف المحمول مع اثنين من المؤسسين المشاركين بمبلغ 20 ألف روبية فقط (نحو 240 دولاراً)، هذه الشركة ذاتها التي باعها بعد سنوات مقابل مليوني دولار.
والآن، يعمل على تأسيس منصة جديدة على الإنترنت لربط شركات التكنولوجيا بالمهندسين، ويقول إن نجاحه غيّر مسار عائلته، وأخرجهم من الأحياء الفقيرة.
وأوضح خاطري أنه على مدار السنوات العشر الماضية -أي في عهد مودي- تمكّن الهنود من الانخراط بشكل أكبر في الأعمال بمساعدة الإنترنت، إضافة إلى تشجيع الحكومة للشركات الناشئة، وزيادة الوعي حول ريادة الأعمال، لذلك فإن العقد المقبل ينتمي بالضرورة إلى الهند.
وجاءت الهند في المركز الثاني لعام 2023 ضمن مؤشر المرصد العالمي لريادة الأعمال في تحسن بيئتها للأعمال، كما تزخر الهند بقصص نجاح رواد الأعمال من الشباب الذي حققوا ثروة طائلة من التكنولوجيا، فهناك ريتيش أغاروال، مؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أويو رومز، الذي أصبح ثاني أصغر ملياردير في العالم في عام 2020.
وهناك أيضاً كونال شاه، مؤسس شركة التكنولوجيا المالية (كريد)، وفيجاي شيكار شارما الرئيس المؤسس لشركة وان 97 كوميونيكيشنز، وبهافيش أغاروال مؤسس شركة أولا كابس للنقل التي توفر العديد من الخدمات المالية والمطابخ السحابية.
مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي
عندما تفشت جائحة كوفيد-19 في عام 2020، لجأت الطالبة الجامعية أبورفا موخيجا إلى إنستغرام، لنشر مقاطع فيديو كوميدية، ليشكل ملاذاً آمناً لها، بعدما اضطر العالم إلى التقيد بإجراءات الحظر المنزلي.
تقول موخيجا، كان الطلب غير مسبوق على الترفيه عبر الإنترنت، مع احتجاز معظم سكان العالم في منازلهم.
وواصلت نشر مقاطع فيديو عندما أنهت دراستها في علوم الحاسب الآلي، حول موضوعات اجتماعية مختلفة جذبت مئات الآلاف من المتابعين.
وعقب تخرجها حصلت على وظيفة في شركة تكنولوجيا في بنغالور، المدينة الجنوبية المعروفة باسم وادي السيليكون في الهند، إلّا أنها قررت الانتقال إلى مومباي بعدما أدركت أن الوظيفة لا تدر دخلاً كافياً مثل إنشاء المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي.
تقول موخيجا البالغة من العمر 22 عاماً، إن مسيرتها المهنية ازدهرت، ونالت تقدير وسائل الإعلام المحلية وجمعت 1.3 مليون متابع على إنستغرام، موضحة أن الإنترنت يحمل ثروة من الفرص للشباب الهندي.
ومن المتوقع أن تبلغ قيمة صناعة التسويق المؤثر في الهند أكثر من 281 مليون دولار في عام 2024، و405 ملايين دولار بحلول عام 2026، وفقاً لتقرير صدر في أبريل نيسان عن شركة إي واي إنديا الاستشارية.
تعمل الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة في كل مكان على تغذية هذا النمو، ومن المتوقع أن يكون هناك 740 مليون مستخدم نشط للهواتف الذكية في الهند بحلول عام 2030، وفقاً للبيانات ذاتها، لكن يظل هذا الرقم أقل من نصف عدد السكان ما يؤكد وجود مجال واسع للنمو.
من جهتها، قدرت شركة التسويق المؤثرة (كوفلوينس) في تقرير هذا العام أن المؤثرين الهنود الذين لديهم أكثر من مليون متابع على إنستغرام يمكنهم كسب ما يتراوح بين 3600 دولار و18 ألف دولار شهرياً، وذلك بالاعتماد على حجم الجمهور.
وبالطبع يُعد ذلك مبلغاً جيداً في بلد يبلغ فيه نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي نحو 2400 دولار، وفقاً للبنك الدولي.
صانع الأحذية
أصيب جميل شاه بمرض الهوس بسحر بوليوود عندما كان مراهقاً، ففرّ هارباً من قريته في بيهار وهي أفقر ولاية في الهند، إلى مومباي ليرى نجومه المفضلين، ولكن بمجرد وصوله إلى مومباي، تعرض للاحتيال وسحب مدخراته من قبل صديق اختفى بعد أن قدم وعوداً كاذبة بتقديمه إلى نجوم بوليوود.
لم يستسلم شاه، بل بدأ العمل كحارس أمن في مبنى يضم استوديو للرقص، إذ كان يتابعهم باستمرار، حتى وافق صاحب الاستوديو على السماح له بالتعلم مجاناً.
كان الرقص مع الشريكات أمراً غريباً وصادماً، يقول شاه البالغ من العمر 40 عاماً: «من حيث أتيت، لا يمكن للمرء أن يكون على مقربة من النساء إلى هذا الحد».
وفي كل أسبوع، كان يسير من منزله في دارافي، وهو أكبر الأحياء الفقيرة في آسيا، لحضور دروس الرقص في منطقة قريبة غنية بالمباني المكتبية الشاهقة والفنادق الراقية والقنصليات الأجنبية.
أخيراً، اعتبر شاه فرصته في ارتداء أحذية الرقص المستوردة باهظة الثمن المطلوبة للفصل، فرصة مهمة لصناعة بديل لها في الهند.
يقول شاه البالغ من العمر الآن 40 عاماً إنه أراد صنع حذاء مشابه مطبوع عليه عبارة (صُنع في الهند).
بدأ إجراء التجارب في الأزقة الضيقة في دارافي، المعروفة بأنها مركز عريق لمصنعي الجلود والمنسوجات، وبعد أربع سنوات من التجربة والخطأ أبصرت شركة شاه شوز النور.
نمت الأعمال، وجذبت المصممين ومصممي الرقصات الذين أعادوا توزيع الأحذية على استوديوهات الرقص، حتى إن منتجاته وصلت إلى الشاشة الكبيرة، وصنع أحذية لكبار النجوم مثل بريانكا تشوبرا، وكاتيرنا كايف، وكان أحد أبرز الأحداث المهنية عندما قدّمه مصمم الرقصات إلى كايلي مينوغ، التي أحبت الحذاء واشترت ثمانية أزواج.
وبعد مرور نحو 17 عاماً، ساعد شاه شوز في إعالة أسرته في بيهار، بما في ذلك ستة أشقاء، كما اشترى منزلاً لوالديه، وأنشأ مركزاً تعليمياً في قريته الأصلية لتعليم القراءة والكتابة لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف المدرسة.
(جيسي يونغ وبريتي غوبتا وإيشا ميترا- CNN)