عمقت الولايات المتحدة وبريطانيا عقوباتهما ضد روسيا فاستهدفت الأولى القطاع المالي، واختارت الثانية ضرب أسطول الظل التابع لموسكو، في محاولة لكبح جماح الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن هل تتأثر موسكو؟
أعلنت بريطانيا يوم الخميس عقوبات جديدة تستهدف أربع سفن يشتبه في أنها جزء من «أسطول الظل» المشكل من سفن تستخدم للالتفاف على القيود الغربية المفروضة منذ بدء الحرب في أوكرانيا، كما شملت العقوبات مؤسسات تقع في قلب النظام المالي الروسي، والموردين الذين يدعمون الإنتاج العسكري الروسي.
وكشفت بريطانيا عن هذه الإجراءات مع انعقاد قمة مجموعة السبع في إيطاليا بعد يوم من إعلان واشنطن عقوبات على بورصة موسكو، سوق الأوراق المالية الرئيسي في روسيا وغرفة مقاصة معاملات العملات الأجنبية، وهي عقوبة مالية جديدة كبرى.
ومع انعقاد القمة السنوية لدول مجموعة السبع، التزمت بريطانيا أيضاً بتقديم 242 مليون جنيه إسترليني (308.99 مليون دولار) كمساعدة ثنائية لأوكرانيا لدعم احتياجاتها الإنسانية العاجلة والطاقة وتحقيق الاستقرار.
ومن المتوقع أن يعلن زعماء مجموعة السبع الخطوط العريضة لقرض متعدد السنوات لأوكرانيا تدفع فوائده من أرباح الأصول الروسية المجمدة لدى الدول الغربية.
الهدف.. إضعاف موسكو
تعتبر صادرات النفط الروسية مصدر الدخل الأكثر أهمية بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتمويل حربه ضد أوكرانيا، إذ بلغ إجمالي الإيرادات النفطية التي جمعها الكرملين في عام 2023 نحو 8.9 تريليون روبل، أو 31 في المئة من إجمالي الإيرادات الفيدرالية لروسيا.
ومنذ بداية حرب أوكرانيا وتزايد العقوبات الغربية ضد روسيا، حاولت موسكو إيجاد وسيلة لإرسال شحنات النفط إلى المشترين حول العالم بشكل متخفٍ يسمح بالتحايل على العقوبات، لتشكل أسطول «ظل» من ناقلات النفط على استعداد لتسهيل تصدير الخام الروسي.
ويضم هذا الأسطول نحو 600 ناقلة، أي ما يعادل نحو عشرة في المئة من إجمالي عدد الناقلات في العالم، وهو في ازدياد، بينما لا تزال هوية من يمتلك ويدير هذا الأسطول «الغامض» مبهمة، لذلك تستهدف الدول الغربية عدداً من السفن بين الحين والآخر من أجل إضعاف هذا الأسطول.
وتهدف العقوبات الجديدة إلى زيادة التكاليف التي تتكبدها روسيا لتجاوز عقوبات مجموعة السبع واستخدام أسطول الظل الخاص بها، فضلاً عن إضعاف قدرة روسيا على تمويل وتجهيز آلتها الحربية في حربها ضد أوكرانيا.
وقالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين يوم الأربعاء «إن إجراءات اليوم تضرب الطرق المتبقية لديهم للحصول على المواد والمعدات في السوق الدولية، بما في ذلك اعتمادهم على الإمدادات الحيوية من دول ثالثة وتضم القائمة أكثر من 300 هدف، بما في ذلك بورصة موسكو».
وتستهدف العقوبات البريطانية أيضاً موردي الذخائر والأدوات الآلية والإلكترونيات الدقيقة والخدمات اللوجستية للجيش الروسي، بما في ذلك الكيانات المتمركزة في الصين وإسرائيل وقيرغيزستان وتركيا، إلى جانب السفن التي تنقل البضائع العسكرية من كوريا الشمالية إلى روسيا.
موسكو لا تبالي
عادةً تثير التدابير التي تستهدف قدرة الروس على شراء العملات الأجنبية والمتاجرة بها ردة فعل قوية في موسكو وفي مختلف أنحاء المجتمع الروسي، وبالفعل أجرى المركزي الروسي تغييرات جذرية لتقييد التعامل بالدولار في المدفوعات المالية مستعيضاً عنه بالروبل واليوان، ما خفف تأثير العقوبات الغربية على موسكو.
وقال البنك المركزي الروسي في بيان مساء الأربعاء «بسبب فرض الولايات المتحدة إجراءات تقييدية ضد مجموعة موسكو للصرافة، سيعلق تداول العملات وتسوية الأدوات بالدولار الأميركي واليورو».
وخفضت العديد من الشركات والبنوك الروسية بالفعل اعتمادها على العملات الغربية خلال العامين الماضيين منذ أن أمرت موسكو بإرسال قوات إلى أوكرانيا، ويمثل اليوان الصيني غالبية تداولات العملات الأجنبية في بورصة موسكو.
نظراً لأن العقوبات التي تفرضها الإدارة الأميركية تزيد مخاطر الاحتفاظ بالأصول بالدولار الأميركي، فهناك ميول متزايدة نحو تنويع المدفوعات الدولية بعيداً عن الدولار، ليس فقط لدى الدول المستهدفة بالعقوبات بل ولدى الدول الحليفة لأميركا أيضاً.
على سبيل المثال، كشفت دراسة لبنك فرنسا بشأن نشاط الشركات الفرنسية خلال الفترة بين 2011 إلى 2020 أنه بعد بدء جولات العقوبات الأميركية ضد روسيا في عام 2014، انخفض ميل الشركات الفرنسية إلى إصدار فواتير الصادرات الموجهة لروسيا بالدولار الأميركي.
وأشارت الدراسة إلى أن «التغير في تكوين الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي الروسي قلل حماس الشركات الخاصة في روسيا للاحتفاظ بالدولار، وحدت من أهمية إصدار الفواتير بالعملة الأميركية».
أما على صعيد أسطول الظل، فاستطاعت روسيا التكيف مع العقوبات الغربية المتزايدة منذ عام 2022، خاصة أن قسماً كبيراً من سكان العالم يعيشون في بلدان تمتنع عن فرض العقوبات الغربية، ولا يوجد ما يمنع الشركات الجديدة من الظهور وممارسة الأعمال التجارية هناك.
وحتى مع انهيار الصادرات من الاتحاد الأوروبي إلى روسيا، بدأت دول مثل أرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان في استيراد المزيد من أوروبا، وأصبحت بشكل غامض موردين مهمين للسلع الحيوية إلى روسيا.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف يوم الخميس إن روسيا «تدرس» إجراءات انتقامية محتملة، رداً على حزمة العقوبات الجديدة التي جاءت ضمن تعاون بين الولايات المتحدة وبريطانيا.