تتجه أنظار العالم إلى المناظرة الرئاسية الأولى بين الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، ومنافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، ويأتي الاقتصاد الأميركي على رأس أهم القضايا التي يناقشها الطرفان.
تشمل المحاور الأخرى للمناظرة التي تذاع يوم الخميس من استوديوهات شبكة CNN في أتلانتا بولاية جورجيا، قضايا تتضمن ملف الهجرة وحقوق المرأة الإنجابية ومنظومة الديمقراطية في الولايات المتحدة.
أسلحة بايدن وترامب
من المرجح أن يركز دونالد ترامب على ما قدمه بايدن في ملفات الهجرة والاقتصاد وارتفاع التضخم، بينما قد يركز بايدن على التهم الموجهة لترامب وسياسته الاقتصادية المضرة بالطبقة الوسطى وموقفه من حقوق المرأة الإنجابية.
وأدى إلغاء المحكمة العليا للحق الدستوري في الإجهاض قبل عامين إلى فتح انقسام أيديولوجي وديني حول الحقوق الإنجابية التي يخطط بايدن لاستغلالها لاتهام ترامب بتقييد الحريات وانتهاك حماية حقوق الإجهاض، فضلاً عن تركيز بايدن المتوقع على التهم الموجهة لترامب في قضية الاحتيال.
لكن بايدن معرض للخطر بالقدر نفسه بسبب أزمة الهجرة على الحدود الجنوبية التي كشفت أن قوانين اللجوء غير صالحة للتعامل مع جيل جديد من المهاجرين الفارين من العصابات والمحنة الاقتصادية والكوارث المناخية.
وفي خطابه الأخير قبل المناظرة في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، شن ترامب سلسلة من الهجمات ضد بايدن بما في ذلك حول القضايا الاقتصادية مثل التضخم والإنفاق على البنية التحتية المناخية والعجز الفيدرالي المتزايد.
الاقتصاد.. نجم الحفل
من المتوقع أن يكون التركيز الرئيسي في هذه المناظرة على مناقشة الأوضاع الاقتصادية في البلاد، باعتبارها نقطة هجوم رئيسية قد يستخدمها ترامب ضد بايدن بسبب ارتفاع معدل التضخم الحاد الذي شهدته الولايات المتحدة في العامين الماضيين.
ويواصل معدل التضخم الانخفاض منذ ذروة يونيو حزيران 2022، عندما بلغ التضخم السنوي 9.1 في المئة، لكنه يظل أعلى مستهدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المئة.
وبالمقارنة بين الأوضاع الاقتصادية في نهاية فترة ترامب والمتوقع بنهاية فترة بايدن، نجد أن ترامب يتفوق فيما يخص التضخم والبطالة، لكنه يتخلف عن بايدن في مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي للفرد والنمو الاقتصادي.
وسجل الاقتصاد الأميركي انكماشاً في نهاية عام 2020 بنسبة 2.21 في المئة إثر تداعيات جائحة كورونا، لكن يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد بنهاية 2024 بنحو 2.73 في المئة، في المقابل بلغ معدل التضخم 1.4 في المئة في نهاية عهد ترامب في ديسمبر كانون الأول 2024، بينما توقع الصندوق أن يصل التضخم بنهاية 2024 إلى 2.9 في المئة، من 3.3 في المئة المسجلة في مايو أيار.
أما على صعيد البطالة، فقد ارتفعت المعدلات في عهد بايدن إلى متوسط 4 في المئة، مقارنة بمستوى 3.5 في المئة القياسي الذي حافظ عليه ترامب، فيما يظل صافي الدين العام للولايات المتحدة مؤشراً محايداً بين فترتي المتنافسين.
ورغم مرونة الاقتصاد التي طالما أكد عليها بايدن وأثبتتها أميركا في مواجهة تداعيات كورونا واستمرار قوة سوق العمل، فإن ملايين الأميركيين يشعرون بالإرهاق بسبب ارتفاع الأسعار وتكاليف الاقتراض.
وكشف استطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث في بداية عام 2024 أن نحو 73 في المئة من المشاركين يعتقدون أن اهتمام الرئيس القادم بقوة الاقتصاد الأميركي هو الأولوية، يلي ذلك محاربة الإرهاب، وخفض تكاليف الرعاية الصحية، ثم تأتي قضايا أخرى بما في ذلك تقليل الجرائم، والتعامل مع ملف الهجرة وخفض عجز الموازنة وغيرها من القضايا.
خطة ترامب وبايدن الاقتصادية
طرح ترامب في خطته الانتخابية التي نقلتها شبكة (CNN) تعريفات جمركية شاملة على جميع السلع المستوردة، ما يشير إلى نهج عدواني في التعامل مع السياسة التجارية، مع التركيز على الصين.
وقال ترامب خلال مقابلة مع لاري كودلو على قناة فوكس بيزنس «عندما تأتي الشركات وتتخلص من منتجاتها في الولايات المتحدة، يجب عليها أن تدفع تلقائياً -دعنا نَقُل- ضريبة بنسبة عشرة في المئة».
وفرض تعريفة جمركية تصل إلى 10 في المئة، هي خطوة يقول إنها ستقضي على العجز التجاري، في حين يرى الخبراء أنها ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين الأميركيين وعدم الاستقرار الاقتصادي العالمي.
واستهدف ترامب، على وجه الخصوص، الصين؛ إذ اقترح التخلص التدريجي من الواردات الصينية من السلع مثل الإلكترونيات والصلب والأدوية على مدى أربع سنوات، بهدف تقليل عجز الميزان التجاري بين أميركا والصين، إذ إن واردات الولايات المتحدة من الصين تتجاوز الصادرات إليها.
على جانب آخر، تتلخص خطط بايدن الاقتصادية في تحقيق موازنة بقيمة 7.3 تريليون دولار، ليفي بوعوده بمواصلة سياسات تعزيز الطبقة المتوسطة، وزيادة القدرة على تحمل تكاليف الرعاية الصحية، وزيادة الضرائب على الشركات، فضلاً عن خفض تكلفة السكن والقروض الجامعية التي دعا لها طوال حملة إعادة انتخابه عام 2024.
أما فيما يخص قطاع الوقود الأحفوري والمناخ، تعهد ترامب بزيادة إنتاج الولايات المتحدة من الوقود الأحفوري من خلال تسهيل عملية السماح بالحفر على الأراضي الفيدرالية وتشجيع إنشاء خطوط أنابيب جديدة للغاز الطبيعي، بحسب وكالة رويترز.
كما قال إنه سيسحب الولايات المتحدة من اتفاقات باريس للمناخ، وهي إطار عمل لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، وسيدعم زيادة إنتاج الطاقة النووية، على أن يتراجع عن تفويضات البيت الأبيض المتعلقة بالمركبات الكهربائية والسياسات الأخرى التي تهدف إلى الحد من انبعاثات السيارات.
وتثير خطة الرئيس السابق بشأن الطاقة مخاوف بشأن زيادة إنتاج الوقود الأحفوري على حساب أهداف المناخ، في الوقت الذي تتجه فيه دول العالم للتركيز على خفض الانبعاثات الكربونية العالمية.
الهجرة.. نقطة ضعف تهدد بايدن
يميل العديد من الناخبين إلى سياسة ترامب الأكثر صرامة في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين، خاصة أن سياسة بايدن الأقل تشدداً تسببت في تدفق أكثر من 6.3 مليون مهاجر عبر الحدود الأميركية بصورة غير شرعية منذ توليه السلطة، مسجلاً المعدل الأكبر للمهاجرين مقارنة بأي رئيس أميركي آخر.
وانعكس هذا القلق في استطلاعات الرأي، إذ كشف استطلاع لمركز «غالوب» أن 28 في المئة من الأميركيين يعتبرون الهجرة غير الشرعية أبرز مخاوفهم، فهي تسبب لهم القلق أكثر من أي قضية أخرى بما في ذلك الأداء الاقتصادي والتضخم، كما أظهر تقرير منفصل لمؤسسة «هاريس» للأبحاث والاستشارات أن نسبة التأييد الشعبي لسياسات الهجرة الخاصة ببايدن تراجعت إلى 35 في المئة، وهي أقل نسبة يحصل عليها الرئيس الحالي مقارنة ببقية القضايا الملحة.
وكشف استطلاع آخر لجامعة «مونمونث» أن 61 في المئة من الأميركيين يعتبرون الهجرة غير الشرعية «مشكلة خطيرة للغاية»، مشيراً إلى أن أغلبية المشاركين أظهروا تأييدهم لاقتراح ترامب بتشييد جدار على الحدود الأميركية المكسيكية للمرة الأولى.
العمر.. هل يصبح عائقاً؟
بالنسبة لجو بايدن البالغ من العمر 81 عاماً ودونالد ترامب البالغ 78 عاماً، فإن العمر قضية انتخابية لا يمكن الهروب منها، وهو ما قد تسلط عليه المناظرة الضوء، إذ يراقب المشاهدون اللياقة البدنية والقوة العقلية للرجلين لمدة 90 دقيقة، تحت وهج الكاميرات عالية الدقة.
يمكن أن تؤدي أي زلة أو تعثر أو خطأ لفظي إلى تعزيز المخاوف بشأن تقدمهم في السن، مع احتمال إعادة تشكيل سباق رئاسي من جديد في حالة فشل الطرفين في إثبات جدارتهما، بل وسيكون تقديم أداء قوي أكثر أهمية بالنسبة لبايدن، أكبر رئيس للبلاد والذي تلاحقه أسئلة حول قدرته على التحمل ولياقته العقلية منذ توليه منصبه.
ولعدة أشهر، قللت حملة بايدن من التساؤلات حول حدة الرئيس العقلية، لكنها تواجه الآن هذه القضية بشكل مباشر بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي أن 86 في المئة من الأميركيين يقولون إن بايدن أكبر من أن يتمكن من ولاية ثانية مقارنة بترامب الأصغر بثلاثة أعوام.
وفي محاولة لإثبات قدرته على إدارة الموقف ضد ترامب، قدم جو بايدن في منتصف يونيو حزيران 2024 لمنافسه تحية عيد ميلاد ساخرة على منصة إكس (تويتر سابقاً) قائلاً، «78 عاماً.. عيد ميلاد سعيد يا دونالد، خذها من رجل عجوز إلى آخر.. العمر مجرد رقم».
ويراقب الملايين هذه المناظرة لتحديد من الفائز في إثبات جدارته في تلك الملفات الرئيسية، على أن تعقد المناظرة يوم الخميس في الساعة 1 صباحاً بتوقيت غرينتش، وتذاع بشكل مباشر على منصات شبكة CNN.