على الرغم من أنها واحدة من أكبر منتجي القصدير في العالم، وتحتوي على مخزون للغاز الطبيعي يفوق 281 مليار متر مربع، إلى جانب تصدير فول الصويا والمعادن الثمينة مثل الذهب والفضة والزنك والرصاص، تُعدّ بوليفيا واحدة من أفقر بلدان أميركا الجنوبية، فما السبب؟
أعاد الانقلاب العسكري الفاشل هذا الأسبوع في بوليفيا، تاريخ الصراعات السياسية التي تشكّل أحد أهم عوامل عدم الاستقرار في البلاد، حتى إنها شهدت تغيير أربعة رؤساء في خمس سنوات، ما يدل على حدة الاختلافات الداخلية بين الفرقاء السياسيين.
أمّا آخر مظاهر الانقسام الداخلي في بوليفيا، فقد تجلت في نوفمبر تشرين الثاني الماضي، حين أعلنت الرئاسة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل عقب أحداث 7 أكتوبر تشرين الأول، وهو ما أجج الانقسام بين القطب الحاكم والمعارضة التي تفضّل البقاء على وفاق مع الولايات المتحدة وحلفائها.
أضف إلى ذلك أن بوليفيا ليست واحدة من أفقر البلدان في أميركا اللاتينية فحسب، بل إنها أيضاً واحدة من البلدان التي تعاني أعلى مستويات التفاوت في الدخل، حيث إنه من بين 9.8 مليون شخص يعيشون في بوليفيا، يعيش نحو 40 في المئة منهم في فقر مدقع، بينما يحصل أغنى 10 في المئة من السكان على 44 في المئة من إجمالي الدخل، في حين يحصل أفقر 10 في المئة من السكان على 0.5 في المئة من إجمالي الدخل.
وبشكلٍ عام، يعيش 82 في المئة من سكان الريف تحت خط الفقر، مقارنة بنسبة تناهز 54 في المئة في المناطق الحضرية.
نسبة فقر عالية في بلاد مليئة بالثروات الطبيعية
بيئة الأعمال السيئة، وانعدام الأمن، وتجارة المخدرات، والفساد السياسي، والفساد في القطاع العام المتجلي بتوظيف 60 في المئة من الأسر فيه، بالإضافة إلى الاعتماد الكبير على الاستيراد، كلها عوامل أسهمت بإضعاف اقتصاد البلاد.
من جهة أخرى، وفي 1 مايو أيار 2006 تحديداً، أصدر الرئيس إيفو مرسوماً مفاجئاً أقر فيه بتأميم منشآت الشركات الأجنبية التي تنتج وتصدر الغاز إلى البرازيل والأرجنتين، المصدرين الرئيسيين للعملة الأجنبية.
بعد ذلك، تقرّب موراليس من الرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيز، المعروف بتحالفه الوثيق مع موسكو، وهو الأمر الذي رفع من حالة الانشقاق السياسي الداخلي، بين أنصار موراليس، والآخرين الداعمين لعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية.
ولكن على الرغم من كل هذه التقلبات السياسية، تحسن أداء الاقتصاد الكلي في بوليفيا، متأثراً إلى حد كبير بنمو حجم صادرات الغاز إلى سبعة أمثاله منذ عام 2000، كما أن التضخم لا يتجاوز 4 في المئة والعملة مستقرة، ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في بوليفيا بشكلٍ مستمر بين عامي 2024 و2029 بإجمالي 0.7 في المئة.
لكن انتشار جائحة كوفيد-19 وبعدها الحرب الروسية الأوكرانية، كان لهما وقع ضخم على الاقتصاد البوليفي حالهم كحال الكثير من البلدان، خصوصاً بعد أن تضاعف التكلفة السنوية لاستيراد الوقود إلى أكثر من 4 مليارات دولار (أو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي).
هذه الأمور كلها، أفرزت أزمة نقص الدولار وتفاقمت بعد رفع أسعار الفائدة في العام الماضي، حيث أصبح من الصعب على بوليفيا تحمل الديون الخارجية، وسط انخفاض الاحتياطيات الأجنبية إلى أقل من 372 مليون دولار بحلول فبراير شباط 2023.
معادن ثمينة في اقتصاد غير مستقر
تمتلك بوليفيا أحد أكبر احتياطيات الليثيوم في العالم، وهو الأمر الذي لطالما راهنت عليه حكومة الرئيس لويس آرسي، خصوصاً بعد إبرام صفقة بمليار دولار مع الصين لتكثيف الإنتاج وتعزيز التنمية الاقتصادية.
إضافة إلى ذلك، تتنوع ثروة البلاد الطبيعية لتشمل القصدير، والغاز الطبيعي، والبترول، والزنك، والتنغستن، والأنتيمون، والفضة، والحديد، والرصاص، والذهب، والأخشاب، والطاقة الكهرومائية، لكن الإدارة غير الرشيدة لهذه الموارد لا تزال تحرم المواطنين حتى اليوم من العيش الكريم.
بوليفيا.. أبرز المحطات التاريخية
-
في نحو عام 1450، دخل الإنكا، وهم شعوب من الهنود الحمر، الناطقون بلغة الكيتشوا إلى منطقة المرتفعات الحديثة في بوليفيا وأضافوها إلى إمبراطوريتهم.
-
عام 1525، جاء الغزو الإسباني لبوليفيا، حيث تم دحر شعوب الإنكا، وخلال معظم فترة الاستعمار الإسباني كانت هذه المنطقة تسمى «بيرو العليا» أو «تشاركاس».
-
مناجم الفضة البوليفية كلت غالبية ثروة الإمبراطورية الإسبانية، لكن خلال الحروب النابليونية، نمت المشاعر ضد الحكم الاستعماري وسط ضعف السلطة الملكية الإسبانية.
-
عام 1809 تم إعلان الاستقلال، ولكن أعقب ذلك 16 عاماً من النضال قبل تأسيس الجمهورية، التي سُميت باسم سيمون بوليفار، في 6 أغسطس آب 1825.
-
بين 1825 و1885 تقريباً، هيمنت الانقلابات والدساتير قصيرة المدى على السياسة البوليفية، وهو الأمر الذي أدّى إلى خسارة بوليفيا ساحلها البحري وحقول النترات الغنية المجاورة لصالح تشيلي، بين عامي 1883 و1879.
-
جلبت الزيادة في السعر العالمي للفضة لبوليفيا قدرا من الرخاء والاستقرار السياسي في أواخر القرن التاسع عشر.
-
خلال الجزء الأول من القرن العشرين حل القصدير محل الفضة باعتباره أهم مصدر للثروة في البلاد.
-
تعتبر إحدى أشهر المحطات السياسية في التاريخ الحديث لبوليفيا، تلك التي شهدت دخول الثوري والسياسي الكوبي إرنستو تشي غيفارا بوليفيا باسم مستعار «أدولفو مينا غونزاليس» في 3 نوفمبر تشرين الثاني 1966، لكن تعاوناً بين السلطات المحلية والقوات الأميركية استطاع القضاء على غيفارا في أكتوبر تشرين الأول 1967.