تتسابق دول العالم على تطوير الأسلحة النووية في وقتٍ تتزايد فيه التوترات الجيوسياسية بين القوى الاقتصادية الكبرى وخاصةً مع تصاعد الحروب والصراعات في الآونة الأخيرة، ما يُثير تساؤل بشأن حجم الإنفاق العالمي على الأسلحة النووية.

يضم مضمار السباق تسع دول مسلحة نووياً، هي: الولايات المتحدة، والصين، و روسيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والهند، وإسرائيل، وباكستان، وكوريا الشمالية، تتصارع على الصدارة مع حجم إنفاق قياسي بلغ 91.4 مليار دولار عام 2023، وفقاً لتقرير الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (آيكان).

وتزايد الإنفاق على التسليح النووي بالتزامن مع تدهور المحادثات بشأن نزع السلاح مع بدء هجوم روسيا على أوكرانيا في فبراير شباط 2022، وتضرر العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة ودول الغرب.

ثم أعلنت روسيا في فبراير شباط عام 2023 أنها ستعلّق مشاركتها في معاهدة عام 2010 بشأن تدابير زيادة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها (ستارت الجديدة)، وتعتبر هذه هي آخر معاهدة متبقية للحد من الأسلحة النووية.

وكإجراء مضاد، علقت الولايات المتحدة أيضاً مشاركة ونشر بيانات المعاهدة، ثم تفاقمت التوترات عقب إجراء روسيا تدريبات على الأسلحة النووية التكتيكية بالقرب من الحدود الأوكرانية في مايو أيار 2024.

وعلى مدار عام 2023، تصدرت الولايات المتحدة الحصة الأكبر من الإنفاق المقدر بنحو 51.5 مليار دولار، بقيمة تتجاوز إجمالي الإنفاق من الدول الثمانية الأخرى مجتمعة، بينما جاءت الصين في المرتبة الثانية بمبلغ قيمته 11.8 مليار دولار، ثم روسيا التي احتلت المركز الثالث مع إنفاق قدره 8.3 مليار دولار، وجاءت المملكة المتحدة في المرتبة الرابعة مسجلة زيادة في الإنفاق بنسبة 17 في المئة لتصل إلى 8.1 مليار دولار.

الإنفاق العالمي على تطوير الأسلحة النووية في عام 2023

وخلال السنوات الخمس الماضية، أنفقت هذه الدول مجتمعة 387 مليار دولار على الأسلحة النووية، بحسب آيكان، ما يشير إلى استمرار الدول التسع المسلحة نووياً في تحديث، وفي بعض الحالات توسيع، قدرة ترساناتها النووية.

وقال ويلفريد وان، مدير برنامج أسلحة الدمار الشامل في معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (سيري) «لم نرَ الأسلحة النووية تلعب مثل هذا الدور البارز في العلاقات الدولية منذ الحرب الباردة.. من الصعب أن نصدق أنه لم يمر سوى عامين منذ أن أكد زعماء الدول الخمس الكبرى المسلحة نووياً بشكل مشترك أن الحرب النووية لا يمكن كسبها ولا يجب خوضها أبداً».

خريطة العالم للأسلحة النووية

تمتلك روسيا و الولايات المتحدة معاً ما يقرب من 90 في المئة من جميع الأسلحة النووية الموجودة في العالم، وتضم روسيا العدد الأكبر من الأسلحة النووية تليها الولايات المتحدة، وبعدها الصين التي تسعى لتعزيز إنفاقها على الصواريخ الباليستية، ثم فرنسا، ويعقبها المملكة المتحدة.

وقدر معهد سيري في يونيو حزيران الماضي، أن إجمالي عدد الرؤوس الحربية النووية في العالم وصل إلى 12121 بحلول يناير كانون الثاني 2024، ما يقرب من 9585 رأساً منها محتفظ بها في المخازن العسكرية و3904 رؤوس محمولة على الصواريخ، ومجهزة للاستخدام، أي أكثر بـ60 رأساً مما كانت عليه في الشهر ذاته من عام 2023.

ورغم أن الأرقام الرسمية تكشف أن أحجام مخزونات أميركا وروسيا من الرؤوس الحربية النووية القابلة للاستخدام ظلت مستقرة نسبياً، فإن المعهد يقدر أن روسيا نشرت نحو 36 رأساً حربية مع قوات تشغيلية أكثر مما كانت عليه في يناير كانون الأول 2023، مشيراً إلى انخفاض الشفافية فيما يتعلق بالقوات النووية في كلا البلدين في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.

وقال دان سميث، مدير معهد ستوكهولم الدولي «بينما يستمر إجمالي الرؤوس الحربية النووية العالمية في الانخفاض مع التفكيك التدريجي لأسلحة حقبة الحرب الباردة، فإننا للأسف ما زلنا نشهد زيادات سنوية في عدد الرؤوس الحربية النووية العاملة»، مضيفاً «يبدو أن هذا الاتجاه من المرجّح أن يستمر وربما يتسارع في السنوات المقبلة وهو أمر مقلق للغاية».

مَن المستفيد من الإنفاق النووي؟

لدى الدول المسلحة نووياً عقود مستمرة مع شركات لإنتاج أسلحة نووية بقيمة إجمالية لا تقل عن 387 مليار دولار، وتستمر في بعض الحالات حتى عام 2040، وفي عام 2023، تلقت شركات تصنيع الأسلحة النووية عقوداً جديدة تبلغ قيمتها أقل بقليل من 7.9 مليار دولار، بحسب تقرير لآيكان.

كما تستفيد أيضاً جماعات الضغط في البلدان المسلحة نووياً من هذا الاتجاه، على سبيل المثال في الولايات المتحدة وفرنسا وحدهما (البلدان التي يمكن الحصول على أرقام عنها) أنفقت الشركات المصنعة للأسلحة 118 مليون دولار عام 2023، بهدف التأثير على سياسة الحكومة والرأي العام بشأن الأسلحة النووية.

وكشفت آيكان أنه عام 2023، أُنفق ما لا يقل عن 123 مليون دولار لتوظيف أكثر من 540 جماعة ضغط بما في ذلك مؤسسات الفكر والرأي، فضلاً عن توفير التمويل لمراكز الأبحاث الكبرى التي تؤثر على النقاش النووي.

في غضون ذلك، تتزايد التحذيرات بشأن ارتفاع الإنفاق على التسليح النووي، وسط دعوات بتوجيه هذه الأموال إلى تعزيز الخدمات الحيوية لمواطني الدول التسع المسلحة نووياً، والمساعدة على معالجة الأزمات العالمية الوجودية وعلى رأسها تغير المناخ.

وقالت آيكان في تقرير «يمكن أن يضمن مبلغ 91.4 مليار دولار سنوياً توفير طاقة الرياح لأكثر من 12 مليون منزل للمساعدة على مكافحة تغيّر المناخ، أو تغطية 27 في المئة من فجوة التمويل لمكافحة تغيّر المناخ وحماية التنوع البيولوجي وخفض التلوث».

وأضافت «تكلفة دقيقة واحدة من الإنفاق على الأسلحة النووية عام 2023 كان يمكن أن تكفي لزراعة مليون شجرة، وكان من الممكن لخمس سنوات من الإنفاق على الأسلحة النووية أن تطعم 45 مليون إنسان يواجهون حالياً المجاعة طوال معظم حياتهم».