يمضي الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترامب وقتاً طويلاً في حملته الانتخابية هذا العام مستشهداً برئيس تُوفي منذ أكثر من 123 عاماً، وهو ويليام ماكينلي، والسبب هو أن ماكينلي وترامب لديهما تقارب مشترك في ما يتعلق بالرسوم الجمركية.
كان ماكينلي الذي شغل منصب الرئيس من عام 1896 إلى عام 1901، سياسياً شديد الحمائية وصل إلى البيت الأبيض بعد أن نجح بالفعل في تمرير تشريع رئيسي عزز الرسوم الجمركية على العديد من المنتجات الأميركية، حتى إن «رسوم ماكينلي لعام 1890» سُميت باسمه.
والآن يريد ترامب إعادة أميركا إلى عصر ماكينلي، حين كانت التعريفات الجمركية في قلب السياسة الحكومية والميزانية الأميركية.
وقال ترامب أمام حشد من الناس في ميشيغان مؤخراً «في تسعينيات القرن التاسع عشر، كانت بلادنا على الأرجح الأكثر ثراءً على الإطلاق؛ لأنها كانت تعتمد على نظام التعريفات الجمركية»، بحسب موقع «ياهو فاينانس».
وأضاف الرئيس الخامس والأربعون في مقابلة مع قناة فوكس بيزنس يوم الجمعة الماضي، أن ماكينلي الرئيس الخامس والعشرين، «كان رجل تعريفات جمركية كبيراً».
ولكن القصة التي رواها ترامب مراراً وتكراراً هي قصة تتجاهل، وفقاً للمؤرخين، تفاصيل رئيسية من تلك الحقبة.
عصر ماكينلي والرسوم الجمركية الأميركية
لاحظ المؤرخون أن أوجه القصور في التعريفات الجمركية أصبحت واضحة في زمن ماكينلي، وبدأت في صياغة اتفاق التجارة الحرة الذي دفع في نهاية المطاف التعريفات الجمركية خارج اللعبة لمدة قرن تقريباً- أو إلى أن وصل ترامب إلى المشهد.
وتتجاهل القصة التي يرويها ترامب أيضاً رحلة ماكينلي الخاصة بشأن هذه القضية.
قال روبرت ميري، كاتب سيرة ماكينلي، في مقابلة أُجريت معه مؤخراً «في نهاية المطاف، يفتقد ترامب النقطة التي قصدها ماكينلي».
ويلاحظ ميري أن ماكينلي بنى سمعته بالفعل على سياسات الحماية، لكنه بدأ يرى حدود التعريفات الجمركية قرب نهاية رئاسته، وخلص إلى أن استمرار نجاح الولايات المتحدة يتطلب تدفقاً أكثر حرية للسلع والمعاملة بالمثل مع شركاء التجارة العالميين، «وكان محقاً تماماً في ذلك»، أضاف ميري.
قُتل ماكينلي عام 1901 أثناء تواجده في بوفالو، نيويورك لإلقاء خطاب يحث الأمة على الاتجاه لتجارة «أكثر حرية».
لقد عادت الرسوم الجمركية المرتفعة إلى الظهور بشكل متكرر بعد ماكينلي، بالتأكيد، لا سيما عندما وقَّع الرئيس هربرت هوفر على قانون تعريفة سموت-هاولي لعام 1930.
هوفر هو رئيس آخر يظهر كثيراً في عام 2024، إذ أشارت حملة كامالا هاريس غالباً إلى أن ترامب وهوفر أنهيا ولايتيهما بعدد أقل من الوظائف في الاقتصاد الأميركي مقارنة ببدايتهما.
ولكن الإرث الدائم الذي خلفه ماكينلي هو أن الجمهور أصبح ينظر بشكل متزايد إلى الحماية التجارية على أنها تؤدي إلى رفع الأسعار؛ ما يؤدي إلى الاحتكارات، ويجعل حالات الكساد أسوأ.
يقول مؤرخ التعريفات الجمركية ويليام بولت في مقابلة «منذ ذلك الحين، من منتصف الثلاثينيات حتى عام 2016 مع الرئيس ترامب، كنا على مسار ثابت من التعريفات الجمركية المنخفضة والتجارة الحرة في هذا البلد».
ومع ذلك، لا تزال هذه الحقبة من التركيز والتمجيد لكل من ترامب وكبار مساعديه.
كتب روبرت لايتهايزر، الممثل التجاري السابق الذي قد يكون مستعداً لخوض جولة أخرى من الانتخابات إذا فاز ترامب، في كتابه أن ماكينلي «حقق شهرة وطنية من خلال دعمه القوي والناجح للتعريفات الجمركية المرتفعة».
تسعينيات القرن التاسع عشر.. عصر التعريفات الجمركية الحقيقي
ينبع جزء من افتتان ترامب بماكينلي أيضاً من حقيقة أن عصره كان آخر عصر كانت فيه التعريفات الجمركية مصدراً مهماً للإيرادات لخزائن الولايات المتحدة.
قال ترامب عن ماكينلي هذا الصيف في مقابلة مع بلومبيرغ «لقد جعل هذا البلد غنياً جداً، كل ما فعله هو التعريفات الجمركية؛ ولم يكن لدينا ضريبة دخل».
في الواقع، في تسعينيات القرن التاسع عشر، وفقاً لحسابات البيت الأبيض، شكلت الإيرادات من الرسوم الجمركية نحو نصف الإيرادات الفيدرالية.
هذا الرقم الآن أقل من 2 في المئة.
لقد طرح ترامب فكرة إلغاء نظام ضريبة الدخل الأميركي بالكامل لصالح فرض تعريفات جمركية أعلى، كما اقترح أن التعريفات الجمركية يمكن أن تدفع ثمن مجموعة واسعة من البرامج، من خفض الضرائب إلى رعاية الأطفال.
لكن الخبراء يقولون إن الحسابات ببساطة لا تتفق مع الاقتصاد الحديث ومع الحكومة الفيدرالية الأكثر توسعاً في الوقت الحاضر.
إن مثل هذه الخطوة تتطلب بشكل متحفظ فرض تعريفات جمركية شاملة لا تقل عن 70 في المئة، وفقاً للبيت الأبيض، وتشير تقديرات أخرى إلى أن الرقم أعلى بكثير -إن لم يكن خارج نطاق المنال تماماً- إذا تسببت هذه الرسوم الجمركية المرتفعة تاريخياً في توقف التجارة العالمية تقريباً أو بشكل كامل.
يقدر معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أن خطط ترامب الطموحة للغاية لفرض تعريفات جمركية بنسبة 10 في المئة على جميع الواردات، بالإضافة إلى 60 في المئة على الواردات من الصين، من شأنها أن تجمع 225 مليار دولار سنوياً، قبل الأخذ في الاعتبار الخطوات الانتقامية التي اتخذتها دول أخرى.
وهذا أقل بكثير من وعود ترامب خلال الحملة الانتخابية، والتي تم تحديدها بتكلفة نحو 5.2 تريليون دولار و6.9 تريليون دولار على مدى العقد المقبل.
عصر ماكينلي كـ«قصة تحذيرية»
هناك أسباب أخرى تجعل البعض يقول إنه ربما لا يكون من المنطقي العودة إلى تسعينيات القرن التاسع عشر، وهي الحقبة التي جاءت أيضاً قبل ظهور بنك الاحتياطي الفيدرالي وغيره من الأدوات الاقتصادية المتاحة للحكومة لتهدئة دورات الازدهار والكساد.
«لقد شهدنا كساداً في الولايات المتحدة من عام 1893 إلى عام 1897، وركوداً وطنياً آخر من عام 1899 إلى عام 1900»، هكذا أشارت كاثرين رامبيل، كاتبة في صحيفة واشنطن بوست، عبر الإنترنت رداً على أحد الأمثلة الأخيرة التي أشاد فيها ترامب بفترة التسعينيات من القرن التاسع عشر، «وباستثناء ذلك، كانت فترة رائعة جداً».
مثل هذه التفاصيل هي تلك التي لم يذكرها ترامب أبداً في رواياته عن حقبة ماكينلي.
قال ترامب في النادي الاقتصادي في نيويورك «على حد تعبير الرئيس العظيم ولكن غير المقدر بشكل كبير، ويليام ماكينلي، فإن سياسة التعريفات الجمركية الوقائية التي ينتهجها الجمهوريون قد جعلت حياة مواطنينا أكثر حلاوة وإشراقاً».
«يقول لنا التاريخ أن هناك أوقاتاً تنجح فيها التعريفات الجمركية»، كما قال ميري، لكنه أضاف أن ماكينلي بدأ يدرك أن العصر قد انتهى، مفترضاً أن أميركا بحاجة إلى البدء في التركيز على خفض التعريفات الجمركية طالما أن الدول الأخرى ترد بالمثل.
«وهذا هو جوهر الخطاب [في بوفالو]».
ألقى ماكينلي هذا الخطاب في الخامس من سبتمبر أيلول 1901، لكن تبين أنه كان آخر خطاب له، فقد أُصيب برصاصة في البطن في صباح اليوم التالي على يد أناركي يُدعى ليون كولغوش، وتُوفي متأثراً بجراحه بعد 12 يوماً.
في السنوات التي تلت ذلك، تم الاستماع إلى رسالة ماكينلي بتردد، حيث كان خليفته المباشر ثيودور روزفلت راضياً إلى حد كبير عن الإبقاء على سياسات الحماية في مكانها والحفاظ على الجمهوريين لخط الحماية.
ولكن منتقدي الرسوم الجمركية تزايدوا وبلغوا ذروتهم مع الفشل التاريخي لقانون تعريفة سموت-هاولي لعام 1930، وقد وقَّع عليه هوفر ليصبح قانوناً في المراحل الأولى من الكساد الأعظم، ثم أُلقي عليه اللوم في جعل الانحدار أسوأ.
ويعترف مساعدو ترامب مثل لايتهايزر بأن قانون عام 1930 لم يكن يحظى بشعبية، لكنهم يزعمون «كمسألة تتعلق بالسياسة الاقتصادية، يبدو من الواضح أن قانون التعريفات الجديد لم يكن له تأثير يُذكر على الأزمة الاقتصادية في أوائل الثلاثينيات».
ولعل أحد الأشياء التي تثبتها جاذبية ترامب الحالية لماكينلي هو أن الدوافع الحمائية قوية في أميركا، خاصة في الولايات التي تعتمد على التصنيع مثل بنسلفانيا، حيث كانت سياسة التعريفات معقدة تقريباً في تسعينيات القرن التاسع عشر كما هي اليوم.
وقال بولت «سواء أعجبك ذلك أم لا، فقد استغل ترامب ذلك»، مضيفاً أن ترامب نجح في طرح «قضية جديدة تماماً لم نتحدث عنها حقاً ربما منذ ما يقرب من مئة عام».
ولكن في نهاية المطاف، حذَّر بولت من أن عصر ماكينلي «قصة تحذيرية».