يشتري حسين، عامل مكتبي في إحدى الشركات، وجبة الإفطار من عربة مأكولات شعبية على زاوية شارع صغير في حي مدينة نصر الواقع إلى الشرق من العاصمة المصرية القاهرة.
«كنت أشتري الساندوتش بثلاثة جنيهات قبل عامين ونصف العام، واليوم يبلغ ثمنه ثمانية جنيهات»، حسب حسين، أما محمد فيشتري ثلاثة سندويشات، ما يعني أنه ينفق 24 جنيهاً -نصف دولار- لتناول وجبة الإفطار، ما يعد رقماً كبيراً بالنسبة لراتبه الضئيل الذي يبلغ 3000 جنيه في الشهر، أي نحو 60 دولاراً أميركياً.
ارتفاع أسعار الطعام في مصرتخطى وجبة الفول الصباحية التقليدية التي تعتبر بمثابة الطبق الشعبي الأول في الدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان، وتخطى كذلك الطبقات الأكثر فقراً أو كما تسميها الحكومة المصرية «الطبقات الأولى بالرعاية»، ليصل إلى الطبقة الوسطى التي كانت تعيش بمأمن من التقلبات الاقتصادية طوال العقود الماضية.
ميرفت ربة منزل بالمعاش، تقف عند بائع خضراوات وفواكه بالقرب من عربة الوجبات الصباحية، قالت ميرفت في لقاء مع CNN الاقتصادية إن « الأسعار تضاعفت أكثر من مرة في العامين الماضيين، وأصبحت أشتري كميات أقل مما اعتدت أن أشتريه في الماضي، كما أنني أتجنب منذ فترة شراء بعض أنواع الفواكه مثل التفاح والمانجو والأفوكادو بسبب ارتفاع أسعارها».
وتضيف السيدة السبعينية ساخرة «لقد أصبحت أتذوق حسب ميزانيتي، وليس وفقاً لما أحب».
بالنظر إلى أسعار الخضراوات في إحدى أسواق حي الدقي في الجيزة، الذي ينتمي سكانه إلى الطبقة المتوسطة، يتراوح سعر البطاطس والباذنجان والطماطم والبصل والكوسة بين 16 جنيهاً و30 جنيهاً، وهو ما يعني «ارتفاع السعر بنحو 4 إلي 5 أمثال»، بحسب فاطمة التي تعمل مدرسة رياضيات في إحدى المدارس الخاصة في الحي والتي تبعد 10 دقائق سيراً عن منزلها.
وتقول فتحية بائعة الخضراوات بالحي إن ارتفاع الأسعار الكبير دفعها إلى «تقليل البضائع التي تقوم بجلبها صباح كل يوم، حيث إن السكان أصبحوا يشترون ربع الكمية التي كانوا يحصلون عليها فيما قبل»، وهو الحال أيضاً عند تجار تجزئة بيع الدواجن ومحلات الجزارة.
يفسر أحمد النجيب، رئيس شعبة الخضار والفواكه بالغرفة التجارية، ارتفاع الأسعار الذي أصبحت تعاني منه أغلب الموائد المصرية بأسباب مثل «التقلبات الجوية وتأثير أزمة تدبير الدولار على استيراد الشتلات اللازمة لإتمام الزراعة بنجاح، ما أثر على بعض المحاصيل مثل البطاطس، حيث انخفضت إنتاجية الفدان الواحد بنحو 70 في المئة، فضلاً عن عدم المقدرة على سلاسل التوريد التي يقبع أغلبها خارج مظلة الاقتصاد الرسمي».
التضخم يأكل موائد المصريين
حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين في مصر، قال في اتصال مع CNN الاقتصادية إن «السبب الرئيسي هو التضخم الذي ضرب مصر بسبب أزمة الدولار وارتفاع سعره، ما أدى إلى ضعف قيمة الجنيه المصري وتآكل قوته الشرائية».
شهد الجنيه المصري أربع موجات عاتية من تخفيض قيمته بين مارس آذار 2022 ومارس آذار 2024، ففقد الجنيه المصري خلالها نحو 67 في المئة من قيمته، فكل دولار كان يساوي 15 جنيهاً وستين قرشاً في الربع الأول من 2022 ويباع اليوم بنحو 49 جنيهاً، كما ضرب التضخم الأسواق المصرية ليصل إلى أعلى معدل له على الإطلاق في شهر سبتمبر أيلول من عام 2023، حيث بلغ 38 في المئة وتوقف عند 26.4 في المئة سبتمبر أيلول الماضي، ما يعني أنه ارتفع بمقدار 64.4 في المئة مقارنة بنهاية الربع الثاني من عام 2022، وهو ما يقترب من القيمة التي فقدها الجنيه المصري في الفترة نفسها.
وبحسب بيانات البنك الدولي، يعيش نحو 32 في المئة من المصريين تحت خط الفقر.
لكن ماجد عثمان، أستاذ الإحصاء بجامعة القاهرة ومدير مركز بصيرة، قال في اتصال مع CNN الاقتصادية إن «ارتفاع الأسعار الأخير أدى لانزلاق عدد من الأسر المتوسطة تحت خط الفقر، وارتفاع تكلفة الغذاء يجبر أرباب الأسر على تكريس جزء من الأموال التي كانوا يوجهونها للاحتياجات مثل التعليم لتمويل احتياجات الأسرة من الغذاء، ما يؤدي إلى خروج تلاميذ من المدارس أو خروج أبنائهم من المدارس الخاصة إلى تعليم أقل جودة، وتأثير هذا سيظهر بعد فترة على المجتمع».
يعتقد ممثل الغرفة التجارية ونقيب الفلاحين أن أسعار الغذاء ستهدأ بعض الشيء في بداية العام المقبل، أي بعد نحو شهرين ونصف الشهر، لكن عثمان يرى أن المشكلة أكبر من تقلبات مناخية أو خلل في نظام التوريدات، حيث إن «المشكلة في الأساس من خارج مصر، وأسعار الغذاء ارتفعت في جميع أنحاء العالم»، ما يعني أن الحلول لن تكون داخلية ويتحتم على الدولة «زيادة حزم الإعانات والدعم للطبقات الهشة مثل أصحاب المعاشات ومن يقعون تحت سطوة الفقر».