تدخل صناعة النفط عام 2024 وسط مشهد عالمي مليء بالتحديات، أحدثها هجمات الحوثيين المتكررة على منطقة باب المندب، والتي دفعت العديد من الشركات الكبرى إلى إعلان وقف مرور سفنها في البحر الأحمر، وآخرها عملاقة النفط البريطانية (بي بي) التي أعلنت يوم الاثنين وقف شحناتها عبر البحر الأحمر، ما يثير القلق حول الإمدادات النفطية العالمية.
أسعار النفط
شهدت أسعار النفط تعافياً نسبياً هذا الأسبوع بعد أطول سلسلة تراجع أسبوعي لها منذ عام 2018، وسط مخاوف بشأن زيادة المعروض وتراجع الطلب على الطاقة نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
وخلال عام 2023، بلغ متوسط سعر خام برنت 80 دولاراً للبرميل بعد أداء متقلب في عام 2022، حينما كسرت الأسعار حاجز الـ100 دولار بعد تعطل الإمدادات الروسية في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا.
لكن توترات الشرق الأوسط المتصاعدة أعادت القلق بشأن الإمدادات، إذ ارتفعت أسعار النفط يوم الاثنين متأثرة بهجمات الحوثيين المتزايدة على السفن في البحر الأحمر، بالإضافة لإعلان روسيا يوم الأحد عن خطتها لخفض صادراتها النفطية بـ50 ألف برميل إضافية يومياً بدءاً من ديسمبر كانون الثاني.
وكانت روسيا قد أعلنت في مايو أيار عن خفض طوعي في إنتاجها النفطي بمقدار 500 ألف برميل يومياً ومددته حتى نهاية الربع الأول من 2024.
وتعليقاً على التطورات الأخيرة، قال تاماس فارجا من شركة (بي في إم) لتداول النفط «إن ارتفاع المخاطر الجيوسياسية، والذي جاء في شكل هجمات منتظمة تجاه السفن التجارية في البحر الأحمر من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، يلعب دوراً لا جدال فيه في انتعاش أسعار النفط».
هجمات الحوثيين في البحر الأحمر
شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيداً ملحوظاً في هجمات الحوثيين على السفن العابرة بمضيق باب المندب، وهي قناة يبلغ عرضها 20 ميلاً (32 كيلومتراً) وتُعد أحد الشرايين التجارية الرئيسية في العالم.
وأعلن المتمردون دعمهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، موضحين أنهم يستهدفون السفن المبحرة إلى إسرائيل، باستخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار.
وأثارت تلك الهجمات المخاوف بشأن إمدادات الطاقة، إذ يمر نحو 12 في المئة من تجارة النفط العالمية المنقولة بحراً و8 في المئة من الغاز الطبيعي المسال عبر باب المندب.
وأعلنت شركة النفط البريطانية العملاقة (بي بي)، يوم الاثنين، أنها أوقفت مؤقتاً جميع شحنات النفط عبر البحر الأحمر بعد الهجمات الأخيرة على السفن، وأرجعت القرار إلى (تدهور الوضع الأمني) بالمنطقة رغم تأكيدها أنها خطوة مؤقتة.
و(بي بي) ليست الشركة الوحيدة التي اتخذت مثل هذا القرار، إذ سبقها لذلك عدد من كبرى شركات الشحن بعد استهداف سفنها من قبل الحوثيين في اليمن، ومنها شركة (إيفرجرين لاين) التي أعلنت تعليق مرور حاوياتها بالبحر الأحمر حتى إشعار آخر.
كما أعلنت كلٌّ من (إيه بي مولير ميرسك) و(إم إس سي) -أكبر شركة لشحن الحاويات في العالم- أنهما ستتجنبان المرور بقناة السويس مع تصعيد هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر.
ويمثل ذلك أنباء مقلقة لأوروبا التي أصبحت أكثر اعتماداً على النفط القادم من دول مجلس التعاون الخليجي بعد وقف الإمدادات الروسية من النفط والغاز، ويزيد هذا القلق مع دخول فصل الشتاء.
وقد يمثل أنباء سيئة أيضاً لمصر التي تعتمد على قناة السويس في جزء كبير من عائداتها الدولارية.
واضطرت العديد من السفن لتغيير مسارها من قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح لتجنب هجمات الحوثيين، لكن ذلك ترتب عليه زيادة كبيرة في تكلفة ومدة الشحن.
زيادة المعروض النفطي
وفقاً لمسح أجرته رويترز، يتوقع المحللون أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 84.43 دولار للبرميل في 2024، وتُعد زيادة المعروض أحد أهم التحديات أمام أسعار الخام الأسود في عام 2024.
ومن المتوقع أن ينمو المعروض النفطي العام المقبل بما يتراوح بين 1.2 مليون و1.9 مليون برميل يومياً، مدفوعاً بزيادة إنتاج الدول غير الأعضاء بأوبك، بحسب تقديرات الشركات الاستشارية (ريستاد إنرجي) و(جيه بي مورجان) و(كبلر ووود ماكنزي).
وتحاول منظمة أوبك بلس موازنة هذه الزيادة في المعروض من خلال خفض إمداداتها، مؤكدة التزامها بتخفيضات الإنتاج الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يومياً.
النفط الفنزويلي.. لاعب جديد في المعادلة
عاد النفط الفنزويلي إلى الأسواق العالمية بعد أن علّقت واشنطن العقوبات المفروضة على الدولة العضو في أوبك لمدة ستة أشهر حتى أبريل نيسان 2024.
وتوقع محللو جيه بي مورجان تمديد تعليق العقوبات لمدة ستة أشهر أخرى إذا التزمت حكومة الرئيس نيكولاس مادورو بخريطة الطريق الانتخابية المتفق عليها مع المعارضة.
فرفع العقوبات عن شركة النفط الحكومية (بدفسا) سيزيد إنتاج النفط الفنزويلي تدريجياً من 760 ألف برميل يومياً في 2023 إلى 880 ألف برميل يومياً في 2024 و963 ألف برميل يومياً في 2025.
ويرى المتعاملون أن إمدادات الخام الثقيل من فنزويلا إلى الولايات المتحدة والهند قد تضعف الطلب على الخامات المنافسة مثل خام البصرة الثقيل في العراق وكولد ليك في كندا.
مصافٍ جديدة
وتوقع المحللون أن يتراجع النقص في المنتجات المكررة، خاصة الديزل، مع دخول مصافٍ جديدة بطاقة إنتاجية تزيد على مليون برميل يومياً في الصين والهند والمكسيك والشرق الأوسط ونيجيريا في عام 2024.
ومن المتوقع أن يقود المنتجون من خارج أوبك، بقيادة البرازيل وغويانا والولايات المتحدة، نمو الإنتاج في عام 2024، ما يعزز إمدادات النفط الخفيف.
وقال آلان جيلدر، المحلل لدى وود ماك، إن الصين والهند ستستوردان احتياجاتهما بشكل متزايد من حوض الأطلسي، مع تنافس آسيا والولايات المتحدة على الخام الثقيل.
وتوقع محللون أن تتجه الولايات المتحدة والهند نحو فنزويلا للحصول على المزيد من الخام الثقيل، بينما تواصل الصين والهند اعتمادهما على الإمدادات الروسية والإيرانية.
وتستهدف إيران إنتاج 3.6 مليون برميل يومياً من الخام بحلول مارس آذار 2024، ارتفاعاً من 3.4 مليون برميل يومياً في الوقت الحالي.