منذ البداية، لم يقتصر شراء أو استثمار بعض الدول العربية وخاصة الخليج في الأندية الرياضية الأوروبية على الاستثمار الرياضي فقط، بل كان الهدف أبعد من ذلك، فثمة علاقة وثيقة بين كل من الاستثمار الرياضي ونظيره العقاري في المدن الأوروبية الكبرى مقر بعض الأندية التي استثمر فيها العرب.
شرق مانشستر محط الأنظار
في عام 2008، اشترت مجموعة أبوظبي المتحدة للتنمية والاستثمار برئاسة منصور بن زايد آل نهيان النادي الإنجليزي مانشستر سيتي بقيمة 385 مليون دولار ليسجل النادي في 2022 أعلى إيرادات حول العالم بسبب الاستثمارات الضخمة التي ضختها المجموعة، وتبدأ بعده استثمارات عقارية خليجية ضخمة في المدينة الإنجليزية.
في 2009، بعد عام من شراء النادي، لفتت المدينة الرياضية أنظار المستثمرين، وبدأت بعض الشركات مثل نيو إيست مانشستر المحدودة عرض خطط تنفيذية على مجلس مدينة مانشستر للاستثمار في شرق المدينة بقيمة استثمارية قدرها 3.9 مليون إسترليني، وذكرت الشركة في تقريرها أن شرق المدينة الرياضية يحمل زخماً استثمارياً وسيكون محط جذب للسائحين على المدى المتوسط والبعيد بعد استحواذ المجموعة الإمارتية على النادي.
حرم الاتحاد
وبحسب تقرير نشر على الموقع الرسمي لمجلس مانشستر المحلي بعنوان الأراضي الشرقية وإطار التجديد، فإن الرؤية المشتركة بين مجموعة أبوظبي والمجلس تبلورت في 2011 بالاستثمار في حرم الاتحاد لمئتي فدان بقيمة 400 مليون دولار من الاستثمار العام والخاص.
وحرم الاتحاد هي منطقة تابعة لمدينة سبورت سيتي في مانشستر والتي يمتلكها ويديرها نادي مانشستر سيتي لكرة القدم، ويضم الحرم الجامعي استاد الاتحاد، ومنشأة تدريب أكاديمية لكرة القدم ومقر النادي العالمي، والأراضي غير المطورة بعد المجاورة لكلا هذين المرفقين.
مانشستر لايف
وفي عام 2014، انتهزت مجموعة أبوظبي الفرصة، وبدأت مشروع مانشستر لايف بالتعاون مع المجلس المحلي للمدينة في الطرف الشرقي لوسط المدينة لبناء 950 وحدة في ست مناطق أبرزها انكوتس في مانشستر ونيو إزلنغتون كمرحلة أولى، بقيمة مليار دولار على مدار عشر سنوات.
وفي 2017 جددت شركة إيستلاندز للتطوير الاستراتيجي المحدودة؛ المشروع المشترك بين مجلس المدينة المحلي ومجموعة أبوظبي لأنشطة التجديد لتمكين المبادرات الاجتماعية والتجارية والتنموية الجديدة في المنطقة، مع التركيز على ملعب الاتحاد وتوجيه أنشطة التطوير غرباً على طول ممر قناة أشتون لربط حرم الاتحاد بالتوسع شرقاً لمركز المدينة، لا سيما أحياء هولت تاون ولوار وادي ميدلوك، الذي يربط وسط المدينة مع حرم الاتحاد عبر ممر قناة أشتون.
ويقول سايمون شادويك أستاذ الرياضة والاقتصاد الجيوسياسي بكلية سكيما للأعمال بفرنسا لـ«CNN الاقتصادية» إن دبي تستثمر بصورة كبيرة في قطاع العقارات في مدينة مانشستر، عبر مجموعة فوتبول سيتي، ويكمل «قد تحصلت على رقم منذ عدة أسابيع من قبل أساتذة في الأوساط الأكاديمية في مانشستر يشير إلى أن 70 في المئة من التمويل العقاري الحالي في شرق ووسط مدينة مانشستر تمتلكه أبوظبي».
وبالتالي هناك تحول حضري يحدث في وسط مدينة مانشستر بتمويل من دولة خليجية، كما أن هناك مشاريع عقارية وبنية تحتية تعود حتماً بفوائد كبيرة لأبوظبي في أماكن مثل مانشستر، وتابع «أعتقد أننا يجب أن نتطلع نحو نيوكاسل ونراقب ما إذا كان سيحدث شيء مشابه لما حدث في مانشستر».
ويُذكر أن السعودية تستحوذ عبر صندوق الاستثمارات العامة السعودي على 80 في المئة من نادي نيوكاسل يونايتد.
ارتفاع حجم الاستثمار العقاري
وفقاً لتقرير آفاق الاستثمار العقاري لعام 2023 لمؤسسة نايت فرنك، فقد تصدّر الشرق الأوسط النسبة الأكبر حول العالم في عدد الأثرياء العرب الذين يخططون للاستثمار بشكل مباشر بنسبة 25 في المئة أو غير مباشر بنسبة 10 في المئة في العقارات التجارية في عام 2022، إذ كانت شهية المشترين أعلى من المتوسط العالمي بنحو ستة في المئة، مسجلةً 21 في المئة في 2022، بينما بلغت متوسط نسبة العرب الذين يستثمرون في العقارات خارج البلاد 36 في المئة، متجاوزة المتوسط العالمي بـ17 في المئة.
ويقول أندرو لوف رئيس الشرق الأوسط لأسواق رأس المال بالمؤسسة، إن الحد الأدنى لاستثمارات العرب في العقارات يبدأ من اثنين إلى ثلاثة ملايين دولار أميركي وتصل إلى 200 مليون دولار أميركي، ولكن الأغلب يستثمر بين 20 و50 مليون دولار، ومعظم المستثمرين من دولة الإمارات.
ويتوقع هنري فاون رئيس مكتب نايت فرانك في الشرق الأوسط أن يصبح المشترون المقيمون في الخليج نشيطين بصورة متزايدة خلال العام في كل من المملكة المتحدة وأوروبا، بسبب قوة الدولار مقابل كل من الجنيه الإسترليني واليورو.
باريس سان جيرمان
اشترت شركة قطر للاستثمارات الرياضية نادي باريس سان جيرمان في عام 2012 بقيمة 131 مليون دولار، حتى أصبح جيرمان أغنى ناد فرنسي وأحد أغنى الأندية في العالم.
في عام 2015، أُنشئت جمعية قدران بمبادرة من مجتمع الأعمال القطري في فرنسا، لتعزيز الاستثمار والتجارة بين مجتمعات الأعمال الفرنسية والقطرية.
واتبعت قطر نهجاً أشمل في تعزيز الاستثمار في فرنسا، فوفقاً لتقرير مؤسسة قدران بالتعاون مع المعهد العالي للدراسات التجارية في باريس عن العلاقة الاقتصادية بين البلدين نُشر العام الماضي، فقد ارتفع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من نحو مليار يورو في عام 2011 إلى 4.4 مليار يورو في 2020، إذ بلغت القيمة السوقية للاستثمارات القطرية في فرنسا نحو 25 مليار يورو، وحققت الإيرادات السنوية للشركات القطرية في فرنسا نمواً بنسبة 7.5 في المئة.
الاستثمار العقاري ضمن أهم أولويات قطر الاستثمارية بفرنسا
تسعى قطر لتنويع اقتصادها عن طريق لتقليل اعتمادها على الهيدروكربونات عبر تنويع الأنشطة القطرية في الخارج بهدف تحفيز نمو الشركات الوطنية، وأهداف الربحية المتوسطة والطويلة الأجل.
وسعت فرنسا دائماً إلى جذب رأس المال القطري، لا سيما منذ نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بحوافز مثل الإعفاء من ضريبة الأرباح الرأسمالية على الاستثمارات العقارية.
وتحتل فرنسا المرتبة الثالثة في قائمة الدول المتلقية للاستثمارات القطرية في أوروبا بعد المملكة المتحدة وألمانيا، وأبرز أنواع هذه الاستثمارات؛ المحافظ الاستثمارية والاستحواذ الاستراتيجي على الأعمال الفرنسية النشطة، والاستثمار العقاري إذ تمتلك قطر عقارات ضخمة غير فندقية، إلى جانب الاستثمار العقاري من قبل الأفراد القطريين، إذ يوجد 42 شركة قطرية تستثمر في فرنسا.
وهناك ثلاثة لاعبين أساسيين وهم صندوق الثروة السيادية القطري، الذي تقدر أصوله بـ400 مليار يورو، والمنشآت التابعة للشركات متعددة الجنسيات القطرية التي غالباً ما تكون فيها الدولة مساهماً غير مباشر عبر جهاز قطر للاستثمار، وصندوق فيوتشر شامبيون، الذي تأسس في عام 2013، ويمتلك الشركات الفرنسية الصغيرة والمتوسطة.
وتمثل الاستثمارات العقارية والأنشطة المالية 7.1 مليار دولار في عام 2021، وهي من القطاعات التي تحظى باهتمام كبير، في ظل التعاون مع شركات كبرى مثل فينشي وتوتال والسويس وإيرباص.
وللشركة الفندقية التابعة لشركة قطر للاستثمار نشاط كبير في فرنسا من خلال امتلاك فنادق ذي بينينسولا، وكارلتون، ورويال، كما تمتلك كونستليشن غروب التابعة للعائلة المالكة فنادق انتركونتيننتال، وكونستلليشن إيتوال، ومارتينز، وتمت عمليات الاستحواذ هذه من قبل الشركة العقارية التابعة لبنك قطر الوطني، إلى جانب امتلاك قطر آلاف الأمتار المربعة في شارع الشانزليزيه.