يشعر مزارعو الطماطم في وسط الهند بالقلق بشكل متزايد بشأن التقلبات التي جلبتها الأحداث المناخية القاسية إلى المنطقة، إذ تخلل العقد الماضي حالات جفاف شديدة في أجزاء كبيرة من المنطقة أدت إلى خسارة كبيرة في المحاصيل، ما أثر على سبل عيش المزارعين المحليين.
وعلى الجانب الآخر من العالم، تعمل شركة (كلايمت إيه أي) الناشئة في وادي السيليكون على تطوير منصة ذكاء اصطناعي لتقييم مدى تأثر المحاصيل بدرجات الحرارة المرتفعة خلال العقدين المقبلين.
تستخدم الأداة خلال عملية التقييم بيانات عن المناخ والمياه والتربة.
كانت ولاية ماهاراشترا في الهند واحدة من الحالات الأولى التي خضعت لتجربة أداة الذكاء الاصطناعي عام 2021؛ أمكن للمزارعين الدخول إلى تطبيق (كلايمت إيه آي) وإدخال البذور التي يرغبون في زراعتها والمكان الذي يريدون زرعها فيه.
باستخدام هذه البيانات، أجرت شركة (كلايمت إيه أي) عمليات محاكاة ووجدت أن الحرارة الشديدة والجفاف سيؤديان إلى انخفاض بنسبة 30 في المئة تقريباً في إنتاج الطماطم في المنطقة خلال العقدين المقبلين؛ وحذرت المزارعين من ضرورة تغيير استراتيجيتهم.
وقد أثبتت النتائج أهميتها المحورية، إذ عدل منتجو الطماطم خطط أعمالهم من خلال التحول إلى أصناف بذور أكثر قدرة على الصمود في مواجهة المناخ وتغيير أوقات زراعة بذور الطماطم.
عادة ما يستغرق العثور على مواقع زراعة جديدة بعض الوقت بالنسبة للمزارعين المتأثرين بتغير المناخ، ولكن «الآن يمكن أن يحدث ذلك في غضون دقائق، كما أنه يوفر عليهم الكثير من التكلفة»، وفقاً لهيمانشو غوبتا، أحد مؤسسي شركة (كلايمت إيه أي).
دور الذكاء الاصطناعي في مواجهة تغير المناخ
قال غوبتا لشبكة «CNN» «إننا ننظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه أداة موفرة للوقت والفعالية للحلول المتعلقة بتغير المناخ».
إن التقييم الأفضل للمخاطر المستقبلية للزراعة هو مجرد إحدى الطرق التي يتم بها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لمعالجة أزمة المناخ.
دخل الذكاء الاصطناعي لأول مرة إلى الوعي العام هذا العام بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي الشائعة والموجهة للمستهلك مثل تشات جي بي تي، ويقول الخبراء إن هذه التكنولوجيا من شأنها أن تُحدث ثورة في عدد لا يحصى من الصناعات.
لكن الباحثين في مجال المناخ ظلوا لسنوات يفكرون في كيف يمكن للذكاء الاصطناعي -برامج الحواسيب التي يمكنها تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة وإكمال المهام المعقدة بطرق مشابهة للطريقة التي يعمل بها للبشر- أن يساعدهم على فهم المناخ المتغير ومعالجته بشكل أفضل.
الآن، يقول الخبراء إن الذكاء الاصطناعي مستعد للتأثير في كل شيء، بدءاً من الحد من التلوث وحتى تحسين نماذج الطقس.
قال فنغكي يو، أستاذ في كلية الهندسة بجامعة كورنيل «الكفاءة هي أحد الأشياء التي يجيدها الذكاء الاصطناعي، وهي تحسين القرارات، وتحسين الموارد».
«إنه نظام يتمتع بقدرات تنبؤية قوية جداً يمكن أن تكون مفيدة للغاية في العديد من المجالات، بدءاً من (فهم) الجزيئات صغيرة الحجم إلى أنظمة المناخ الأوسع لمساعدتنا في مكافحة تغير المناخ».
ومع الوتيرة السريعة التي ترتفع بها حرارة كوكب الأرض، فإن تسريع اكتشاف الحلول وتنفيذها أمر بالغ الأهمية.
ولكن على الرغم من كل ما يبشر به الذكاء الاصطناعي، فإن البنية التحتية التي تدعم هذه التكنولوجيا -مراكز البيانات المليئة بصفوف من أجهزة الحواسيب كثيفة الاستهلاك للطاقة- يمكن أن تشكل في حد ذاتها ضغطاً على البيئة.
ويقول الخبراء إن مهندسي البرمجيات يجب أن يعملوا بشكل وثيق مع علماء المناخ لتحقيق التوازن.
الذكاء الاصطناعي محور اهتمام الإعلام والعنصر البشري يظل جوهر القطاع
ما هو الذكاء الاصطناعي؟
الذكاء الاصطناعي هو مصطلح فضفاض يشير إلى أدوات رقمية مختلفة دُربت لأداء مجموعة واسعة من المهام المعقدة التي ربما كانت تتطلب في السابق مدخلات من شخص فعلي، بشكل عام، ما تشترك فيه هذه التقنيات هو قدرتها على المعالجة السريعة وإيجاد الروابط بين كميات هائلة من البيانات المتباينة.
وهذا يجعل الذكاء الاصطناعي جيداً بشكل خاص في أشياء مثل التنبؤ وإجراء عمليات المحاكاة؛ وعلى عكس برامج الحواسيب التقليدية، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي عادةً مواصلة التعلم بمرور الوقت مع توفر بيانات جديدة أو عندما تتلقى الأنظمة تعليقات جديدة حول جودة مخرجاتها.
وفي حين كان الاكتشاف العلمي يعتمد على قدرة البشر على جمع الأدلة ومراقبتها وتحليلها، تستطيع أجهزة الحواسيب الآن معالجة مجموعات كبيرة من البيانات، وتحديد الأنماط، وإجراء تجارب رقمية في جزء صغير من الوقت الذي يحتاجه الباحثون البشريون.
بالنسبة للنماذج المناخية، نحاول بشكل أساسي حل هذه المعادلات وهي كيفية تفاعل نماذج الغلاف الجوي هذه، واستغراق حلها وقتاً طويلاً.
وبالمثل، فإن البحث عن مواد جديدة لتوصيل الطاقة، مثل تلك المستخدمة في الألواح الشمسية، قد يتطلب ساعات لا حصر لها من الاختبارات التي يمكن الآن تسريعها باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وقال فنغكي يو «في الماضي، كان الناس بحاجة إلى التجربة والخطأ، وكنا بحاجة إلى باحثين يعملون كل يوم وليلة».
«الآن، بسبب الذكاء الاصطناعي، الذي لا يحتاج إلى النوم، فهو يحتاج فقط إلى الطاقة الكهربائية، ويمكنه الاستمرار في العمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ويمكن أن يصبح مفيداً جداً في تسريع الاكتشافات».
ربما لن يحل الذكاء الاصطناعي محل الحاجة إلى البشر في مكافحة تغير المناخ؛ ولكن يمكن أن يجعل عملهم أسرع وأكثر فعالية.
قال دان كيلر، كبير مسؤولي الاتصالات في شركة الاستثمار المؤثر (نيوداي)، التي تشارك في الجهود الخيرية لدعم ترميم السواحل، إن الباحثين الذين يسعون إلى استعادة السواحل عن طريق إعادة زراعة الأعشاب البحرية، على سبيل المثال، يستخدمون الذكاء الاصطناعي لوضع نموذج لأفضل المواقع لاستهداف جهود إعادة الزرع.
يمكن لخوارزمية الذكاء الاصطناعي المدربة لمعالجة هذه المشكلة أن تأخذ في الاعتبار كل شيء بدءاً من السموم الموجودة في الماء أو طرق الشحن المعطلة إلى كيفية تأثير جهود إعادة الزرع على الحياة البحرية القريبة أو حتى السياحة الساحلية.
وقال كيلر «من الصعب جداً جمع كل هذه العناصر معاً في نموذج واحد باستخدام الطرق التقليدية، لكن الذكاء الاصطناعي يجعل ذلك ممكناً في الواقع».
الذكاء الاصطناعي وطائرات الدرون بديلاً للوسائل التقليدية لإعادة التشجير وإنقاذ الغابات
ذوبان القطب الشمالي
اكتشف العلماء أن درجة حرارة القطب الشمالي ترتفع بمعدل أربع مرات أسرع من بقية الكوكب؛ يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى ذوبان الجليد البحري، وذوبان التربة الصقيعية، وإشعال حرائق الغابات في ما ينبغي أن يكون أحد أبرد المناطق على وجه الأرض.
قال خبراء المناخ إن ما يحدث في القطب الشمالي يمثل مؤشراً لبقية العالم؛ لكن النماذج المناخية -التي يستخدمها العلماء للتنبؤ بالتغير على المدى الطويل- لا ترصد مدى سرعة ارتفاع درجة الحرارة.
وبمساعدة الذكاء الاصطناعي، تستطيع آنا ليلجدال، العالمة في مركز (وودويل) لأبحاث المناخ، إجراء تنبؤات بالتربة الصقيعية على نطاق زمني موسمي، بدلاً من الجدول الزمني النموذجي الذي يبلغ 100 عام، ما يمنحها والباحثين الآخرين صورة أفضل عن مدى سرعة ذوبان القطب الشمالي.
وقال ليلجدال لشبكة «CNN» «إن الذكاء الاصطناعي يقوم بالأعمال الصعبة؛ لكن الذكاء الاصطناعي ليس مثالياً، لذلك نراه كأداة أولى، وبعد ذلك يأتي الإنسان، ويتحقق ويتأكد من أن الأشياء منطقية ويستكشف الأشياء التي يقترحها الذكاء الاصطناعي».
يمكن أيضاً استخدام التكنولوجيا لإيجاد الحلول؛ درب مشروع (غوغل ديب مايند) لعام 2019 نموذج الذكاء الاصطناعي على التنبؤات الجوية وبيانات توربينات الرياح التاريخية للتنبؤ بتوافر طاقة الرياح؛ ما يساعد على زيادة قيمة مصدر الطاقة المتجددة لمزارعي الرياح.
ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي أيضاً في التنبؤ متى وأين سيكون الطلب على الطاقة في أعلى مستوياته، ما يسمح لمشغلي الشبكات «بالتأكد من أن لديهم الطاقة الكافية، وعلى استعداد لتوفير الطلب».
وقال جوبتا من شركة (كلايمت إيه أي) إن المشكلة تكمن في معرفة كيفية دمج القدرة المتجددة في الشبكة الحالية التي يهيمن عليها الوقود الأحفوري، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدد في الوقت الفعلي مصادر الطاقة المتجددة المتاحة في المناطق التي يريدها المستهلكون، ما يؤدي إلى تحسين الطلب والعرض الاستهلاكي لمصادر الطاقة المتجددة.
وفي أماكن أخرى، يُستخدم الذكاء الاصطناعي أيضاً للبحث عن المواد التي يمكنها استعادة الكربون بشكل فعال من الغلاف الجوي ولوضع نماذج للفيضانات الكبرى والتنبؤ بها لمساعدة الوكالات الحكومية المحلية على الاستعداد بشكل أفضل لحالات الطوارئ المحتملة والاستجابة لها.
حياة أكثر استدامة
من المقرر أن تطلق شركة (ذا كوول داون)، وهي شركة إعلامية تهدف إلى مساعدة المستهلكين على فهم أفضل لأزمة المناخ والحلول المحتملة، أداة للذكاء الاصطناعي في أوائل العام المقبل ستجيب عن أسئلة المستخدمين حول كيفية عيش نمط حياة أكثر استدامة، وفقاً لآنا روبرتسون، المؤسس المشارك.
ستستخدم الأداة بيانات من موقعها حول أنواع المعلومات المناخية التي تثير فضول مستهلكي المعلومات لتوجيه المستخدمين إلى المعلومات، بما في ذلك الإجابة عن أسئلة مثل «ماذا يمكنني أن أفعل بملابسي القديمة المصنوعة من الجينز؟» أو «أريد تبديل منظف الغسيل الخاص بي، من أين يجب أن أبدأ؟».
وعلى الرغم من ذلك هناك جانب سلبي لكل هذه المزايا، إذ أن تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي يستهلك الكثير من الطاقة، ويجري تشغيل العديد من مراكز البيانات في المناطق التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري، حسبما قال فنغكي يو من جامعة كورنيل، كما تحتاج مراكز البيانات عادةً إلى الماء للتبريد، وهو مورد متضائل في بعض الأماكن التي تتم فيها هذه الحوسبة، بما في ذلك الغرب الأميركي.
في الوقت الحالي، تعتبر كمية الطاقة المستخدمة لتشغيل الذكاء الاصطناعي صغيرة نسبياً مقارنة بما تستهلكه وسائل النقل أو المباني.
وأضاف «لكن هذا سوف ينمو بسرعة كبيرة، وعلينا أن نكون حذرين للغاية في هذه اللحظة قبل أن ينمو بشكل كبير».
التكنولوجيا الزراعية لمكافحة تغير المناخ تجمع الهند وإسرائيل
استهلاك ضخم للطاقة
قدرت دراسة أجراها الباحث الهولندي أليكس دي فريس في أكتوبر تشرين الأول أن «السيناريو الأسوأ» يشير إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بغوغل يمكن أن تستهلك في النهاية القدر نفسه من الكهرباء الذي تستهلكه دولة أيرلندا كل عام، على افتراض اعتماد الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في أجهزتها وبرامجها الحالية.
وقد بدأ بعض مشغلي مراكز البيانات بالفعل في معالجة هذه المخاوف.
وقال فنغكي يو إن الشركات التي تبني وتشغل مراكز البيانات لتنفيذ أدوات الذكاء الاصطناعي يمكنها أيضاً التفكير في وضعها بشكل استراتيجي في المناطق التي قد تتطلب فيها موارد طبيعية أقل للعمل.
فإذا بُنيت مراكز البيانات في مناطق أكثر برودة من العالم، على سبيل المثال، فستكون هناك حاجة إلى كميات أقل من المياه للتبريد؛ برزت الدول الإسكندنافية كموقع شائع لمراكز البيانات، مدعومة أيضاً بتوفيرها القوي نسبياً لمصادر الطاقة المتجددة.
وأضاف يو أن المشرعين في الولايات المتحدة وخارجها الذين حولوا اهتمامهم بشكل متزايد في الأشهر الأخيرة إلى تطوير حواجز الحماية للذكاء الاصطناعي، يجب أن يأخذوا في الاعتبار الفوائد المحتملة للتكنولوجيا في مكافحة تغير المناخ وتأثيرها البيئي عند وضع اللوائح التنظيمية.
(كلير دافي وراشيل راميريز – CNN)