باتت شبكة (بي بي سي) البريطانية محط الاتهامات من قِبل المتابعين الذين يناصرون القضية الفلسطينية وينددون بما حدث في مجزرة مستشفى الأهلي المعمداني، وذلك بعدما صرحت بي بي سي بأنه من المحتمل أن يكون لدى حماس أنفاق تحت المباني المدنية مثل المدارس، والمستشفيات، والمناطق السكنية، ما يمنح الجيش الإسرائيلي ميزة الشك المبرر عندما يتعلق الأمر بقصف مثل هذه الأهداف.
وقد أتى هذا التصريح على منصات شبكة بي بي سي الإعلامية المختلفة قبل يومٍ فقط من القصف الفعلي لمستشفى الأهلي المعمداني في غزة من قِبَل قوات الجيش الإسرائيلي.
وانتقدت العديد من الوكالات الإعلامية العربية تغطية الـ بي بي سي التي وصفتها بـأنها كانت تتسم «بالانحياز وعدم المصداقية وتزييف للحقائق»، بل إن «أيادي الـ(بي بي سي) أصبحت ملطخة بدماء الأبرياء من شهداء غزة وكثير منهم من الأطفال الذين قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي مرتكباً جريمة حرب صارخة عندما قصف المستشفى مساء الثلاثاء».
تغطية الـ بي بي سي.. محايدة أم مضللة؟
تساءلت مراسلة بي بي سي، ليز دوسيه يوم الاثنين عمّا إذا كانت حماس «تبني أنفاقاً تحت المستشفيات والمدارس»، ولكن لم يكن هناك أي إجابة جازمة بـ«نعم» لتساؤلها المطروح عشية حادث القصف.
وعلى الرغم من عدم ذكر بي بي سي بوضوح أن حماس لديها أنفاق تحت المنازل والمدارس والمساجد والمستشفيات، فإنها لم تنكر ذلك، وبدلاً من ذلك، قالت إن ذلك «مرجح»؛ الأمر الذي رآه البعض أنه يمنح الشرعية للهجمات الإسرائيلية على الأهداف المدنية والمناطق السكنية بغرض تدمير أهداف حماس.
وعلى صعيدٍ آخر، رأت الـ بي بي سي أنها تقوم بالدور التحليلي الطبيعي لأي وكالة أخبار في تغطية الأحداث وعرض كل الجوانب ومناقشة جميع الاحتمالات، فما هي إلا وسيلة عرض للمشاهد تحلل وتناقش وتطرح التساؤلات، وعلى المشاهد أن يكوّن وجهة نظره وفقاً لحكمه الشخصي.
وفي تغطية الـ بي بي سي أحداث المظاهرات التي اندلعت في أنحاء بريطانيا تأييداً للفلسطينيين، اعتذرت المذيعة بالقناة الإخبارية مريم مشيري عما أسمته بالتغطية «غير الدقيقة والمضللة» للتظاهرات.
وقالت في تغريدة عبر حسابها على إكس، «لقد تحدثنا في وقت سابق عن بعض المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في نهاية الأسبوع، وتحدثنا عن عدة مظاهرات في جميع أنحاء بريطانيا أعرب خلالها الناس عن دعمهم حماس، نحن نقبل أن هذا قد تمت صياغته بشكل سيئ، وكان وصفاً مضللاً للمظاهرات».
وقف واستقالة المراسلين في الشرق الأوسط
وعلى خلفية تغطية الـ بي بي سي الأحداث الجارية في غزة، أوقفت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي ستة مراسلين في الشرق الأوسط عن البث، وفتحت تحقيقاً بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي مدعيةً دعمها أنشطة حماس ضد إسرائيل.
وتطبق هيئة البث قواعد صارمة بشأن الحياد، والتي تشمل أنشطة مراسليها على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما بدت المنشورات التي نُشرت أو تم الإعجاب بها من قِبل مراسلي بي بي سي نيوز العربية، بمن في ذلك الصحفيون المقيمون في مصر ولبنان، تدعم فلسطين أو تنتقد موقف إسرائيل.
هؤلاء المراسلون تم إيقافهم، لكنهم لم يُفصلوا رسمياً عن العمل في المؤسسة الإعلامية البريطانية، في انتظار استكمال التحقيقات الخاصة بهم.
وقد تقدم مراسل بي بي سي في شمال إفريقيا، الصحفي التونسي بسام بونني باستقالته صباح يوم الأربعاء، ونشر تغريدة عبر موقع التواصل إكس (تويتر سابقاً) قائلاً «تقدّمت صباح اليوم باستقالتي من هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي لما يُحتّمه عليَّ الضمير المهني».
تمويل الـ”بي بي سي”
احتفلت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي بمرور 100 عام على تأسيسها منذ بداية انطلاقها عام 1922، وبالنظر لمؤشرات المشاهدة لخدمات البث التلفزيوني لشبكة بي بي سي، يتضح أن المؤسسة الإعلامية البريطانية تدخل في فترة من عدم اليقين مع انخفاض نسب المشاهدة المستمر على مدار السنوات الأخيرة
حققت قناة (بي بي سي الأولي) أكبر وصول أسبوعي بين خدمات تلفزيون بي بي سي في السنة المالية المنتهية في 31 مارس 2023، وشهدت جميع القنوات في التصنيف انخفاضاً في الوصول إلى الجمهور على مدى السنوات الست الماضية.
هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” هي خدمة البث العامة في المملكة المتحدة وأقدم هيئة إذاعية في جميع أنحاء العالم، تأسست في لندن في 18 أكتوبر تشرين الأول 1922، لكن بعد قرن كامل من البث المباشر، تواجه هيئة الإذاعة البريطانية الآن مستقبلاً غامضاً من حيث التمويل.
تجلب أكثر من 70 في المئة من الدخل السنوي لهيئة الإذاعة البريطانية من خلال رسوم الترخيص، ولكن مع إعلان الحكومة إنهاء هذه الضريبة بحلول عام 2027، سيتعين على هيئة الإذاعة البريطانية إيجاد سبل جديدة للبقاء على قدميها.
يأتي التساؤل حول ما الذي يحمله المستقبل لهيئة الإذاعة البريطانية وبرامجها بعدما لم يَعُد المستهلكون مطالبين بدفع الرسوم السنوية، وتتكهن المصادر بأن بدائل التمويل يمكن أن تشمل خدمة الاشتراك، أو الخصخصة الجزئية، أو التمويل الحكومي المباشر.
جريدة الغارديان على خُطى بي بي سي
قالت صحيفة الغارديان إنها لن تجدد عقد رسام الكاريكاتير المخضرم ستيف بيل الذي عبر عن استيائه الأسبوع الماضي في تغريدة على حسابه في منصة إكس، بعد سحب رسمه الكاريكاتوري الذي يُظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وانتقد القرار قائلاً «أصبح من المستحيل تقريباً طرح هذا الموضوع لصحيفة الغارديان الآن دون اتهامها بنشر «استعارات معادية للسامية».
جاء رد فعل الصحيفة باتخاذ قرار بعدم تجديد عقد رسام الكاريكاتير، وقالت صحيفة الغارديان، «تم اتخاذ القرار بعدم تجديد عقد ستيف بيل، لقد كانت الرسوم الكاريكاتورية لستيف بيل جزءاً مهماً من صحيفة الغارديان على مدار الأربعين عاماً الماضية، ونحن نشكره ونتمنى له كل التوفيق».
مصير الخطاب الإعلامي
استمر الصراع العربي-الإسرائيلي على مدار عقود طويلة من الزمن، وباتت القضية الفلسطينية مؤججة لمشاعر المؤيدين لها حول العالم على مدار 75 عاماً منذ عام 1948، ومع انفتاح وسائل الإعلام وتطور سبل النشر والتعبير عن الرأي، انكشفت الجوانب المختلفة لرواية الأحداث وكتابة التاريخ، الأمر الذي جعل العديد من الصحفيين والإعلاميين الذين يؤيدون القضية الفلسطينية ويعملون لدى الوكالات العالمية يقفون الآن في وضع صعب؛ إذ عليهم أن يختاروا بين أمرين، إمّا الاستمرار في وظائفهم واتباع نمط الرواية الخاص بالمؤسسة التابع لها، أو أن يعبروا عن رأيهم المغاير المؤيد لفلسطين بحرية وتحمل خطر فقدان وظائفهم.