تتفق دول العالم على خطورة اتجاه القوى العظمى إلى نشر الأسلحة بمختلف أنواعها في الفضاء الخارجي، ورغم اشتراكها في هذا الهدف، فإنّ روسيا والولايات المتحدة تنقسمان حول كيفية تنفيذ هذا الحظر وسط صراع هيمنة في مجال الفضاء.

تمنع معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 بالفعل الدول الموقعة عليها -بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة- من وضع أي أجسام تحمل أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل في مدار حول الأرض أو تثبيتها على سطح القمر أو أي جرم سماوي أو محطة فضاء.

ومع ذلك، تجددت مخاوف في السنوات الأخيرة بشأن اتجاه بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا والصين إلى تطوير أسلحة نووية وتثبيتها في الفضاء، ما أعاد النقاش حول أهمية سن مشروع قانون داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحظر استخدام الأسلحة في الفضاء، ولكن ما إن تتقدم دولة بنص المشروع ويحين وقت التصويت حتى يحدث انقسام بين مؤيدي روسيا وأميركا.

وقد تكرر ذلك يوم الاثنين، مع فشل مشروع قرار صاغته روسيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو جميع الدول إلى منع نشر أو التهديد أو استخدام أي أسلحة في الفضاء الخارجي «إلى الأبد»، إذ انقسم المجلس بالتساوي بين سبعة أيدوا الولايات المتحدة وسبعة أيدوا روسيا، مع امتناع سويسرا عن التصويت.

وما يثير الارتباك بهذا الشأن أن روسيا طرحت نص المشروع بعد أن استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة الشهر الماضي يدعو الدول إلى منع سباق التسلح في الفضاء الخارجي، ودفع الفيتو الروسي الولايات المتحدة إلى التساؤل عمّا إذا كانت موسكو تخفي شيئاً ما.

وفي ديسمبر كانون الأول 2022، اعتمدت الأمم المتحدة قراراً بقيادة الولايات المتحدة يدعم وقفاً اختيارياً لاختبار الأسلحة المدمرة المضادة للأقمار الصناعية، لكن هذه هي اتجاهات زمن السلم، أما في زمن الحرب، قد تقرر الصين أو روسيا استخدام سلاح يخاطر بتخريب وصولهما إلى الفضاء لحرمان الولايات المتحدة من مزاياها الفضائية.

لماذا تنقسم روسيا وأميركا؟

وجهت واشنطن اتهاماً لموسكو بتطوير سلاح نووي مضاد للأقمار الصناعية لإطلاقه في الفضاء في وقت سابق من هذا العام، وهو ما نفته روسيا، إذ قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن موسكو تعارض وضع أسلحة نووية في الفضاء.

وقد ألمح رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، مايك تورنر، وهو جمهوري من ولاية أوهايو، إلى هذا التهديد الجديد للأمن القومي في فبراير شباط الماضي، وسرعان ما أكد البيت الأبيض ذلك، مشيراً إلى أن مثل هذا السلاح لم يتم نشره، لكنه يشكل تهديداً لأمن البلاد.

وقال نائب السفير الأميركي روبرت وود أمام مجلس الأمن قبل التصويت يوم الاثنين، «نحن هنا اليوم لأن روسيا تسعى إلى صرف انتباه العالم عن تطويرها قمراً صناعياً جديداً يحمل جهازاً نووياً»، كما اتهم روسيا بإطلاق قمر صناعي يوم الخميس إلى مدار أرضي منخفض، والذي تعتقد الولايات المتحدة أنه على الأرجح سلاح فضائي مضاد قادر على مهاجمة الأقمار الصناعية الأخرى الموجودة في مدار أرضي منخفض.

من جانبه، ردّ سفير روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا بنفي هذه التهمة قائلاً «لم أفهم تماماً ما الذي كان يتحدث عنه»، وأشار إلى أن مشروع القرار الروسي يشمل أسلحة الدمار الشامل وكل أشكال الأسلحة الأخرى ويهدف إلى وقف سباق التسلح في الفضاء الخارجي.

تداعيات تسليح الفضاء

يتزايد الاستثمار في مجال الفضاء، مع توقعات بأن تبلغ قيمة اقتصاد الفضاء 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2035 مع تزايد انتشار التقنيات المعتمدة على الأقمار الصناعية والصواريخ، وفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الصادر في أبريل نيسان 2024.

ونظراً لاعتماد التكنولوجيا الحديثة على الفضاء بدءاً من التنبؤات الجوية والملاحة حتى الأجهزة الذكية التي أصبحت في كل مكان على نحو متزايد مثل الساعات الذكية، سيكون هناك تكلفة باهظة تتمثل في فقدان جميع هذه الميزات وتَعَطُل سوق تجاوزت قيمته 440 مليار دولار في عام 2023.

وحذر المسؤولون الأميركيون الذين تحدثوا لشبكة CNN في وقت سابق من أن السلاح الروسي المضاد للأقمار الصناعية قد يجعل أجزاء من الفضاء ذات أهمية بالغة بالنسبة للاقتصاد الأميركي والأمن القومي غير صالحة للاستخدام لمدة تصل إلى عام.

وقال تونر إن نجاح العمليات العسكرية الأميركية يفترض توفر الفضاء، حيث تؤدي الأقمار الصناعية كل أو أجزاء من الوظائف الحيوية، مثل الملاحة والإنذار الصاروخي والاتصالات، وبالتالي فإن تعطل هذه الأنظمة من شأنها شلّ حركة الجيش الأميركي.

وكانت المرة الأخيرة التي اضطر فيها الجيش الأميركي للقتال دون اتصالات عبر الأقمار الصناعية في الحرب الكورية، إذ أُطلق أول قمر صناعي للاتصالات في الستينيات، ثم بدأ نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في السبعينيات.

وبينما تعمل الولايات المتحدة مع شركاء دوليين لمنع روسيا من تطوير هذا السلاح، فإنها تحتاج إلى الاعتراف بحقيقة مزعجة وهي أنه يمكن للخصم استخدام سلاح يترك الجيش الأميركي دون الوصول إلى بعض أو كل قدراته الفضائية، إن مثل هذه الخسارة ستكون مدمرة للأمن القومي الأميركي، وعلى نطاق أوسع، لسبل عيشنا.

وقد يؤدي تعطيل الأقمار الصناعية لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) إلى إجبار فصيلة من مشاة البحرية على التنقل باستخدام البوصلة والخريطة، وهي الطريقة نفسها التي استخدمها أجدادهم في غوادالكانال وإيو جيما في الحرب العالمية الثانية، كما ستواجه الولايات المتحدة صعوبة في اكتشاف إطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات أو تفجيرات نووية بدون أقمار صناعية.

ومع ذلك لم تكشف روسيا بشكل رسمي بعد عن تطوير سلاح نووي مضاد للأقمار الصناعية، وسط اعتراف عالمي بأن استخدام أسلحة فضائية معينة سيكون سيئاً للجميع، كما لم تقم أي دولة بإجراء اختبار مدمر مضاد للأقمار الصناعية منذ ما يقرب من ثلاث سنوات بحسب تقرير لشبكة CNN.