بعد إعلان إندونيسيا تراجعها عن خطط لشراء 12 طائرة مقاتلة مستعملة من طراز (ميراج 2000-5) فرنسية الصنع، وكانت تستخدمها قطر بقيمة 790 مليون دولار أميركي بسبب القيود على الميزانية، نستعرض في هذا التقرير لماذا تلجأ الدول إلى مثل هذه الصفقات؟ وكيف تبدو سوق الطائرات المقاتلة حالياً؟
الطائرات المقاتلة هي العمود الفقري للقوات الجوية، إذ إنها غالباً ما تكون الأكثر أهمية، فالمقاتلات الحديثة السريعة والقوية يمكنها أن تؤدي أدواراً متعددة.
وعلى الرغم من أن العديد من الدول تخصص جزءاً من ميزانيتها لعقد صفقات شراء طائرات مقاتلة أقدم وأرخص، فإن أقوى الجيوش في العالم تحافظ على مكانتها بامتلاكها أحدث الطائرات والمعدات.
وكلما كانت الطائرة أكثر تطوراً، كانت أكثر فاعلية في أداء مناوراتها، لذلك، غالباً ما تُستخدم أحدث التقنيات في الطائرات المقاتلة، فالمحركات القوية وأنظمة الأسلحة المعقدة والرادارات المتطورة تسمح لهذه الطائرات بأن تكون متعددة الأدوار.
كما تستخدم بعض الطرازات (الشبحية) المتطورة تصميمات التخفي لتقليل بصمة الطائرات على أجهزة الرادار، وتتميز أحدث الطائرات المقاتلة وأكثرها تقدماً بأجهزة كمبيوتر معقدة وروابط اتصال لمعالجة البيانات ومشاركتها.
حجم سوق الطائرات المقاتلة في العالم
يُقدّر حجم سوق الطائرات المقاتلة بمبلغ 45.64 مليار دولار أميركي في عام 2023، ومن المتوقع أن يصل إلى 54.79 مليار دولار أميركي بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 3.72 في المئة خلال فترة التنبؤ، وفقاً لمجموعة موردور إنتليجنس.
وتدفع التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين الدول إلى الاعتماد على الطائرات المقاتلة المتقدمة لتحديث الأساطيل الحالية وتعزيز قدراتها الدفاعية الجوية، بينما قد تعوق قيود الميزانية نمو السوق، خاصة بالنسبة للبلدان النامية التي قد تختار تحديث المقاتلات القديمة الحالية لخفض التكاليف، أو شراء الطائرات المستعملة بدلاً من الاستثمار في الطائرات المقاتلة الجديدة من الجيل الأحدث.
أما عن أسعار المقاتلات، فتحتل المقاتلة إف-35 لشركة لوكهيد مارتن صدارة القائمة بسعر 177 مليون دولار أميركي للطائرة الواحدة، بينما المقاتلة من طراز إف-16 بلوك 70/72 للمُصنع نفسه تتذيل قائمة أغلى 10 مقاتلات في 2024 بسعر 63 مليون دولار، وتتضمن القائمة أيضاً طائرتي بوينغ وأخرى أنتجتها شينيانغ صينية- الصنع.
وفقاً لشركة فلايت غلوبال، هناك نحو 53 ألفاً و401 طائرة عسكرية نشطة في العالم في عام 2024، وتمتلك الولايات المتحدة نحو 25 في المئة منها (13209)، أما روسيا فلديها أسطول يشكّل نسبة ثمانية في المئة، والصين تمتلك نسبة ستة في المئة من إجمالي الطائرات العسكرية في العالم، ويشمل ذلك المقاتلات والقاذفات والناقلات وطائرات الشحن وطائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والمروحيات.
وتتغيّر أعداد الطائرات النشطة في الأساطيل العسكرية حول العالم، إذ تتحطم الطائرات العسكرية طوال الوقت، على سبيل المثال فقدت روسيا نحو 175 طائرة في أوكرانيا خلال 16 شهراً.
لماذا تهيمن دول بعينها على صناعة الطائرات المقاتلة؟
في عام 1980، كان لدى كل من جنوب إفريقيا وتايوان ويوغوسلافيا والبرازيل ورومانيا وإسرائيل واليابان والهند، من بين بلدان أخرى، مخططات لتوطين صناعة الطائرات المقاتلة، بحسب مقال نشرته فورين بوليسي، وبالفعل صُنع عدد ضئيل من هذه الطائرات في بعض البلدان، ولكن اختفى معظمها بحلول 1990.
أدت العديد من الأسباب لانهيار تلك المخططات الوطنية، فمع تقلص ميزانيات الدفاع بعد الحرب الباردة، تقلّصت كذلك سوق المقاتلات العالمية، وتحررت الاقتصادات، وانخفضت الحواجز التجارية، وفي الوقت ذاته انتعشت سوق بيع الطائرات المقاتلة الجاهزة في الولايات المتحدة، وسيطرت طائرات لوكهيد مارتن إف-16 على السوق، إذ كانت تقدم قيمة هائلة مقابل المال.
وبين عامي 1991 و1995، قام المصنعون الغربيون ببناء 1667 طائرة مقاتلة؛ 727 منها كانت من طراز إف-16، و597 من الأنواع الأميركية الأخرى، وفقاً لبيانات إيرو داينامك أدفايزوري.
ثم صنّعت الولايات المتحدة المقاتلة إف-35 جوينت سترايك فايتر، التي دخلت الخدمة في عام 2015، وعززت تلك الطائرة هيمنة واشنطن التصديرية في سوق الطائرات المقاتلة العالمية.
ومع وجود أكثر من 20 عميل تصدير حتى عام 2021 حول العالم، حققت الطائرة إف-35، مثل سابقتها، نجاحاً كبيراً.
لكن إف-35 هي نتاج حقبة ما بعد الحرب الباردة، عندما كانت الدول راضية بشراء منتجات جاهزة، ومع دخول منافسين جدد إلى السوق، لن تكون إف-35 كافية لنقل الصناعة الأميركية إلى المستقبل.
وتُعد اليابان مثالاً جيداً على ما آلت إليه برامج توطين صناعة المقاتلات، في عام 1990 إذ أنفقت مليارات الدولارات لتطوير ميتسوبيشي إف-2 وقوبلت بمخاوف في واشنطن حول نقل التكنولوجيا الذي قد ينتهي إلى نهاية ريادة الولايات المتحدة في صناعة الطائرات المقاتلة والصادرات الدفاعية، ولكن أخيراً أدركت اليابان أن ما قامت به هو إهدار لأموالها في إعادة اختراع طائرات تحاكي إف-16 بعدما أنتجت أقل من 100 طائرة فقط.
وباتت اليابان حالياً تعتمد على شراء طائرات إف-35 الأميركية الجاهزة للاستخدام، ولكن على الرغم من اعتمادها على المقاتلات الأميركية، فقد تعاونت اليابان مع المملكة المتحدة للمشاركة في تطوير طائرة جديدة لتُبنى في كلا البلدين، على أن تتوقف لندن وطوكيو عن شراء طائرات إف-35 وتبدآن في بناء طائراتهما المشتركة بحلول أواخر ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين.