خلال العام الماضي شهدت البنوك الأميركية تقلبات استثنائية، بدءاً من الإفلاسات حتى صفقات الاندماج والاستحواذ بالقطاع المصرفي، ومع بداية 2024 نجا بنك (نيويورك كوميونيتي) من حافة الهاوية بأعجوبة، بعدما تلقى سيولة نقدية بنحو مليار دولار.
وعانى القطاع المصرفي الأميركي في 2023 موجة من انهيار البنوك متوسطة الحجم وعلى رأسها سيليكون فالي وسيغنتشر وفيرست ريبابليك.
وشكَّل انهيار سيليكون فالي وفيرست ريبابليك القلق الأكبر نظراً لضخامة قيمة أصولهما البالغة 209 مليارات و229 مليار دولار -على الترتيب- آنذاك.
واستمراراً لتداعيات تلك الأزمة، سجّل بنك نيويورك كوميونيتي خسائر فصلية قياسية، وتراجعت أسهمه بنسبة 40 في المئة، بعدما اشترى أصولاً في بنك سيغنتشر الذي واجه الفشل في العام الماضي.
وأعاد الانخفاض المدوي لأسهم نيويورك كوميونيتي إلى الأذهان فشل الإدارة في النظام المصرفي الأميركي، إذ أصبحت المخاطر المتتالية تهدد ميزانية البنوك، فما المشكلة الأساسية في هذا النظام؟
الديون هي المصدر الأول لأصول البنوك
قال أستاذ المالية في كلية كولومبيا للأعمال، توماس بيسكورسكي، إنه لا يوجد فرق كبير في المشكلات التي تلاحق البنوك الأميركية الكبيرة والصغيرة، موضحاً أن « تمويل البنك التقليدي في الولايات المتحدة الأميركية يأتي من الديون بنسبة 90 في المئة تقريباً، وبمعنى آخر إن كانت أصول البنك تبلغ نحو 100 مليون دولار، فإن 90 مليون دولار منها عبارة عن ديون، و10 ملايين دولار هي حقوق ملكية».
وأضاف أن هذا يعني أنه حتى الانخفاض المتواضع نسبياً في قيمة الأصول قد يتسبب في إفلاس البنك؛ خاصة إذا قرر المودعون سحب أموالهم.
هذا هو السبب الرئيس لأزمة بنك سيليكون فالي في مارس آذار 2023، وبعد عام من إفلاسه -الذي اُعتبر أكبر فشل لنظام مصرفي أميركي- منذ أزمة عام 2008 المالية، لم تتمكن الجهات التنظيمية من حل هذه الأزمة وتعزيز أصول البنك.
وحول هذه الواقعة، أفاد بيسكورسكي بأن الجهات التنظيمية تتطلع إلى خفض أسعار الفائدة بشكل كبير، ما قد يعظم من أصول البنك.
كيف تتصدى البنوك الأميركية لخطر الإفلاس؟
لكن مع استمرار سياسة الاحتياطي الفيدرالي في رفع سعر الفائدة لمكافحة التضخم، ما الإجراءات التي يمكن اتخاذها للحد من الأزمات التي تلاحق البنوك الأميركية، وتجنبها خطر الإفلاس؟
قد تكون الإجابة الأكثر وضوحاً والتي لا تفضلها الصناعة المصرفية، هي زيادة مقدار الأموال التي يتعين على البنك الاحتفاظ بها كاحتياطي.
وظهر رفض الصناعة المصرفية لهذا الاقتراح بشكل واضح خلال شهادة رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، أمام الكونغرس قبل أيام، إذ واجه باول انتقادات لاذعة من الجمهوريين بشأن مجموعة من القواعد المصرفية التنظيمية الجديدة، الشهيرة باسم (بازل 3) والتي تطالب البنوك بالاحتفاظ بمزيد من رأس المال؛ بهدف تغطية أي خسائر محتملة.
وتأتي معارضة المصارف لهذا الاقتراح في ظل مخاوفها من تراجع أرباحها، إذ يجبرها ذلك على تجنيب مبالغ كبيرة للالتزام بالحدود المطلوبة من الاحتياطي النقدي، ما يضطرها إلى تقليص القروض المقدمة للعملاء ويلحق الضرر بالاقتصاد في نهاية المطاف.
بنوك الظل.. المصدر الأكبر للإقراض
ووفقاً لبحث بيسكورسكي مع ثلاثة من زملائه، بعنوان ( التراجع المزمن في إقراض الميزانية العمومية للبنوك) المنشور في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية خلال فبراير شباط الماضي، فإن البنوك الحديثة لا تمثل سوى ثلث إجمالي الإقراض للأسر والشركات، أما الباقي فيعود إلى مؤسسات غير مصرفية يطلق عليها بنوك الظل.
وعلى الرغم من أن بنوك الظل تكون أقل تنظيماً، فإنها تتمتع برأس مال أفضل بكثير لحماية نفسها؛ لأنها لا تتمتع بالقدرة ذاتها على الوصول إلى شبكات الأمان الممولة من دافعي الضرائب.
ويضيف البحث أن البنوك الأميركية يمكنها الالتزام بمتطلبات رأس المال رغم اعتراضها على بازل 3.
وأوصى البحث باتخاذ الإجراءات المناسبة لمعالجة جذور المشكلة وتعزيز قدرة البنوك على مواجهة المخاطر، خاصة أن الأعمال المصرفية ترتبط دائماً بزيادة نسبة المخاطر.
(أليسون مورو – CNN)