يعتزم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التركيز على إعادة فتح ملف اتفاق الحبوب عبر البحر الأسود، في القمة الروسية التركية المنتظر عقدها يوم الاثنين، في إطار زيارته إلى موسكو للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

قال كبير مستشاري الرئيس التركي للسياسة الخارجية والأمن، عاكف جغطاي قليج، في مقابلة تليفزيونية وفقاً لرويترز، «إننا نلعب دوراً رئيسياً هنا، نرى دعماً قوياً من أنحاء العالم لتفعيل ممر الحبوب».

كيف يمكن أن تؤثر زيارة أردوغان في اتفاق الحبوب؟

تشكل تركيا طرفاً مهماً في اتفاق الحبوب أو ما يُعرف باسم «مبادرة البحر الأسود»، الذي يجمعها مع روسيا وأوكرانيا بقيادة الأمم المتحدة، وكان الأطراف المعنيون قد وقعوا الاتفاق في يوليو تموز 2022، بهدف عودة صادرات الحبوب الأوكرانية إلى مستوياتها قبل الغزو الروسي البالغ نحو 5 ملايين طن متري شهرياً، ما يؤثر على العديد من الدول النامية ومنها بعض الدول العربية.

لا يقتصر الدور التركي في اتفاق الحبوب على توقيع المبادرة فحسب، بل إنها لعبت دور الوسيط سابقاً لإقناع موسكو بتمديد الاتفاق، ما نتج عنه إعلان الخارجية الروسية تمديد اتفاق الحبوب لمدة 60 يوماً ينتهي العمل بها في مايو أيار 2023.

لكن موسكو كشفت في 17 يوليو تموز الماضي، عن رفضها تجديد اتفاق الحبوب عبر البحر الأسود وانسحابها، ما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية.

تعقيدات تحيط بعودة الاتفاق

من جهتها، تتطلع أنقرة إلى تحقيق النجاح في إعادة موسكو إلى اتفاق الحبوب عبر موانئ البحر الأسود مجدداً، لكنها تدرك التعقيدات التي يمكن أن تواجهها خاصة في ما يتعلق بالحبوب الروسية وأنظمة الدفع الدولية.

قال قليج «إننا نأمل في تحقيق النجاح؛ لأن هذا الوضع يؤثر على العالم بأسره»، مضيفاً «قرار الرئيس الروسي مهم، لذلك أعتقد أن الاجتماع الثنائي مع أردوغان سيلعب الدور الأكثر أهمية في قضية اتفاق الحبوب».

وأوضح قليج أن أنقرة تدرك التعقيدات الفنية المحيطة بالاتفاق، قائلاً «إن المشكلة تتعلق أيضاً بأنظمة الدفع الدولية مثل (سويفت)، ما يشكل تحدياً متعدد الأوجه».

يسمح نظام «سويفت» -وهو الاختصار لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك- بالانتقال السريع للمال عبر الحدود، إذ يربط بين 11 ألف بنك ومؤسسة في أكثر من 200 دولة حول العالم، وذلك منذ إنشائه عام 1973، ويساعد في تعزيز أمان التجارة الدولية الآمنة، دون الانحياز إلى أحد أطراف النزاعات، لهذا دعت أوكرانيا القادة الأوروبيين إلى حظر روسيا من النظام.

حرب اقتصادية بين روسيا وأوكرانيا

على الرغم من العقوبات الغربية على موسكو، والقيود المالية المفروضة عليها، فإن الحرب الاقتصادية اشتعلت عندما انسحبت روسيا من اتفاق الحبوب عبر البحر الأسود، الذي مر بالفعل بأوقات عصيبة.

في فبراير شباط الماضي، دعت أوكرانيا المجتمع الدولي إلى مطالبة الاتحاد الروسي بالتوقف الفوري عن تقويض الاتفاقية، وإلغاء الحظر المفروض على الملاحة التجارية المتوجهة إلى الموانئ الأوكرانية، واستخدام الغذاء كسلاح.

ومع دخول الانسحاب حيز التنفيذ، أظهر مسار الأحداث أن موسكو تستهدف المراكز الرئيسية للحبوب في أوكرانيا للرد على العقوبات الغربية.

منذ الانسحاب، أصبح نهر الدانوب طريقاً رئيسياً لأوكرانيا لتصدير الحبوب منذ يوليو تموز، ليتيح ممراً آمناً لصادرات كييف من الحبوب والبذور الزيتية والزيوت النباتية عبر موانئ البحر الأسود، إلا أن موسكو قررت الهجوم على المرفأ الأوكراني الواقع على نهر الدانوب، ما تسبب في ارتفاع أسعار القمح وخسائر في السلع تُقدّر بنحو 12 مليون دولار، بحسب رويترز.

بدورهم، قال مسؤولون أوكرانيون إن طائرات مسيرة روسية قصفت البنية التحتية بميناء على نهر الدانوب بالغ الأهمية لصادرات الحبوب الأوكرانية، ما أدى لإصابة شخصين على الأقل في الهجوم على الأجزاء الجنوبية من منطقة أوديسا يوم الأحد.

يأتي ذلك ليزعزع حالة التفاؤل عقب مرور ثاني سفينة -كانت تحمل منتجات صلب إلى إفريقيا- في أغسطس آب، من ميناء أوديسا بأوكرانيا عبر ممر مؤقت بالبحر الأسود، منذ انسحاب روسيا من اتفاق الحبوب.

وتعليقاً على ذلك، قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن «عبور سفينة ثانية من أوكرانيا عبر ممر مؤقت بالبحر الأسود، ليس له علاقة باتفاق حبوب جديد يشمل روسيا».

وكانت سفينة حاويات ترفع علم هونغ كونغ، عبرت من الممر ذاته دون أن تتعرض للهجوم، وذلك بعدما كانت عالقة في ميناء أوديسا منذ الغزو.

تأثير اتفاق الحبوب على الدول النامية

تزداد مخاوف انعدام الأمن الغذائي جراء أزمة اتفاق الحبوب، نظراً لتأثيره على العديد من الدول النامية، فقد تسلمت الصومال 84 ألف طن من القمح من أوكرانيا في 2022، وفقاً لبيانات تجارية من الأمم المتحدة.

كما سمح اتفاق الحبوب منذ توقيعه بتصدير نحو 31.5 مليون طن من الحبوب شملت الذرة، وزيت عباد الشمس، والقمح، إضافة إلى أكثر من 1600 سفينة عبر البحر الأسود، وتوجهت نحو 55 في المئة من الصادرات الغذائية إلى البلدان النامية.

وتسبب اتفاق الحبوب في تراجع أسعار الغذاء العالمية بنحو 20 في المئة، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

وتمثل أوكرانيا نحو 10 في المئة من سوق القمح العالمية، و15 في المئة من سوق الذرة، و13 في المئة من سوق الشعير، إضافة إلى دورها الأساسي في سوق زيت عباد الشمس.

بدورها، حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو» وبرنامج الأغذية العالمي من تدهور الأمن الغذائي أكثر في 18 نقطة ساخنة للجوع في 22 دولة في الفترة المتوقعة من يونيو حزيران إلى نوفمبر تشيرن الثاني 2023.

وتظل أفغانستان ونيجيريا والصومال وجنوب السودان واليمن مصدر قلق كبير للتوقعات في الفترة ذاتها، كما رُفع مستوى هايتي والسودان وبوركينا فاسو ومالي إلى مستويات تثير القلق الأكبر.