عشت العديد من لحظات التأهب والقلق بصفتي مراقبة رسمية لمفاوضات الاتفاقية الإطارية المعنية ب التغير المناخي منذ عام 2009.

بالأخص خلال فترة تلك المناقشات التي سيطرت عليها الدول المسببة للتلوث، مثل مؤتمر الأطراف 19 بعاصمة بولندا، وارسو، حيث كان من الصعب علينا كمراقبين إجراء مناقشات في ظل وجود قمة للفحم الحجري ودعم شركات الوقود الأحفوري، ولذلك انسحب المجتمع المدني لأول مرة من المناقشات كخطوة للضغط على جميع الأطراف لإيجاد حل سياسي جذري لكارثة التغير المناخي.

كما كانت هناك لحظات فخر وسعادة بالإنجاز التاريخي لنا كمدافعين ومراقبين على المفاوضات المتعلقة بالتغير المناخي بباريس، حينما تم الإعلان عن قرار اتفاقية باريس التي مثلت بالنسبة للعالم أجمع وخصوصاً للأشخاص المراقبين للمناقشات إنجازاً كبيراً، فلأول مرة تتفق الدول على تقليل الانبعاثات من الغازات الدفيئة بسبب النشاط الإنساني اللامسؤول منذ بدء الثورة الصناعية المتمثلة بحرق الوقود الأحفوري بأشكاله، والحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض واحد ونصف درجة مئوية عما قبل الثورة الصناعية.

نحن اليوم بمكان أفضل لمحاربة التغير المناخي بفضل اتفاقية باريس، حيث إن أكثر من 190 دولة تعهدت بالتزامها بالحد من انبعاثاتها، لكن المساهمات المحدودة محلياً التي قدمتها الدول آنذاك لم تكن كافية، ولذلك تم الاتفاق على منهجية جديدة لرفع مستوى الطموح بتخفيف الانبعاثات كل خمس سنوات حتى لا يصل مستوى ارتفاع الحرارة إلى ثلاث درجات مئوية، وهو ما كان يمثل المساهمات المحددة محلياً وقتها، وهذه المنهجية سميت بالحوار التيسيري أو التقييم العالمي التي ستتم لأول مرة، ويجب أن نرى ثمارها تحت رئاسة مؤتمر الأطراف المعني بالتغير المناخي الحالية بالإمارات بمؤتمر الأطراف ( كوب 28).

تتضمن اتفاقية باريس الكثير من التفاصيل ليس فقط حول كيفية التخفيف من الانبعاثات، ولكن أيضاً عن أهمية التكيف مع التغيرات المناخية الحالية، حيث تم الاتفاق على وضع هدف عالمي للتكيف أُعلن عنه خلال مؤتمر الأطراف (كوب 27) بشرم الشيخ، واليوم تتجه الأنظار إلى مؤتمر الأطراف الإماراتي لتنفيذه، وخصوصاً بعد الكوارث المناخية التي يشهدها العالم اليوم، إذ سُجلت أعلى درجات حرارة في تونس والعراق بواقع 50 درجة مئوية، وحرائق الجزائر التي أسفرت عن عشرات القتلى وغيرها من الكوارث المناخية والطقس المتطرف الذي يعصف بالعالم أجمعه.

وللأسف، لغاية يومنا هذا لم تُحل المعضلة الأخلاقية الأساسية وهي تمويل التغير المناخي للتخفيف والتكيف، فتم تمديد التزام كوبنهاغن بحشد 100 مليار دولار سنوياً من الدول المتقدمة المتسببة تاريخياً بالتغير المناخي الذي نعيشه اليوم لعام 2020، وتمديده لعام 2025 تحت اتفاقية باريس، التمويل هو حجر الأساس للالتزام بالتخفيف ومن دونه سيكون من الصعب الالتزام بالواحد والنصف درجة مئوية المتفق عليها.

وقد جاء في «تقرير الظل لتمويل المناخ 2023» الصادر عن منظمة «أوكسفام» أن المانحين يزعمون حشد ما قيمته 83.3 مليار دولار في عام 2020، بينما كانت القيمة الحقيقية لإنفاقهم -على الأكثر- 24.5 مليار دولار، أي أن المطالبة بمقدار 83.3 مليار دولار ما هي إلا مبالغة في التقديرات، فهي تشمل المشاريع التي بالغت بأهدافها أو كقروض تم الاستشهاد بها بقيمتها الاسمية فقط.

وبحسب التقرير السادس لتقييم المناخ من قبل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) فإن العقد الأخير كان أسخن من أي فترة زمنية أخرى خلال الـ125 ألف سنة الماضية، ومن المتوقع أن تصل درجة الحرارة في العالم إلى ما بعد الـ1.5 درجة مئوية خلال أقل من عقدين بسبب أنشطتنا اللامسؤولة.

ويورد التقرير سيناريوهات عدة، منها ما سيصل بنا إلى أعلى من خمس درجات بنهاية القرن، أمَّا عن السيناريو الطموح جداً، فيمكننا أن نصل إلى 1.6 ونعود الى 1.5 لاحقاً، وبجميع السيناريوهات سوف يذوب الجليد بالقطب الشمالي مرة سنوياً قبل سنة 2050، ما يعني زيادة بالفيضانات والأعاصير وارتفاع منسوب البحر وغيرها من الكوارث الطبيعية التي ستصبح سنوية.

وبحسب الهيئة سيتطلب خفض الانبعاثات من الغازات الدفيئة لتلبية 1.5 درجة حرارة مئوية «انتقالات سريعة وبعيدة المدى» عبر الجميع قطاعات الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، ويجب خفض الانبعاثات بنسبة 45 في المئة بحلول عام 2030 للبقاء ضمن المعدل المطلوب.

نقف اليوم على مفترق طرق وعلينا المباشرة بتنفيذ الحلول الآتية:

  • الانتقال العادل للطاقة المتجددة والتخلص التدريجي العادل والمنصف للوقود الأحفوري: ليتمكن العالم من الحد من ارتفاع درجة الحرارة عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية على جميع الأطراف الالتزام بالانتقال العادل للطاقة المتجددة وخصوصاً المثبت منها حسب قدرة كل دولة، وعدم مبادلة التكنولوجيا غير المثبتة فاعليتها مثل تخزين الكربون كبديل عن الاستثمار بالطاقة المتجددة، ولذلك على الدول المتقدمة القادرة بالانتقال أن تلتزم بوعودها لتحقيق الهدف العالمي المتمثل في إبقاء الاحترار أقل من 1.5 درجة مئوية، ويجب على البشرية تقليل انبعاثات الكربون بشكل كبير، الأمر الذي يتطلب تغييرات جذرية في كيفية إدارة المستثمرين والشركات للأعمال والسياسات العامة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.

  • المجتمعات المحلية والأكثر هشاشة أولاً: يجب على مشاريع الطاقة أن تتبنى نهجاً تشاركياً، وتتحلى بالشفافية، وأن تكون خاضعة للمساءلة وخصوصاً أن المتأثر الأكبر من التغير المناخي هو المجتمعات الأكثر هشاشة، والنساء والأطفال واليافعون.

  • تحويل التمويل: تحويل التمويل العام والخاص بعيداً عن الوقود الأحفوري الضار.

  • محاربة اللامساواة والتشديد على الملوثين: على الملوثين من المستثمرين والقطاعات أن يتحملوا مسؤولية تلويثهم، وعلى صناع القرار معالجة اللامساواة الشديدة واستهداف الانبعاثات المفرطة المرتبطة باستهلاك واستثمارات أغنى أغنياء العالم للحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية في باريس على قيد الحياة.

  • مراجعة المساهمات المحددة محلياً والالتزام بها على أرض الواقع: حيث إن آخر تحليل قامت به اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي يوضح أن الالتزامات الحالية ستزيد الانبعاثات بنسبة 10.6 في المئة بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2010، يعد هذا تحسناً مقارنة بتقييم العام الماضي، والذي وجد أن البلدان كانت في طريقها لزيادة الانبعاثات بنسبة 13.7 في المئة بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2010.

علينا أن نتحرك الاَن، وأن نعمل معاً من أجل إنقاذ مستقبلنا المشترك، نستطيع إنقاذ البشرية من خطر التغير المناخي فقط في حال وجود إرادة سياسية حقيقية بالالتزام بالتعهدات والوعود، وبالعمل الجاد نحو حل المشكلة.

* صفاء الجيوسي هي مستشارة العدالة المناخية في «أوكسفام».

** الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».