بدأ العد التنازلي لاستضافة دولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كوب 28.
ويعد هذا المؤتمر حدثاً تاريخياً بحد ذاته حيث يجمع تقريباً جميع دول العالم بهدف مراجعة ما حققته هذه الدول من تقدم في إطار التزاماتها بما اتُفق عليه في مؤتمر باريس لتغير المناخ في عام 2015 للحد من تأثيرات التغير المناخي.
أن تتصدر دولة خليجية المشهد الدولي في هذا الشأن يعتبر خطوة جريئة بالفعل، بالنظر إلى أن دول الخليج تعد من أكبر منتجي ومصدري النفط في العالم، لذا فقد كان متوقعاً أن يلقي إعلان استضافة دولة الإمارات لهذا المؤتمر التاريخي الضوء على سياسات دول مجلس التعاون في مجال تغير المناخ والاستثمارات الضخمة التي تمت وتم الإعلان عنها في السنوات الأخيرة في قطاع ما بات يُسمى «اقتصاد المناخ» أو الاستدامة والقائم بشكل رئيسي على الاستفادة من التقدم التكنولوجي المتسارع والبيئة المناخية المحيطة بهذه الدول: الشمس والصحراء.
تأثير التغير المناخي على الاقتصاد
من المعروف أن للتغيرات المناخية تأثيرات سلبية لا يُستهان بها على الاقتصاد العالمي، ويتوقع الخبراء أن تتفاقم هذه التأثيرات في المستقبل القريب جداً، ومن تلك التأثيرات تدهور البُنية التحتية، وتقلص الإنتاج الزراعي بسبب التفاوت في مواسم الأمطار ما يهدد بنقص حاد في الغذاء لا سيما في الدول النامية، كما تزداد تكلفة القطاع الصحي بسبب الظروف الجوية القاسية وظهور أنماط جديدة من الفيروسات.. كما تشكو كثير من الدول من تأثير التغير المناخي على قطاع السياحة بسبب الظروف الجوية والفيضانات وارتفاع درجة الحرارة، فمنظمة السياحة العالمية تتوقع أن تكون الخسائر في هذا القطاع نحو 40 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.
فكان من المهم أن تتجه دول العالم إلى تطوير قطاع الاقتصاد المستدام بهدف الحد من تأثيرات التغير المناخي وتعويض خسائر الاقتصاد التقليدي.. اليوم، بات هذا القطاع من أسرع القطاعات الاقتصادية نمواً عالمياً، ولذا يمكن بسهولة ملاحظة تزايد الاهتمام الخليجي بقطاع المناخ خلال السنوات القليلة الماضية، والذي لا شك يعتبر ضرورة ملحة نظراً للظروف المناخية في دول المجلس، مثل الطقس الحار ورياح السموم المتربة وندرة الأمطار.
اقتصاد المناخ.. وجهة دول الخليج الجديدة
وفي هذا الصدد، اعتبرت دول خليجية أن تنمية هذا القطاع ستسهم في شكل إيجابي لخططها لتطوير اقتصاد ما بعد النفط، حيث تدرك دول المجلس أن إيرادات النفط لن تستمر إلى الأبد بهذا السخاء.. فعلى سبيل المثال أعلنت دولة الإمارات، على لسان رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، منذ سنوات أنها ستحتفل حين تصدر آخر برميل نفط بحلول نهاية العقود الخمسة المقبلة.
وعلى هذا الأساس، يتم العمل في دولة الإمارات بشكل جدي ومتسارع على تطوير هذا القطاع، حيث بدأت منذ سنوات الاستثمار بمبالغ ضخمة في تطوير الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة الشمسية والرياح، فضلاً عن إدارة الموارد المائية، وتطوير الزراعة المستدامة وتطوير النقل المستدام غير المضر بالبيئة والحفاظ على التنوع البيولوجي.
وفي هذا المجال، تبرز جهود مؤسستين كبيرتين في أبوظبي ودبي، ففي العاصمة الإماراتية تقوم «مبادلة»، وهي في الأساس «صندوق ثروة سيادي» تأسس في عام 2002، باستثمارات هائلة محلياً ودولياً في الاقتصاد المستدام، مركزة جهودها على الطاقة المتجددة والمياه وإدارة النفايات.
فعلى سبيل المثال، وقعت “مبادلة” اتفاقاً مع شركة «تاتا» الهندية العام الماضي بقيمة 525 مليون دولار في مجال الطاقة المتجددة، كما حازت في العام نفسه نسبة 100 في المئة من ملكية شركة «سكايبورن رينيوابلز» للطاقة المتجددة والتي تعتبر أكبر مطور للطاقة من الرياح البحرية في العالم، كما عقدت مؤخراً شراكة مع مؤسسة «جلوبال ووتر إنتليجنس» لتطوير محطة لتحلية المياه في العاصمة الإماراتية وتقوم ببناء محطة ضخمة في رأس الخيمة لتدوير النفايات وتحويلها إلى طاقة. القيمة الإجمالية لاستثمارات مبادلة في هذا القطاع بلغت في العام الماضي ما يزيد على 29 مليار دولار.
وفي دبي، يعد مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، الذي تنفذه هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا)، «أكبر مشروع لإنتاج الطاقة الشمسية في موقع واحد في العالم»، وفق تصريح الهيئة.
وستبلغ قدرته الإنتاجية خمسة آلاف ميغاوات بحلول عام 2030، باستثمارات إجمالية تصل إلى 50 مليار درهم.
كوب 28.. كل ما تريد معرفته عن مؤتمر المناخ
وعند اكتماله، وفقاً للهيئة، سيسهم المجمع في تخفيض أكثر من 6.5 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً، وتؤكد ديوا أن المجمع سيكون أحد أعمدة تحقيق أهداف استراتيجية دبي ودولة الإمارات للطاقة النظيفة 2050 واستراتيجية «الحياد الكربوني» لإمارة دبي لتوفير كامل القدرة الإنتاجية للطاقة من مصادر الطاقة النظيفة بحلول ذلك العام.
جهود هذه المؤسستين موازية لما تقوم به دول أخرى في المنطقة كالمملكة العربية السعودية التي جعلت تطوير قطاع اقتصاد المناخ جزءاً مهماً في رؤية 2030 لا سيما تطوير مدينة نيوم الجاري حالياً، والتي يُخطط لها أن تكون «واحدة من أكثر المدن المستدامة والصديقة للبيئة في العالم»، وفقاً لما أعلنته المملكة.
فقد تم تصميم المدينة لتكون «مستدامة» بشكل كامل، عبر توفير مصادر الطاقة المتجددة والاستفادة من الشمس والرياح والطاقة البحرية، واستخدام «تكنولوجيا المباني الذكية» لتقليل استهلاك الطاقة.
من الصعب في هذا الوقت توقع العوائد الاقتصادية لهذه الاستثمارات الضخمة لكنها بالتأكيد ستكون مجزية اقتصادياً وستسهم في المقام الأول بشكل كبير في تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والحد من تأثيرات التغير المناخي في الوقت الذي تخلق فرص عمل جديدة في منطقة معظم سكانها من الشباب، فضلاً عن الحفاظ على موارد المياه الشحيحة أصلاً وتحمي البيئة الخليجية الفريدة.
خطوات متقدمة تقوم بها هذه الدول، من المؤمل أن تماثلها جهود من دول الجوار في الإقليم، فمن المهم أن تكون هذه الجهود متكاملة حيث يُلاحظ أن الدول الكبرى في الإقليم والتي تجاور دول الخليج لا تضع «الاستدامة» في سلة أولوياتها.
*محمد المزعل صحفي وإعلامي ذو خبرة تمتد إلى نحو 30 عاماً، عمل رئيس تحرير لموقع «غلف نيوز» بالإمارات لمدة 20 عاماً، ورئيس القسم الخارجي في صحيفة الخليج، وهو الآن يعمل استشارياً إعلامياً.
** الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».