في سبعينيات القرن الماضي، عانى العالم من ارتفاع معدلات التضخم بما في ذلك اقتصاد أميركا التي عانت من التضخم المفرط، ما اضطرها في النهاية لرفع أسعار الفائدة بشكل عنيف.
وتتشابه البيانات الاقتصادية التي سببت ارتفاع معدل التضخم في أميركا حالياً مع مثيلتها في السبعينيات، ما يثير المخاوف من استمرار موجة التضخم الحالية رغم سياسة التشديد النقدي الحالية.
ومنذ شهر مارس آذار 2022، بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي حملة عنيفة عبر رفع أسعار الفائدة في محاولة للتغلب على التضخم المتصاعد.
وبدأ هذا الحل يؤتي ثماره، إذ وصل مؤشر أسعار المستهلك إلى 3.2 في المئة في يوليو تموز، بينما سجل مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي -وهو المعيار المفضل لدى المركزي الأمريكي لقياس التضخم- 4.1 في المئة في الشهر نفسه مقارنةً بالفترة ذاتها من العام الماضي.
في كلتا الحالتين، لا تزال قراءة المؤشرين أعلى من مستهدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المئة.
هل يتكرر سيناريو التضخم في السبعينيات؟
تدحض مذكرة بحثية من «سيتي غلوبال ويلث انفستمنتس» هذه المخاوف، إذ أوضحت أنه في عامي 2021 و2022، عانى العالم من التضخم الذي بلغ في المتوسط نحو 7 في المئة في أميركا وأعلى في بعض المناطق، بينما في السبعينيات استمر التضخم عند مستوى 8 في المئة لمدة عقد من الزمن.
لا يتوقع «سيتي غلوبال» عودة الوضع العنيد والمتسارع للتضخم على غرار ما حدث في سبعينيات القرن العشرين، نظراً لاختلاف الظروف والسياسات الحالية عن تلك التي سادت في السبعينيات.
وأوضح أن بيانات الأجور -وهي أحد مدخلات التضخم- تشير إلى أن نمو مدفوعات الأجور في أميركا يتباطأ حالياً إلى نسبة 5.6 في المئة على أساس سنوي، أي ما يعادل نصف متوسط وتيرة النمو في السبعينيات والبالغة 10.3 في المئة.
وأضاف «على غرار معدل البطالة، يُعد نمو الأجور بمثابة مؤشر لقياس الطلب الإجمالي في الاقتصاد، ومنذ عام 2020 ترتفع الأجور والإنفاق بينما انخفضت معدلات البطالة».
وبحسب «سيتي غلوبال»، فإن السياسة النقدية والمالية التي طُبقت في عام 2020 خلقت طفرة قصيرة وحادة في التضخم أكبر من أي وقت مضى في السبعينيات.. وبلغ معدل نمو السيولة المحلية في أميركا 25 في المئة في ذلك العام.
لكن العام الماضي شهد انكماشاً في حجم السيولة المحلية بنسبة 3.7 في المئة، وهو أول انخفاض سنوي منذ أواخر الأربعينيات، ما يعني أن الفيدرالي الأميركي على استعداد للمخاطرة بوقوع الركود في سبيل احتواء التضخم.
ونتيجة لذلك، تشير التوقعات طويلة المدى لمؤشر أسعار المستهلك في أميركا إلى اختلاف ملحوظ عمّا كانت عليه الحال في السبعينيات.
وتتراوح توقعات التضخم على المدى البعيد حول مستوى 3%، وهو مستوى لا يزيد كثيراً على فترة ما قبل جائحة كورونا.
هل هناك داعٍ للقلق من تكرار سيناريو السبعينيات؟
يرى «سيتي غلوبال ويلث انفستمنتس» أن القلق من تكرار سيناريو السبعينيات لم ينتقل إلى الأسواق المالية، إذ بلغ متوسط مكاسب سندات الخزانة الأميركية المحمية من التضخم لأجل 10 سنوات 2.3 في المئة، بينما حقق مؤشر « إس آند بي 500» 20 ضعف الربح المحتمل لهذا العام.
وأشار إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي حالياً لا يتبع مسار التراخي نفسه الذي اتبعه في السبعينيات.
فخلال السبعينيات، تأخر الفيدرالي الأميركي في التعامل مع ارتفاع التضخم المستمر، ما اضطره للتدخل بشكل متسارع وقوي في وقتٍ لاحق ليقفز بسعر الفائدة إلى 16 في المئة حينها، والنتيجة كانت الدخول في ركود اقتصادي عنيف استمر حتى منتصف الثمانينيات.