يمر الاقتصاد الفلسطيني بأيام عصيبة وسط تفاقم الصراع بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، ويؤكد الخبراء أن الأزمة الحالية زادت من معاناة اقتصاد كان يواجه العديد من المشكلات والعراقيل.
ومنذ السابع من أكتوبر تشرين الأول الحالي يشهد قطاع غزة والمنطقة المحيطة به قتالاً عنيفاً، بعد هجوم من عناصر حركة حماس على مستوطنات بغلاف القطاع، ثم انضمت فصائل فلسطينية أخرى لها، ليرد الجيش الإسرائيلي بقصف جوي متواصل حتى الآن على قطاع غزة، بالإضافة للتهديد باجتياح بري للقطاع.
الحرب تفاقم أزمات الاقتصاد الفلسطيني
بطبيعة الحال كان لهذا تبعات جمّة على الاقتصاد الفلسطيني، وقال رئيس نقابة تجار المواد الغذائية في فلسطين، وسيم الجعبري، في تصريحات لـ«CNN الاقتصادية» إنه يتوقع «تراجع الاقتصاد الفلسطيني بنحو 50 في المئة جراء الحرب الدائرة حالياً في قطاع غزة».
وأضاف الجعبري أن «الاقتصاد الفلسطيني كان يشهد حالة ركود قبل الحرب، والتجارة بين قطاع غزة والضفة كانت شديدة الصعوبة والتعقيد، ومنذ بداية الحرب توقفت بالكامل، ما أصاب الضفة الغربية بحالة انكماش».
وتابع الجعبري «الجانب الإسرائيلي أغلق المعابر ومنع دخول البضائع، كل قطاعات الاقتصاد الفلسطيني تعاني بسبب تعطل دخول المواد الخام والمواد الأساسية».
في السياق نفسه، قال رئيس ملتقى رجال الأعمال الفلسطيني أحمد القواسمي في تصريحات لـ«CNN الاقتصادية» إن «إغلاق الطرق ما بين المحافظات وما بين المناطق في المحافظة الواحدة يعيق حركة مرور البضائع وانسيابها ما بين المصنع والتاجر، وما إلى ذلك من انعكاسات سلبية مثل تعطل سلاسل التوريد وإعاقة الحركة الإنتاجية، ما يجبر أصحاب المصانع على تقليل عدد العمال أو إغلاق مصانعهم في كثير من الأحيان».
وأضاف القواسمي «أغلقت سلطات الاحتلال معبر ترقوميا الواصل بين مدينة الخليل والمناطق الإسرائيلية، والذي يعد الشريان الأساسي لإتمام عمليات الاستيراد والتصدير، إذ تمر عبره المواد الخام للمصانع كما تخرج منه البضائع الفلسطينية إلى الأسواق الخارجية».
وأشار القواسمي إلى المكانة الخاصة لمدينة الخليل داخل الاقتصاد الفلسطيني، قائلاً «تزيد نسبة الصناعات الفلسطينية منها على 40 في المئة من مجمل الصناعات المنتَجة، ولا يقل الأمر أهمية بخصوص نسبة تجارتها، بالإضافة لكونها مقصداً سياحياً مهماً».
وأكد القواسمي «يحول إغلاق المعبر بين المصنع والإيفاء بالتزاماته أمام زبائنه أو تنفيذ ما ورد في عقود مبرمة سابقاً، ما قد يضيف عليه غرامات عدم الالتزام أو التأخر في التسليم، ناهيك عن تراجع السيولة النقدية والإيرادات المحققة».
وأوضح القواسمي «بعض الصناعات الفلسطينية قبل الحرب نجحت في تحقيق مكانة متقدمة في تلبية احتياجات الحصة السوقية وكذلك الأسواق الخارجية القريبة كالصناعات البلاستيكية والصناعات الورقية»، مضيفاً «تهدد الحرب بضياع هذه النجاحات».
عراقيل إسرائيلية أمام الاقتصاد الفلسطيني
وقال القواسمي إن «الجانب الإسرائيلي يضع الكثير من العقبات والتعقيدات أمام نمو الاقتصاد الفلسطيني بشقيه العام والخاص بحجة الدواعي الأمنية، كما يقدم أحياناً على حجز أموال المقاصة للطرف الإسرائيلي والاقتطاع منها وما لذلك من تأثيرات على دوران العجلة الاقتصادية بشكل عام، فكيف يكون الحال في ظل حرب تلقي بتعقيدات إضافية على ما هو معقد أصلاً».
من جانبه أوضح أستاذ العلوم الاقتصادية في الجامعة العربية الأميركية في رام الله، نصر عبدالكريم، لـ«CNN الاقتصادية» أن «المقاصة مع إسرائيل هي الإجراءات الجمركية وضريبة القيمة المضافة التي تحصلها إسرائيل وتحولها في نهاية كل شهر إلى خزينة السلطة الفلسطينية، وتقدر قيمتها بنحو 700 مليون شيكل شهرياً».
وضع الأمن الغذائي في الأراضي الفلسطينية
وشدد القواسمي على أن «سلطات الاحتلال تعتمد دوماً في مثل هذه الظروف على أسلوب التلويح بمنع وصول الاحتياجات الأساسية اليومية، التي يهدد مجرد نقصها وليس قطعها الأمن الغذائي كالأعلاف والمحروقات، التي لا سبيل إلى استيرادها إلا عن طريق السلطات الإسرائيلية وفقاً للاتفاقيات الموقعة، وكذلك الطاقة الكهربائية».
النقطة نفسها أشار لها الجعبري قائلاً «إغلاق المعابر ومنع دخول البضائع تسبب في جنون أسعار الخضراوات و المواد الغذائية»، موضحاً «حالياً لا يدخل إلى الأراضي الفلسطينية سوى أقل القليل من المواد الغذائية».
وأضاف الجعبري أن «الضفة الغربية لديها ما يكفيها من المواد الغذائية الرئيسية مثل الأرز والسكر والطحين لنحو ثلاثة أشهر»، مشيراً إلى أن «الوضع أسوأ بكثير في قطاع غزة الذي وصل إلى نقطة الانهيار».
وقال القواسمي «الاقتصاد الفلسطيني بطبيعته اقتصاد يعاني ويواجه العديد من المشكلات التي تعيق نموه وتزيد من نسبة بطالة أبناء شعبه».
في سياق مشابه أوضح عبدالكريم أنه على «العكس من الاقتصاد الإسرائيلي الذي يجد من يهبّ لنجدته ودعمه، خاصة الولايات المتحدة الأميركية وربما الاتحاد الأوروبي، فإن الاقتصاد الفلسطيني لا يجد الدعم نفسه».