يفتتح محافظ صندوق الاستثمارات العامة رئيس مجلس إدارة مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار ياسر الرميان، فعاليات النسخة السابعة من منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار، يوم الثلاثاء، في العاصمة السعودية الرياض، في وقت يشهد فيه العالم تصاعد حدة الأزمات، ما بين الوضع في غزة واستمرار الصراع مع إسرائيل، الذي راح ضحيته آلاف المدنيين وكلَّف اقتصاديهما الكثير، وملف التغيُّر المناخي، خاصة في العام الجاري الذي أصبح الأكثر حرارة على الإطلاق والأشد قسوة من ناحية الكوارث الطبيعية التي شهدها، سواء زلازل مدمرة أو تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وحرائق الغابات.
يأتي ذلك إضافة إلى المخاوف التي تسبب فيها انتشار الذكاء الاصطناعي، خاصة أداة (تشات جي بي تي) وتهديدها خصوصية البيانات، وارتفاع نسب التضخم العالمية والركود الاقتصادي الذي يلوح في الأفق، والتوجه نحو العملات المشفرة والذهب كملاذ آمن لمواجهة هيمنة الدولار، ولن ننسى انهيار البنوك الأميركية؛ ما هدد قطاع الشركات التكنولوجية الناشئة.
فكيف يمكن لتلك الأزمات، خاصة تداعيات الحرب في غزة، التأثير على فعاليات المنتدى لهذا العام؟ وهل سيواصل جذب الآلاف من المشاركين في ظل التهديدات التي تشهدها المنطقة؟
تأثير الصراع بين إسرائيل وغزة
يأتي تنظيم الرياض للمنتدى، بعد أيام من مطالبة السعودية بتحرك عاجل لوقف إطلاق النار في غزة خلال مشاركة وزير الخارجية السعودي في قمة القاهرة للسلام، وتباينت الآراء حول حضور المنتدى هذا العام بسبب الصراع بين إسرائيل وغزة، ذلك في الوقت الذي تُذّكر فيه هذه الأزمات العالمية، الرياض بالتحديات التي قد تواجه السعودية في سبيل تحقيق مستهدفات رؤية 2030، خاصة مع اقتراب نصف المدة الزمنية المتاحة لتنفيذها نحو تنويع روافد اقتصادها، علماً بأنها لم تكن الأزمة الأولى، فقد واجه المنتدى سابقاً تداعيات جائحة كوفيد-19 أيضاً؛ ما اضطر المسؤولين إلى تأجيل موعده.
لكن هذه المرة، تمسكت مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار بتنظيم المنتدى في موعده خلال الفترة من 24 إلى 26 أكتوبر تشرين الأول، فالأحداث الجارية تعزز من ضرورة اجتماع القادة في هذا الموعد لمعالجة القضايا العالمية التي تواجه الإنسانية، وقالت إنه سيشهد مشاركة أكثر من خمسة آلاف شخص، إذ انسحب اثنان فقط بسبب الأحداث الجارية في غزة، وفقاً لما أوردته وكالة رويترز.
وكان أحد المتحدثين الصينيين قد أكّد لوكالة رويترز حضوره، على الرغم من الصراع الدائر في الشرق الأوسط.
من جهته، قال جيمس سوانستون، خبير الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس، لوكالة رويترز إن سندات الخزانة في السعودية زادت بمقدار 20 نقطة أساس منذ بدء الصراع، ولا تزال عند مستويات منخفضة، ما يشير إلى شعور المستثمرين بالقلق ومراقبتهم التوتر الناجم عن الصراع وإمكانية امتداده إلى مناطق أخرى.
حضور شخصيات بارزة
مع ذلك، من المقرر أن يشهد المنتدى حضور عدد من قادة البنوك الخليجية وممولي وول ستريت، ووفقاً لوكالة الأنباء السعودية، فإن هذه النسخة تنعقد للمرة الأولى على نظام العضوية السنوية، ليقتصر الحضور على صناع القرار والقادة الدوليين، إضافة إلى أصحاب العضويات والشركاء الاستراتيجيين وضيوفهم، ليشهدها أكثر من 500 متحدث.
كما سيشهد المنتدى، إلى جانب محافظ صندوق الاستثمارات العامة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار ياسر الرميان، أجاي بانغا رئيس البنك الدولي، وجيمي دايمون الرئيس التنفيذي لجيه بي مورغان تشيس، ونويل كوين الرئيس التنفيذي لمجموعة إتش إس بي سي القابضة، وديفيد سولومون من شركة غولدمان ساكس ورجل الأعمال الهندي موكيش أمباني.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي السعودي علي الغدير لمنصة «CNN الاقتصادية»، إن التمسك بانعقاد المنتدى في موعده بالرياض خلال الأزمات التي يشهدها العالم ضروري، ليبرز صورة واضحة إلى العالم حول الإمكانات السعودية لجذب الاستثمارات ودعم الاقتصاد رغم التحديات، فضلاً عن استمرارها نحو تحقيق مستهدفات رؤية 2030 بقوة، متحدية تلك الأزمات التي تولي لها اهتماماً خاصاً.
جدول أعمال النسخة السابعة للمنتدى
يواكب جدول أعمال النسخة السابعة من منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار، التحديات التي يشهدها العالم، إذ يبحث التمويل المناخي، وتأثير الذكاء الاصطناعي على الأزمة المناخية العالمية، كما سيركز على الاستثمار في تكنولوجيا المناخ، والقيمة الفعلية للتحول إلى الطاقة النظيفة وخفض الانبعاثات الكربونية، والتكنولوجيا النظيفة، والتحول إلى التمويل المستدام، إضافة إلى أهم المشاريع الكبرى في السعودية، ومنها الدرعية وروشن وتأثيرها في جذب الاستثمارات وتحقيق مستهدفات رؤية 2030.
كما يستشرف المشاركون في المنتدى الوضع وما قد يبدو عليه العام المقبل 2024 في القطاعات المختلفة، والتعريف بأهم التقنيات الحديثة التي قد تؤثر في عالم التمويل والاستثمار، وهل يمكن للإنسان أن يقف يداً بيد إلى جانب الذكاء الاصطناعي لدعم بيئة الأعمال، والرياضات الإلكترونية، وإنترنت الأشياء، والاستثمار في العملات المشفرة، وإنشاء المدن الذكية، كما سيُقام منتدى إدارة أصول صندوق الاستثمارات العامة في اليوم الثالث للمنتدى.
وتتناول جلسات الحوار أيضاً استكشاف الفضاء، والمركبات الكهربائية، والتكنولوجيا الحيوية والغذائية.
وشدد المشاركون في افتتاح المنتدى على أهمية الخدمات المالية المحفزة للاستثمار ومساهمتها في دعم الاقتصاد العالمي، وقوة تنافسيته، بينما ناقشوا تداعيات القلق الدولي على الاقتصاد.
وأوضحوا أهمية وجود بيئة تنافسية صحية تخدم نمو الاقتصاد في دول العالم، مؤكدين أهمية الشراكات العالمية التي تحقق العديد من المنجزات في الكثير من القطاعات التي تشمل التعدين والصحة، والتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي.
بيئة جاذبة للاستثمار
يبدو أن السعودية تتطلع إلى تعزيز علاقتها الاقتصادية مع الصين، إذ قال ريتشارد أتياس الرئيس التنفيذي لمعهد مبادرة مستقبل الاستثمار لرويترز إن سبعين متحدثاً سيكونون من القارة الآسيوية، منهم 40 من الصين.
وأضاف أن مؤشر مستقبل الاستثمار هذا العام يعكس التحولات العالمية في القوة الاقتصادية نحو الشرق، إذ تلعب الصين والهند والدول التجارية في جنوب شرق آسيا دوراً محورياً.
فيما قال الغدير لمنصة «CNN الاقتصادية» إن السعودية تتمتع بالعديد من المقومات التي تجعلها الوجهة الجاذبة الأولى للاستثمارات، نتيجة لاقتصادها الكبير، وسوقها الواعدة بأكثر من 30 مليون نسمة، إضافة إلى التنوع الثقافي، والموارد الطبيعية، والموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يسهل البدء بالأعمال.
وأفاد بأن «هناك العديد من الخطوات التي يمكن للمملكة اتخاذها لتعزيز مستقبل الاستثمار في البلاد، منها تحسين البيئة الاستثمارية وتطوير التشريعات الداعمة بما يتوافق مع تسهيل الاستثمارات، وتعزيز التعاون الدولي وبناء الشراكات في ما يتعلق بالاستثمار الأجنبي، والاستمرار في تطوير البنية التحتية والمرافق الداعمة للاستثمار، ورفع مستوى الوعي بأهمية الاستثمار في السعودية».
وقال «إذا نجحت المملكة في اتخاذ هذه الخطوات، فإنها ستكون قادرة على تحقيق أهدافها في تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية وتنويع مصادر الدخل».
وكانت نشرة بي دبليو سي الشرق الأوسط الاقتصادية مؤخراً، أوضحت أن السعودية تسير في الطريق الصحيح نحو تحقيق مستهدفات رؤية 2030، خاصة مع خططها لتنويع روافد الاقتصاد، ما عزز من قوة الاقتصاد غير النفطي.
كما توقعت ميزانية السعودية 2024 في تقديراتها الأولية، نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.4 في المئة خلال العام المقبل، مدعوماً بنمو الأنشطة غير النفطية.
الاستثمار في تكنولوجيا المناخ
مع استمرار التحديات وتفاقم الأزمة المناخية خاصة مع ارتفاع حرارة الأرض في 2023، وبالتزامن مع تأسيس السعودية أسواقاً و بورصات لتداول الكربون، لتعزيز مكانتها في مجال مواجهة تغير المناخ، يتناول المنتدى هذا العام، التمويل المناخي، ويركز على الاستثمار في تكنولوجيا المناخ.
ويناقش المتحدثون التأثير الإيجابي لتجارة الكربون على تغير المناخ، ودور التمويل في تسريع تنمية السوق الخضراء، وتدابير الاستدامة.
بدوره، قال رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو، بمشاركته في إحدى الجلسات الحوارية للمنتدى إن قطاع كرة القدم يمكنه تعزيز الشمول والاستدامة البيئية، كما يسهم بنحو 200 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي منذ عام 2018، أغلبها من القارة الأوروبية، إذ تبلغ نسبة مساهمتها نحو 70 في المئة.
وأضاف أن كرة القدم يمكنها أن تجمع العالم على قلب رجل واحد، وفي الوقت نفسه فهي صناعة قد تصل إلى 500 مليار دولار.
وقال الغدير «إن المملكة تضع ملف أزمة المناخ نصب أعينها، خاصة بعد أن فرض التغير المناخي تحديات جديدة على الاستثمار، والتي قد يراها البعض تحولاً جديداً إلى فرص استثمارية تلوح في الأفق، فاتخاذ الشركات تدابير خفض الانبعاثات الكربونية ومواجهة مخاطر التغيرات المناخية، عزز من قوة سوق الهيدروجين الأخضر».
من جهته، قال رئيس البنك الدولي أجاى بانغا، خلال مشاركته بالمنتدى إن حجم الطاقة المتجددة وصل إلى ثلاثة مليارات دولار، والأمر يتضاعف.
ولفت إلى ضرورة مشاركة القطاع الخاص للوصول إلى مستوى ينمي الاقتصاد العالمي، والعمل معاً للحد من الانبعاثات الكربونية.
كما أشاد الرميان في افتتاح المنتدى بتطوير السعودية لحلول داعمة لتحول الطاقة، مبدياً تطلعاته إلى العديد من المبادرات الرائدة، منها تطوير الوقود الإلكتروني الاصطناعي مع تخطيط شركتَي أرامكو ونيوم لبناء مصنع تجريبي للوقود الإلكتروني الاصطناعي منخفض الكربون لإنتاج البنزين، وهذا من شأنه أن يقلل الانبعاثات بنسبة تزيد على 70 في المئة مقارنة بالوقود التقليدي.
يأتي ذلك قبل شهر من انعقاد مؤتمر كوب 28 في الإمارات، إذ تتواءم الرؤى من أجل البحث عن حلول للأزمة المناخية، وتتكاتف الجهود تمهيداً لهذا الحدث البارز.