مع بدء الانتخابات التمهيدية الأميركية في عدد من الولايات بداية شهر مارس آذار الحالي، تتجه الأنظار لأداء الأسواق والاقتصاد بشكل عام؛ نظراً لكونه يلعب دوراً بارزاً في حسم الموقف الانتخابي.
ويستخدم الرؤساء المرشحون في خطاباتهم الانتخابية أداء الأسواق المالية كحملة ترويجية لسياستهم الاقتصادية، فالديمقراطي جو بايدن تفاخر في الآونة الأخيرة بالأداء المتميز لمؤشر ستاندرد أند بورز 500 نتيجة لنهجه الاقتصادي، كما أن دونالد ترامب شدد بعد أشهر من توليه الرئاسة السابقة، على الأداء الجيد للسوق المالية كنتيجة لسياسته الاقتصادية.
وتشكل السياسات المالية والنقدية حجر زاوية في تحديد معنويات الاستثمار على المدى البعيد وفي تفاؤل المستهلكين أو تشاؤمهم، فإذا كان اتجاه سوق الأوراق المالية تصاعدياً، تزداد شعبية الرئيس، بينما تقوّض مكانته في حال كان الأداء سلبياً.
ويبقى السؤال: هل للانتخابات الرئيسية وهوية الرئيس تأثير مباشر على أداء الأسواق المالية أم أن العكس صحيح؟
يقول بيتر غارنري، رئيس استراتيجيات الأسهم في ساكسو بنك «هناك ميل تاريخي إلى أن يشكل الاقتصاد الضعيف مشكلة للرئيس الموجود في السلطة، وهو ما قد يعوق إعادة انتخابه، ويكون المعيار المتبع لتحديد اتجاه انتخابات 2024 مرتبط بعوامل مثل التضخم وفرص العمل ونمو الناتج المحلي الإجمالي التي يتم تحديدها كمؤشرات رئيسية يجب مراقبتها من حيث الشعبية الرئاسية وأداء السوق».
وخلص إلى أن أداء سوق الأسهم الأمريكية القوي يعزز من فرص فوز الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض «ومع ذلك، لا يمكننا أن نستنتج أن هناك أي علاقة سببية بين أداء سوق الأسهم ونتيجة الانتخابات، والدراسة التي قمنا بها شملت 13 دورة انتخابية رئاسية منذ عام 1972، إلا أن ثلاث عشرة دورة انتخابات لا تكفي لإثبات الدلالة الإحصائية».
تأثير محدود
وأظهرت دراسة قام بها بنك يو. إس لإدارة الثروات في الآونة الأخيرة مدى «تأثير الانتخابات الرئاسية على أسواق الأوراق المالية» من خلال مراجعة بيانات الانتخابات والأسواق منذ العام 1948- القدرة المحدودة للرئيس على التأثير على الأسواق المالية على المدى القصير والمتوسط.
وكشفت أن العوامل الأكثر تأثيراً على المحافظ المالية للمستثمرين هي المؤشرات الاقتصادية مثل النمو والتضخم وأسعار الفائدة وأرباح الشركات.
كما بينت الدراسة تميز أداء مؤشر ستاندرد أند بورز في السنة التي تلي الانتخابات النصفية، مقارنة بالسنوات التي ليس فيها هذا الاستحقاق.
وأظهرت الدراسة أنه خلال الانتخابات الرئاسية، لم يكن الحزب الذي لديه غالبية الأصوات في الكونغرس عموماً عاملاً في توقع الأداء العام لسوق الأسهم، وأن هذا الاتجاه كان ثابتاً خلال الدورات الانتخابية السابقة ما لم يكن هناك عوامل أدت إلى اضطرابات جذرية.
وشرح غارنري أن «متوسط عائد مؤشر ستاندرد أند بورز 500 (باستثناء إعادة استثمار أرباح الأسهم) في سنوات الانتخابات يحقق 7.8 في المئة في المتوسط، مقارنة بـ7.7 في المئة في سنوات أخرى، وهو قريب جداً من العائد المركب خلال السنوات غير الانتخابية، ما يشير إلى عدم وجود فروق كبيرة».
وحول ما إذا كان لأداء سوق الأسهم أي تأثير على نتائج الانتخابات، أوضح غارنر -استناداً إلى الدراسة التي قام بها ساكسو بنك- «تعتبر سوق الأسهم أحد المؤشرات الرئيسية للمعنويات والآفاق المستقبلية للاقتصاد، فهي تلخص مجمل الآراء حول آفاق المستقبل، وبالتالي فإن الإقبال على سوق الأسهم في يوم الانتخابات يشير إلى تحسن التوقعات التي من الناحية النظرية تحمل مؤشرات قد تكون إيجابية للحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض»، وأضاف أن أداء سوق الأسهم الأمريكية القوي يعزز من فرص فوز الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض، نافياً أي علاقة سببية بين أداء سوق الأسهم ونتيجة الانتخابات.
دور الفيدرالي
أشار غارنري إلى أنه يجري تداول فكرة «سيناريو عدم الهبوط الناعم» للاقتصاد الأميركي بشكل متزايد، ما يعني عودة ارتفاع معدلات التضخم وإمكانية إعادة النظر في رفع أسعار الفائدة، وعلى الرغم من ذلك، يظل خفض أسعار الفائدة هو الاحتمال الأكثر ترجيحاً، ولكن أمام هذا الواقع الصعب الذي يواجه الاحتياطي الفيدرالي، فإن الانتخابات تجعله أكثر صعوبة، إذا أراد بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة، فإن إحدى الحجج تقول إنه ربما يرغب في التخفيض مبكراً لتجنب أي انطباع بالتحيز السياسي المتعلق بفترة الانتخابات.
وأردف قائلاً «فيما ترى نظرية تآمرية ثانية أن بنك الاحتياطي الفيدرالي برئاسة باول يفضل بايدن الذي يعتبر مقبولاً أكثر في الأوساط السياسية في واشنطن، وسيميل بقدر ما يجرؤ على زيادة فرصه في الفوز».
دفة الانتخابات تميل لمن؟
يرى غارنري أنه قد يكون من السابق لأوانه بعض الشيء تحديد من سيفوز في الانتخابات، فيما لم يكشف بعد عن البرنامج الحزبي لكلا المرشحين، وأوضح أن النقطة التي يختلف فيها المرشحان هي مدى مشاركة الولايات المتحدة في حفظ الاستقرار الجيوسياسي، لا سيما فيما يتعلق بحلف شمال الأطلسي والإنفاق الدفاعي.
وقال «هنا سيركز خط بايدن على التعاون مع الحلفاء، في حين من المرجح أن يحجّم ترامب مشاركة البلاد في النزاعات العالمية، سيكون لهذا، على سبيل المثال، تأثير كبير على أسهم الشركات الدفاعية الأوروبية».
وبناء على الدراستين يبدو أن الانتخابات الرئاسية بين الديمقراطيين والجمهورين لها تداعيات محدودة على أداء الأسواق المالية التي تبقى الكلمة الفصل فيها للقطاع الخاص وسياسة الفيدرالي، ويبقى من المؤكد أن التحدي الأساسي أمام الرئيس المنتخب يتمثل في معالجة إرث السياسة المالية السابقة، حيث وصلت قيمة الدين العام إلى مستويات قياسية ناهزت 34 تريليون دولار، مع عجز في الموازنة قدّرته الخزانة الأميركية بنهاية السنة المالية الماضية بـ1.7 تريليون دولار، وسط تخوفات مستمرة من إمكانية التخلف عن سداد الديون.