منذ بداية القرن العشرين، شهدت السياسة الدولية تحولات كبرى تتمثل في نزاعات وحروب متعددة أثّرت بشكلٍ كبير على العلاقات بين الدول، وبدءاً من الحروب العالمية ومروراً بالحرب الباردة وصولاً إلى الحرب الاقتصادية والعقوبات، أصبحت الأدوات الاقتصادية جزءاً لا يتجزأ من الصراعات الدولية.
في هذا السياق، تبرز العقوبات الاقتصادية كأداة قوية في يد الدول الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة التي طالما استخدمتها لفرض سياساتها وحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية على الساحة العالمية.
وبعد الهجوم الإيراني بأكثر من 200 طائرة مسيّرة وصاروخ على إسرائيل، رداً على استهداف قنصليتها في دمشق، تعود العقوبات الأميركية مجدداً في الأفق.
لكن ما الذي يمنح الولايات المتحدة، خلافاً لدول كبرى مثل روسيا والصين، القدرة ليس فقط على فرض عقوبات اقتصادية بل والتسبب بأضرار جسيمة وكارثية على دول وكيانات معينة؟
ما الذي يجعل الولايات المتحدة قادرة على فرض العقوبات؟
الجواب بكل بساطة يمكن اختصاره بقوة الدولار، وسيطرته على نحو 90 في المئة من معاملات الصرف الأجنبي، واستحواذه على 85 في المئة من المعاملات في الأسواق الفورية والآجلة والمقايضة، هذا عدا عن كونه يشكّل نصف التجارة العالمية وثلاثة أرباع تجارة آسيا والمحيط الهادئ، بالإضافة إلى نحو 59 في المئة من إجمالي احتياطيات البنوك المركزية حول العالم، حسبما تشير بيانات بنك التسويات الدولية.
وإلى جانب ذلك، فإن العقوبات الأميركية تشمل تجميد الأصول الخارجية ومصادرة الممتلكات وكذلك قد تشمل احتياطيات الذهب لدى البنوك المركزية.
بمعنى آخر، فإن فرض عقوبات أميركية على دولة ما، يعني وبلمح البصر، تجميد أصولها ومصادرتها، فضلاً عن تقويض تحركاتها الخارجية وحظرها تجارياً بشكلٍ يعرّض أي متعامل معها لعواقب وخيمة.. وإيران أكبر مثال على هذه العواقب.
العقوبات الأميركية على إيران.. بين ترامب وبايدن
من لحظة احتلال السفارة الأميركية في طهران في الرابع من نوفمبر تشرين الثاني 1979 على أيدي نحو 500 طالب جامعي، أي بعد نحو عامين على اندلاع الثورة الإيرانية ضد حكم الشاه محمد رضا بهلوي، التي قادها المرشد الأعلى روح الله الخميني، تفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على إيران، بدأت في عهد الرئيس التاسع والثلاثين جيمي كارتر.
ومنذ ذلك التاريخ، توالت العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية وحلفائها، لكنها سجلت رقماً قياسياً بين عامي 2018 و2021، خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، إذ تجاوزت 1500 قرار حسبما تشير بيانات وزارة الخزانة الأميركية، من بينها 5 قرارات في الشهر الأخير قبل تركه البيت الأبيض.
نتيجة ذلك، ووسط خروج ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، انخفض النمو الاقتصادي الإيراني بنسبة 13.6 في المئة، خلال عام واحد فقط، مقارنة بنمو حاد خلال توقيع الاتفاق في 2016 وقدره 12.5 في المئة، وبلغ حجم خسائر إيران نحو 270 مليار دولار، خلال فترة حكم إدارة دونالد ترامب، حسبما ورد في تصريح للمتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني.
لكن الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، ذكر عام 2020 أن العقوبات الأميركية ألحقت بإيران خسائر تتجاوز 150 مليار دولار، خلال فترة حكم ترامب.
أمّا الرئيس الحالي جو بايدن، فقد اتبع مساراً أقل حدة في التعاطي مع إيران، صحيح أنه وجّه أكثر من 66 قراراً بفرض عقوبات على إيران والكيانات المرتبطة بها، إلّا أنه في الوقت نفسه ركز اهتمامه على روسيا بشكلٍ أكبر، خصوصا بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
وقد يكون أكبر قرار عرّضه للانتقاد في الوسط الأميركية السياسي، هو موافقته في مارس آذار الماضي، على تحرير نحو 10 مليارات دولار من أموال إيران المجمدة في العراق وكوريا الجنوبية.
أصول إيران المجمدة بسبب العقوبات
من جهة أخرى، وفي ورقة بحثية تم نشرها في أواخر عام 2016، وكانت مبنية على تجميع لتعليقات البنك المركزي الإيراني، قدّر الباحث الاقتصادي والمحاضر بجامعة برانديز، نادر حبيبي، أن الأصول المجمدة لإيران تناهز 101.6 مليار دولار، منها 22.4 مليار دولار، محتفظ بها في البنوك الصينية، و12 مليار دولار مجمدة في الولايات المتحدة.
اقتصاد إيران.. بالأرقام
- هبط الريال الإيراني إلى مستوى 66 ألف ريال مقابل الدولار السبت، في السوق الموازية حسبما أشار موقع «إيران واير»، علماً بأن السعر الرسمي حسبما تشير بيانات المركزي الإيراني يناهز 42 ألفاً للدولار.
- بلغ معدل التضخم السنوي خلال فبراير شباط الماضي 35 في المئة، مقارنة بمتوسط 49 في المئة في 2022، ويرجح صندوق النقد متوسط تضخم قدره 32.5 في المئة في 2024.
- معدل البطالة سجل 9.6 في المئة خلال فبراير شباط 2024.
- قدر صندوق النقد الدولي ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لإيران إلى 386.2 مليار دولار في 2024، وسط نمو اقتصادي بنسبة 2.5 في المئة.
- تبلغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 30.5 في المئة في 2024، حسب بيانات صندوق النقد.