تتدفق الأموال إلى سندات الحكومة الصينية بشكل جنوني، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها وانخفاض عائداتها إلى مستويات قياسية، إذ يبحث المستثمرون عن بديل أكثر أماناً لسوق العقارات المدمر في البلاد وتقلبات الأسهم.
ولامس العائد على السندات الحكومية الصينية لأجل 10 سنوات، وهو معيار لمجموعة واسعة من أسعار الفائدة، 2.18 في المئة يوم الاثنين، وهو أدنى مستوى منذ عام 2002 عندما بدأ تتبع البيانات.
كما أن العائد على السندات لأجل 20 عاماً و30 عاماً يحوم حول أدنى مستوياته التاريخية، وتنخفض عائدات السندات، أو العوائد المقدمة للمستثمرين مقابل الاحتفاظ بها، مع ارتفاع الأسعار.
وينبغي أن يكون انخفاض تكاليف الاقتراض موضع ترحيب في اقتصاد يكافح من أجل التعافي من الانهيار العقاري، وتباطؤ الإنفاق الاستهلاكي، وضعف ثقة الأعمال، ولكن التحرك الحاد في السندات يثير قلقاً حاداً بين صناع السياسات في الصين، الذين يخشون أزمة مماثلة لانهيار بنك وادي السيليكون في العام الماضي.
وكان بنك الشعب الصيني أصدر أكثر من 10 تحذيرات منفصلة منذ أبريل نيسان الماضي بشأن خطر انفجار فقاعة السندات، وهو ما من شأنه زعزعة استقرار الأسواق المالية وعرقلة التعافي غير المتكافئ للاقتصاد الصيني، وفي الوقت الحالي، تقوم بشيء غير مسبوق، وهو اقتراض السندات لبيعها لخفض الأسعار.
وقال محافظ بنك الشعب الصيني بان جونغ شنغ في منتدى مالي في شنغهاي أواخر الشهر الماضي «لقد علمنا بنك وادي السيليكون في الولايات المتحدة أن البنك المركزي الصيني يحتاج إلى مراقبة وتقييم وضع السوق المالية من منظور التحوط الكلي».
وأضاف محافظ البنك المركزي «في الوقت الحاضر، يجب أن نولي اهتماماً وثيقاً بعدم تطابق الاستحقاق ومخاطر أسعار الفائدة المرتبطة بالحيازات الكبيرة من السندات المتوسطة وطويلة الأجل من قبل بعض الكيانات غير المصرفية»، وتشمل تلك الكيانات شركات التأمين وصناديق الاستثمار والشركات المالية الأخرى.
دروس مستفادة من الولايات المتحدة
يعد انهيار بنك وادي السيليكون أكبر فشل لبنك أميركي منذ الأزمة المالية العالمية، وتكمن جذور زواله في حقيقة مفادها أن البنك استثمر المليارات في سندات الحكومة الأميركية، وهو رهان آمن على ما يبدو ولكنه فشل عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة لترويض التضخم.
فانخفضت أسعار السندات التي كان يحتفظ بها وادي السيليكون، ما أدى إلى تآكل موارده المالية.
ويخشى صناع السياسات في الصين من خطر حدوث أزمة مماثلة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم إذا استمر جنون السندات دون رادع، إذ ارتفعت أسعار السندات الصينية بسرعة منذ أوائل هذا العام مع إقبال المستثمرين عليها بسبب التوقعات الاقتصادية غير المؤكدة، كما أصبحت الشركات تقترض بشكل أقل، ما يترك للبنوك أموالاً فائضة يتعين عليها تخزينها في مكان ما.
وقال كبير الاقتصاديين الصينيين في مجموعة ماكواري، لاري هو، «الطلب على الائتمان ضعيف بسبب أزمة العقارات. نتيجة لذلك، يتعين على البنوك شراء المزيد من السندات لأن الأموال محاصرة في سوق ما بين البنوك».
وأضاف أن «التوقعات الانكماشية» للاقتصاد سيطرت أيضاً على المستثمرين، ما دفعهم إلى التدفق على السندات السيادية طويلة الأجل.
وعلى غرار بنك وادي السيليكون، استثمرت المؤسسات المالية الصينية مبالغ كبيرة في السندات الحكومية طويلة الأجل، ما يجعلها عرضة للتغيرات المفاجئة في أسعار الفائدة.
تشعر بكين بالقلق من أنه إذا انفجرت فقاعة السندات، ما يؤدي إلى انخفاض الأسعار وارتفاع العائدات، فقد يعاني هؤلاء المقرضون من خسائر كبيرة.
وقال هو من ماكواري «ما يقلق صناع السياسات هو مخاطر أسعار الفائدة، التي سترتفع بمجرد تحول السرد المنتشر من الانكماش إلى الإنعاش».
وفي النصف الأول من العام الجاري، بلغ صافي مشتريات المؤسسات المالية من السندات السيادية، ومعظمها من قبل البنوك الإقليمية، 1.55 تريليون يوان، ما يعادل 210 مليار دولار، بزيادة 61 في المئة على الفترة ذاتها من العام الماضي، وفقاً لتحليل بيانات للبنك المركزي الذي أجرته شركة «Zheshang Securities»، شركة وساطة تابعة الدولة.
وتعد أسعار الفائدة الرسمية في الصين منخفضة بعد التخفيضات التي أجراها بنك الشعب الصيني في السنوات الأخيرة بهدف دعم الاقتصاد، واستمرت الضغوط الانكماشية، إذ ارتفعت أسعار المستهلكين بمعدل أقل من المتوقع في شهر مايو أيار، وانخفضت أسعار المصانع للشهر العشرين على التوالي.
وأضاف هو أنه «بمجرد تباطؤ الطلب الخارجي، سيتعين على بكين تكثيف التحفيز لتحقيق هدف النمو (الاقتصادي)».
إذا حدث ذلك، فسوف ترتفع عائدات السندات مع تحول المستثمرين مرة أخرى إلى الأسهم الأكثر خطورة، وفي الوقت ذاته من المتوقع أن يرتفع الطلب على الائتمان، وسوف تقوم البنوك بإقراض المزيد وبالتالي تقليص حيازاتها من الديون الحكومية، وقال هو إن هذا سيؤدي إلى انعكاس سوق السندات الصاعدة.
وأضاف أن «4 آلاف أو نحو ذلك من البنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم» في البلاد ستكون معرضة بشكل خاص لمخاطر أسعار الفائدة.
وفي علامة على المخاوف المتزايدة، قال بنك الشعب الصيني يوم الاثنين الماضي إنه سيتدخل بشكل مباشر في سوق السندات لتهدئة الوضع الجنوني «لأول مرة في التاريخ»، وفقاً لوسائل الإعلام الرسمية.
وسيقوم البنك المركزي باقتراض السندات الحكومية من المتداولين في السوق المفتوحة، حتى يتمكن من بيعها في محاولة لخفض الأسعار وتعزيز العائدات.
وأضاف بنك الشعب الصيني أن القرار اُتخذ بعد «مراقبة وتقييم دقيقين» وكان يهدف إلى «الحفاظ على التشغيل السليم لسوق السندات».
(لورا هي – CNN)